معروف عن حيوانات القردة أو القرود ولعها الشديد بالتقليد ومحاكاة الآخرين فيما يقومون به من أعمال وحركات، ومع كفرنا بنظرية ( داروين ) التي تقضي بأن أصول الإنسان ترجع إلى القرود، إلا أن الإنسان قد أخذ عنها هذه الصفة ( القردوية ) لتشكل منعطفاً لكل شيء في حياته بدءاً بنمط معيشته وعلاقاته وصلاته بالآخرين، وانتهاءً بطرائق تفكيره وأمور أخرى كثيرة. من المؤسف أن تقليدنا للآخرين لم يكن في الإيجابيات، بل صار جُلّ التقليد ما يصب في خانة السلبيات، ومما لا يعود على ذواتنا بالنفع، وربما تجاوز التقليد حدود المعقول ليصب في خانة الشر والإضرار بالنفس والآخرين، مما بات التحذير منه أمر حتمي، حتى لا ينتهي بنا الأمر أن نصير نسخاً مكررة من ثقافات أخرى، أو مسخاً وأشباحاً لا تقدم ولا تؤخر تشكل عبئاً ثقيلاً على الحياة أكثر مما تشكل الحياة عبئاً عليها. لقد وصل بنا التقليد وبشبابنا إلى أننا صرنا قاب قوسين أو أدنى من أن نفقد هويتنا وثقافتنا وإرثنا الأصيل أو كدنا أن نكون كذلك، بل وبات البعض منا مجرد أبواق تردد ما يقوله الآخرون، أو دُمى تُحرك كيفما يشتهي محركها، فمعظم الشباب والشابات انخرط في تقليد الغرب في التسريحات وقصات الشعر والموضات في اللبس والمشي إلى غير ذلك، وصار الفنان الفلاني، أو اللاعب العلاني يمثل القدوة التي يُحتذى بها، فتم تقليدهم من خلال أمور عديدة كلبس الفانلات التي يفضلونها، بل ووصل الأمر ببعض الشباب المقلد أن جعل لون حذاءه و غير ذلك من ملبوسه على حسب لون الفريق الذي يعشق أو اللاعب الذي يفضل فيه. ومن التقليد؛ التقليد الأجوف للسلف، أو ما يمكن أن نسميه بالتدين الزائف، الذي جرّ الكثير من الويلات على الدين، ولو علم هؤلاء المقلدون أن السلف ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من علو المراتب إلا عندما تحرروا من قيود التقليد الأعمى، وحلقوا بعقولهم في سماوات الفكر والاجتهاد الحر إلا من ضوابط الشرع وحدوده الذي لم يؤثر عنه أنه وقف حائلاً بين الإبداع الفكري خلال مسيرته الزاهرة . ومن التقليد أيضاً، التقليد بين طبقات المجتمع، فترى تقليد الفقير للغني، ومجاراة الميسورين في نفقاتهم ومعيشتهم ومناسباتهم، حتى ولو أثقل الأمر الكاهل، وقصم الظهر، وهو الأمر الذي يكون أظهر ما يكون في الزيجات والمهور وتكاليف الأفراح، و نتيجة لذلك ذهب الشباب ضحية هذا التقليد المقيت في خبر كان وإلى إشعار آخر. الأب والأم لا يريدان لابنهما أن ينكسر حسرة وألماً وهو يرى أصحابه يركبون الدراجات النارية و( يفحّطون ) بها هنا وهناك، فيتصرفون لتوفير المبلغ ليشتروا له دراجة مثلهم، حتى لو اضطُرت الأم لبيع شيء من ذهبها ومصوغاتها، ليقدمون له الدراجة النارية التي يمكن أن تكون سبباً لهلاكه، والقائمة تطول بذكر الكثير من الحوادث والمآسي التي ما كان لها أن تنشأ إلا عن مثل هذا الدلع المهلك الذي تولد عن مهلكة التقليد. التقليد الأعمى كذلك تغلغل إلى مفاصل ثقافتنا ليتولد عنه بعض المثقفين والمفكرين الذين وصفهم الشيخ الغزالي ب ( المهزومين فكرياً، المفتونين بفكر الغرب وتقاليده الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً )، لنسمع بين الفينة والأخرى من يتشدق بالإساءة إلى الدين بوصمه بتهمة الإرهاب أو التطرف أو الظلامية أو التخلف، ويتبجح بوصف أحكامه بالوحشية، وهي العادلة الصالحة للبشرية جمعاء والتي تحمي حقوق الإنسان في كل زمان ومكان، والغريب أنهم عندما يتباكون على يد السارق إذا قُطعت عدلاً؛ يتناسون ملايين الأنفس التي أُزهقت، ومئات الآلاف من الأرواح التي أبيدت على يد أسيادهم بالقنابل الذرية وبأطنان الصواريخ والقذائف لمصالح سياسية واقتصادية خبيثة، وتناسوا إزاء ذلك المجازر الجماعية، والجرائم والاضطهادات البشعة، والمعتقلات الرهيبة التي تنتهك فيها كرامة الإنسان. إن ما أوردناه من مظاهر التقليد وغيره كثير يبدو كافياً لندق ناقوس الخطر و أجراس الحزن على مجتمع بات مرتهناً لثقافات وافدة تحركه كيفما تشاء، و تتصرف في أوقاته و اهتماماته و مشاعره ، و هو أمر يدعو للحسرة و الألم ، و سيظل الحال على ما هو عليه إن لم يزدد سوءاً ما لم نتدارك واقعنا ، فنعمل كلنا؛ مجتمعاً وأسراً و مدارس و مواطن تربية و تنشئة على انتشال أنفسنا وأبنائنا من هذا الواقع المرير . ** طالب بقسم الصحافة والإعلام – مستوى ثالث – كلية الآداب جامعة حضرموت