يمننة الجنوب وحضرموت في مقال له ([1]) أوضح الباحث والمؤرخ سالم فرج مفلح بأن (الطامة الكبرى أن تتخذ النخبة السياسية الجنوبية المناضلة – و في وقت مبكر من مرحلة الكفاح المسلح – قرارا سياسيا هو بكل المعاني الخطأ الاستراتيجي القاتل و المدمر الماحق للشعب الجنوبي كوجود تاريخي حضاري متميز ، ذلك هو قرار يمننة الجنوب العربي ودولتة و بالتالي يمننة مصيره و مآله المستقبلي( توالت الأحداث على الجنوب وحلت المحن – وكانت أكثر الأحداث مأساوية هي أحداث 13 يناير 86م المشئومة التي راح ضحيتها الآلاف من البشر ولم تكن هذه الأحداث بريئة من التدخلات فثمة أيادٍ خفية قد خططت لها منذ عقود كي تنهي قوة الجيش الجنوبي الذي انتصر في حروبه السابقة مع الشمال .. هذا ما أكده الكاتب البريطاني باتريك جريجر([2]) . الوحدة الاندماجية عام 1990م دخل الجنوبيون في وحدة اندماجية مع الجمهورية العربية اليمنية وفق شراكة واتفاقيات وحدوية وُقعت في أكثر من قطر عربي وفي العام 1990 م أتفق البلدان على مبادئ الوحدة ودستورها وقبل الرئيس علي سالم البيض أن يكون نائباً للرئيس علي عبدالله صالح وشكلت أول حكومة في عهد الوحدة برئاسة المهندس حيدر أبوبكر العطاس وتم توزيع الحقائب الوزارية وطغت المشاعر الوحدوية حينها للقادة الجنوبيين الذين ظنوا بأنهم سيتمتعون بسنوات عسل في العهد الجديد فنقلوا أهم أولويتهم العسكرية إلى مواقع تقطنها التجمعات القبلية التي تمتلك الأسلحة الثقيلة يفوق عدد مجموع القوات الجنوبية .. حرب صيف 94 وتداعياتها حرب صيف 94 التي كتب عنها الكاتب البريطاني باتريك جريجر([3]) قائلاً ( إن نظام صنعاء قد ارتكب خطأ قاتلا حين أقدم على غزو الجنوب واحتلاله في حرب 1994م) وبحث الكاتب في العوامل التي شجعت نظام صنعاء على ارتكاب ذلك الخطأ الفادح التي عزاها الكاتب إلى عوامل عدة منها (التفكك الذي أصاب النظام الجنوبي جراء صراعاته الداخلية وآخرها كارثة يناير 1986 ، وانتقال قسم فاعل من الجيش الجنوبي إلى الشمال ، ثم انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت تسند نظام عدن ، وما تراءى لحكام صنعاء من ضعف المجتمع الجنوبي وتشتت قواه الفاعلة ، ناهيك عن سعيهم المحموم لبث الكراهية ، ونشر الضغينة ، وإشعال نار الفتنة بين أطياف المجتمع الجنوبي لإضعافه أكثر فأكثر تمهيداً للانقضاض عليه وافتراسه ) . التوظيف الديني في الحروب وعن توظيف الدين في الحروب يقول الصحفي والكاتب المعروف فائز سالم بن عمرو في مقال نشره ([4] )عبر فيه عن وجهة نظره حيث قال : ( حاولت بعض الأطراف الحزبية اليمنية توظيف الدين وإقحامه في الصراع السياسي الذي نشب بين شريكي الوحدة في الشمال والجنوب ، مما مهد وخلق التربة الملائمة للسيطرة على الجنوب واحتلاله ونهب ثرواته تحت ستار الدين والشرع ، والتخلي عن فكرة الشراكة والتوافق في السير في مشروع الوحدة ) ويضيف قائلاً بان هذه الأحزاب والقوى في رؤاها وبرامجها الحزبية في مؤتمر الحوار الوطني مازالت (تعيد أخطاء وماسي الماضي ، وتسييس الدين وإطلاق الفتوى لتهديد الجنوب وإعادة شعبه إلى بيت الطاعة واتهامهم بالكفر ، وأطلقت شعارات الوحدة معمدة بالدم ، والصلاة السادسة على الوحدة ( . ويشير الكاتب فائز بن عمرو الى أن أبناء الجنوب يشعرون (بحساسية عالية جدا تجاه هذه الخطابات والفتاوى الدينية السياسية ، وتعادوهم ذكريات الماضي الأليم لحرب 1994م وما تبعها من سياسيات إقصائية شرعت نهب الجنوب والسيطرة على ثرواته وأراضيه باسم الدين ( . كما خرجت أصوات في الشمال تؤيد الانفصال وهذا احد كتابهم يقول ( [5] ) ( فإنني كشمالي شديد الإيمان بالحل الانفصالي احيي كل القيادات الجنوبية السابقة واللاحقة في الداخل والخارج ) مطالباً بعودتها الى (عدن لفك هذا الرباط المشؤم غير المقدس – الأشبه بزواج المتعة للفاسدين)...ويضيف ( نحن في الشمال نقف معهم ونؤيدهم قلباً وقالباً ... فنضالهم ونجاحهم يعنينا ويهمنا لأن قرارنا الإنفصالي في الشمال لم يعد بأيدي بسطاء الناس بل تم إختطافة من قبل القوى التي نهبت الجنوب والتي صرحت أنها ستحارب وتقاتل وستجعل الدماء تسيل إلى الركب للإبقاء على الوحدة ... وهو الموقف الذي لا يمكن إلا لساذج أو معتوه أن يعتبره نابعاً عن شعور وطني وحدوي لدى هذه القوى الانتهازية الدموية الفاسدة التي لم يوجد ولن يوجد في تاريخها السابق أو اللاحق أي أثر للوطنية أو للمواطنة ولا للوحدة – إلا إذا كان المقصود بالوحدة وحدة المغنم" – وإنما هو موقف يعكس حرصها على الحفاظ على مصالحها الانتهازية النفعية الفردية الشخصية المتمثلة في أراضي نهبتها أو اتفاقات نفطية أو غازية أو سمكية ستخسرها عندما يتم الانفصال ) التصالح والتسامح" جنوبياُ " الجنوبيون ردوا في يوم التصالح والتسامح على من أراد إبقائهم غير موحدين في مواقفهم وعزفه على أوتار الأحداث الأليمة التي كان للطابور الخامس دوراً فيها .. مؤكدين على دفن ماضيهم المؤلم وبلا رجعة .. يجمعهم هدف واحد ألا وهو " فك الارتباط واستعادة الدولة " حيث أقاموا مهرجاناتهم المليونية السلمية وكذلك انتهاج سياسة العصيان المدني التي تعبر عن الرفض لسياسات صنعاء تجاه الجنوب . رؤية المجتمع الدولي والإقليمي بعد ثورة شبابية ركبت موجتها قوى (سياسية – دينية – قبلية – عسكرية) لإنهاء حكم الرئيس علي عبدالله صالح الذي قبل بالتنازل عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة وتحت إشراف دولي وإقليمي ، ظهرت القضية الجنوبية كقوة ضاغطة على تلك القوى القبلية حيث بدأ اللاعبون الكبار يفكرون بطريقة ما للوصول الى حلول ترضي الجنوبيين والقوى النافذة في الشمال ، جاء التفكير من قبل هؤلاء بان الحوار بين الفرقاء الشماليون والجنوبيون هو أنجع وسيلة ، حيث أكد المندوب الأممي جمال بن عمر في تصريحاته بأهمية حل القضية الجنوبية عبر الحوار ، فكان مؤتمر الحوار الذي شُكلت لجانه المختلفة وحددت الفترة الزمنية له لانجاز مخرجاته ، ولكن ظلت القيادات الجنوبية في الخارج غير قابلة بالمشاركة فيه لاعتباراتها السياسية ، كما تواصلت الفعاليات المليونية والعصيان المدني كشكل من أشكال الاحتجاج ورفض قاطع للبقاء تحت سقف الوحدة التي يقول منظمو تلك الفعاليات بأن الوحدة ماتت ولم يعد لها وجود في قلوب الجنوبيين .. وكذلك ظهرت المطالبات من أبناء حضرموت في الخلاص من الجنوب والشمال في آن معاً وإقامة كيانهم المستقل بدولة ذات سيادة وهذا ما أكدته بعض قياداتهم في الخارج والداخل التي التقت بدبلوماسيين غربيين واضعين على الطاولة أفكارهم تجاه هذا الاستقلال وفق آليات تراعي التوجهات الدولية والإقليمية .