/ أحمد عمر باحمادي / قرية النقعة تنتشر أنوار العيد في سويعات صباحاتها الأولى لتشمل كل شيء في الكون ببهائها ورونقها البهي، وتشع ببريقها الأخّاذ لتعم الفرحة في أرجاء الدنيا ولتنير دروب حياتنا ولو للحظات، نسترجع فيها الأمل بغد جميل مفعم بالحب والكفاح، يهلُّ علينا العيد فيطفق كل البشر يتزاورون ويتعاودون ويهنئ بعضهم بعضاً، ويتهادون فيما بينهم قبل كل شيء ببسمات المودة والتراحم، قبل أية أمور أخرى من أشياء الدنيا الفانية، قد تسقط دمعة خفية حرّى، رهيفة حساسة لا تُرى بالعين بين هاتيك الابتسامات، إنها دمعات الفراق، لذكرى حبيب مرّ ولن يعود إلى الدنيا ليهدينا ابتساماته الغالية، ربما نتذكر مع غمرة الفرحة والانتشاء من رحلوا عنا ونستدعي ذكراهم الأليمة ونجتر حرقة البَين فتبدو أشباحنا فَرِحة يخالطها طيف من الحزن المكبوت، هكذا هي الحياة، و مسيرتها لا تخلو من منغصّات وآلام حتى في أعزّ أوقات الفرحة، وبين أسطر العيد نكتب ذكرياتهم على أمل الاجتماع بهم في بلاد الأفراح . صخب الأطفال، وإزعاجهم وصياحهم المتواصل والمتكرر تمثل سيمفونيات ذات إيقاع أروع في العيد، أمٌّ حنون تصيح بابنتها لتُصلح لها شعرها وتسوّيه، وأخرى تنادي ابنتها الصغيرة لتضبط ثوبها الذي بدا مائلاً يمنة أو يسرة، وأخرى تبحث عمن يضع نقش الحناء على يدي طفلتها التي صاحت وبكت تريد مثل نقش صديقتها فلانة، وأطفال يتقافزون ويتضاحكون ببراءة هنا وهناك، إنها زاوية كبيرة في معرض أكبر يمثل معرض العيد السعيد . كأني أرى الآباء العطوفين وقد أنهكتهم هموم الحياء ومعاناة المعيشة التي بدت على محياهم، أراهم وهم يلبسون ما تيسر لهم، بعضهم لم يبرح لُبس ثيابه للعيد مرات ومرات منذ سنوات خلت، لقد أقنع نفسه وكسر كبرياءها واكتفى من مشقة النظر في عطفيه كلما سار بضع خطوات، عكس الشباب تماماً، هدفهم أن يكونون عارضين لأزيائهم متسربلين بغالي الثياب وأفضلها وأحسنها في نظرهم، حتى وإن لم يرها الكبار جميلة بنظرهم، ولابّد من أن يأتي اليوم ليعرف فيه الشباب لِمَ ضحّى الآباء من أجلهم، ولبسوا أرخص الثياب لأجل أن يلبسوا هم الأغلى، ولتمشي مسيرة التضحية من جيل إلى جيل، وإن تنكر جيل لحقائق الحياء فإنه سوف يعترف بها مهما طال عليه الزمن . تكبيرات العيد معزوفة ربانية تدخل الهيبة إلى القلوب، وتكتسي المشاعر بلحنها الوقور، بعض الناس ترك أثره في هذه الناحية بلحنه المميز، وأدائه المتفرد الذي يقلده عليه الآخرون كلما شدوا معه بهذه الترانيم الباهرة . لنحذر أحبتي في غمرة العيد من أن نعصي الله أو أن نستهين بحرماته، فنحن نرى الشباب وقد بدت عليهم علامات الاستهانة والتواكل، لا يرعون لأحد حرمة ولا وقار، وهذا لا ينبغي أن يفعله العقلاء ممن علموا أن العيد موسم لترتفع عقائرنا وأيدينا الطاهرة بالحمد لله والثناء على نعمه العميمة، ثم ليبدو مظهر الشكر على كل جارحة من جوارحنا، إذ الشكر ليس مقصوراً على اللسان فحسب . وفي العيد فإن كل فرد من أفراد هذه الأمة عموماً يعدّ لفتة مجيدة، وإضافة فريدة من بين أكثر من مليار مسلم يحتفلون معاً وفي وقت واحد، وبروح واحدة ومشاعر فياضة، فلنكن جميعاً لبنة صالحة في هذا الصرح الشامخ .