(الوتر السادس) الحلول الافتراضية.. ماذا تغني عن الواقع؟ لا يقدر الأمور تقديرا صحيحامن ينظر إلى الهبة الشعبية الجنوبية على أنها هبة وقتية عابرة يمكن أن تفيد معها الحلول الجزئية الترقيعية التي تحاول أن تروج لها رموز السلطة المحلية وغيرها جاعلة على عينيها غشاوة حفاظا على مصلحة خاصة ومتغافلة عن وطن يهب كله نحو مصلحته وقد تشكل وعيه السياسي باتجاه إعادةصياغة واقعه السياسي وذلك ببناء دولته المستقلة بعد أن وصل واقعه في إطار الجمهورية اليمنية إلى درجة الصفر من عدم التوافق، وهو فعل طبيعي أخذ فيه الجنوب العربي يتحول من طور المستلب إلى طور المستقل بكيانه السياسي الخاص مما يعد عملا مشروعا تحاول بعض القوى تمييعه وشغله إما بالإبقاء القسري على المشروع الشمولي الذي أثبت فشله،وإما بتشجيع مشاريع جزئية صغيرة في مساع مخادعة لا تخدم سوى السلطة المتنفذة في صنعاء،فما يمكن القيام به الآن بالنسبة لتلك القوى هو إلحاق أكبر قدر من الإرباكاتبالكيان الجنوبيحتى لا يتحقق. إن الجنوب-كما يعرف الجميع-ينطلق في وعيه السياسي لاستعادة دولته المستقلةوفقا لقناعاته النابعة من داخلهالتي يتوافق عليها أغلب الجماهير كما دلت مليونياتهمعلى ذلك،والمشهد واضح لا يعني الانتقال منه إلى مشهد آخر إلا خلخلة الموقف. إن ظاهرة الهبة الجنوبيةوقد تراكمتعلى مدى عقدين من الزمن كما أحدثتتأثيرتها العميقة على مستوى اليمن ستحدثها بالضرورة على مستوى الإقليم كله انطلاقا من مجريات تطور الأحداث وخطورتها، وإن السلطة في صنعاء كانت ومازالت تعتمد علىحلول افتراضية وتتوسل بها سواء في ما نتج عن مؤتمر الحوار أوفي ما يجري بعيدا عنه،وهو ما ظل يغريها ويقتلها في آن معا حيث لا تجيد التعامل مع الواقع، بل مع تصوراتهاالافتراضية سواء رسمتها بنفسها أم أملتها عليها دوائر خارجية حتى عجزت عن تشكيل موقف موحد نحو حل إشكالاتها المتعددة، ومنها القضية الجنوبيةبشكل أخص التي اختلفت وجهات نظرهمبشأنهامن المؤتمر الشعبي العام إلى حزب الإصلاح إلى الحزب الاشتراكي في دلالة على ارتباك واضح أو فقدان المصداقية في التعامل مع الحقائق،بخلاف الجنوب الذي شكل موقفه حقيقة ثابتة على الأرض يمكن لكل مراقب ملاحظتها،ودع عنك البلبلة التي يمكن أن تثار هنا أو هناك فلن يصح في المحصلة الأخيرة إلا الصحيح، وذلك بخلاف ما كانت عليه سلطة صنعاء عام 1994م إذ كانوا يرسمون الوقائع على الأرض ويتوحدون وينجحون،وكان الجنوب حينذاك كما في موقعهم اليوم متعدد النظرات والآراء،والنتيجة واضحة. لقد تغير الظرف التاريخي وصار على مفترق طرق ومازال بعضالساسة يجرب أدواته القديمة في معالجة وضع جديديتبعهم جيش من الإعلاميين الذين تحولوا إلى ما يشبه الصبية أمام الحواة السياسيين يرسمون لهم التشكيلات الخادعة التي يصدقونها وينبهرون بها جاعلين عقولهم في استرخاء تام بدل تتبع الحقائق وقراءتها كما ينتجها الواقع ويدل عليها مسير الأحداث وتطوراتها.