ليس من العجيب أو من المستغرب أن نرى كماً كبيراً ومثيراً من المحاضرات والندوات والحلقات والكتابات وصفحات المحبين على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المناشط الثقافية والتوعوية والدعوية التي تصب بمجملها في جانب تذكّر مناقب الشيخ الفاضل والمجاهد الثابت المرحوم بإذن الله فضيلة العلامة عوض بن محمد بانجار رحمه الله تعالى ، والمعلَنة والمشيدة بمسيرة حياته الجهادية المليئة بالعجب العجاب مما لاقاه في جنب الله من قِبل الشيوعية الحمراء ، لكن الأعجب ما كان يؤثر عنه رحمه الله من انزعاجه الشديد وتبرمه وتألمه وحديثه وشكواه المتكررة من قلة الناس عامة والشباب خاصة الذين كانوا يأنفون عن حضور دروسه ومتابعة مجالسه العلمية التي كان يلقيها في مسجد باحميد، وكم سمعتُ من القصص المؤلمة التي حكاها لي بعض الإخوة الحريصين على حضور مجالس علمه والنهل من معينه الصافي أنهم وخلال شهر رمضان المبارك حينما كان الشيخ يُعد لدروسه البرامج المرتبة ويحرص على تضمينها كل نافع مفيد ، ويجهد في التحضير والتجهيز لها قبل أشهر من حلول الشهر الفضيل وتوزّع الإعلانات في كل مكان من مناطق المديرية ، كيف أنهم عندما يأتون من مناطق خارج مدينة غيل باوزير يتفاجأون من العدد الضئيل لمن كانوا يحضرون دروسه مع ما فيها من سلاسة الأسلوب وبراعة الطرح وسهولة توصيل الفكرة ، ولعمري هذا تقصير بيّن لا أخال أن التاريخ سوف ينساه ولو نساه ما ذكرتُه في هذه السانحة . يقول الأستاذ مرعي حميد وهو بالمناسبة كاتب وباحث وصحفي متميز وله لقاءات كثيرة وحقائق مثيرة ورصيد ب " ثلاثة حوارات صحفية في فترات متباعدة أجراها معه " وفوائد استفادها من خلال تواصله مع الشيخ ما أظن صحفياً من مديرية غيل باوزير قد ظفر بمثلها، قال عنه في مقالة ضافية نشرها في صحيفة ( 30 نوفمبر العدد 40 بتاريخ 15 / 4 / 2013م الموافق 5 جمادى الآخرة 1433ه ) وكانت تحت عنوان " سطور في حياة الشيخ عوض بانجار " وفي معرض حديثة عن مجمل الابتلاءات الكثيرة التي ابتلاها الله الشيخ في حياته رفعاً وإعلاءً لمنزلته يقول : ( لم أعرف أحداً في حياتي اُبالي بمثل ما ابتُلي به الشيخ عوض بانجار … ) ثم ذكر من جملة تلك الابتلاءات ( ابتلاء عدم محالفته للنجاح حينما ترشح المرة الثانية عام 2003م رغم أنه قد كان يتمنى ذلك في حقيقة الأمر، وقد سمعتُ أنه سجد شكراً لله لعدم نجاحه ، ولكن تخلي الناس ابتلاءٌ في حدّ ذاته وخصوصاً حينما يكونون ناسك وأهل حيّك )، فحينها تخلى عنه الناس واستمرّ التخلي والخذلان فوصل حتى هجران دروسه ومجالسه . أعلم أن هذه الحقائق مؤلمة لكنني لم أجد بداً من التصريح بها حتى لا يأخذُ بنا الغرور مأخذه ونصدق أنفسنا، في حين أننا نرزح في أكبال السلبية القاتلة ونحب مجالس القيل والقال أكثر من محبيتنا لمجالس العلم، ونؤثر الافتراش على قارعة الطرقات على الجلوس في رياض الجنان . لقد خذلنا الشيخ عوض بانجار حال حياته ثم جئنا بعد ذلك نتشدق بمحبته ونعدّ له المراثي والخطب العصماء، فكفاكم يا من تتشدقون بالمحبة كفاكم خداعاً للناس ، وأنا لا أقول ذلك رافضاً لتدارك التقصير بإعلان المحبة ، ولكنني أرجو أن لا يتكرر الأمر مع مشائخ أُخر لنأتي بعد مماتهم لنقول عنهم ونقول .