عندما ازداد اضطهاد وعذاب كفار ومشركي قريش لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع بدء دعوته الشريفة، جاءوا إليه وهو متوسد ببرد له تحت ظل الكعبة المشرفة يطلبون أن يستنصر لهم .. فقال لهم: «وَلَيَتَمَّنَّ الله هذا الأمر -أي الإسلام- حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه».. بشرى .. وأي بشرى تشرفت بها في البدء اليمن وأهلها أن ينشر ويبسط في البدء الإسلام في ربوعها الطيبة، ثم يأتي أهل اليمن إلى حيث مهبط الدعوة والرسالة، فيقول الرسول في حقهم أعظم شهادة: «أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة، وألين قلوباً، الإيمان يمان، والحكمة يمانية»، وبهذه الصفحات الإيمانية مضى اليمنيون في نشر رسالة الدين الإسلامي الحنيف في مشارق الأرض ومغاربها، واستطاع اليمنيون وبالذات أبناءحضرموت أن يوصلوا شعاع الإسلام إلى أقصى الشرق الأسيوي، ويفتحون القلوب قبل الأرض، ولقد وفقهم الله سبحانه وتعالى في نشر الإسلام حتى أصبحوا أصحاب الفضل بعد الله في إسلام نصف مسلمي اليوم..!! وفي هذه الأيام المباركة بمناسبة الحج وعيد الأضحى يحق لنا أن نفخر بأن أول من سكن مكةالمكرمة هي قبيلة (جُرهم) اليمنية وكانوا سدنة الكعبة وخداماً لحجاج بيت الله، ومن هذه القبيلة تزوج سيدنا إسماعيل عليه السلام، وأن أول من أجاب سيدنا إبراهيم في الحج، هم أهل اليمن، قال تعالى: «وأذن في الناس بالحج». قال الماوردي: «الناس هنا هم أهل اليمن وهم أول من أجاب إبراهيم للحج»، كما أن لنا في الكعبة المشرفة ركنها، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لأهل اليمن: «لكم من الكعبة ركنها- الركن اليماني»، ناهيك عن أن أول من كسا الكعبة بالحرير في التاريخ هو الملك اليماني تبع. ولقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكانة لأهل اليمن في الحج فقال: «زين الحاج أهل اليمن». وبعد فتح مكة جاء المزيد من أهل اليمن للدخول في دين الله قال تعالى: «إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً» .. قال صديق حسن خان في تفسيره عن عكرمة ومقاتل: «إن المراد بالناس أهل اليمن، وفد منهم سبعمائة إنسان على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- مؤمنون». وقال الحسن البصري: «لما فتحت مكة قالت العرب بعضها لبعض: لابد لكم بهؤلاء القوم - يعنون أهل اليمن- أسوة، فإنهم جعلوا يدخلون في دين الله أفواجاً، يعني أمة بعد أمة». وهاهم اليمنيون اليوم كما كانوا بالأمس يمضون إلى الحج، وإلى بيت الله ملبين النداء القديم - الجديد: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك هاهم اليمنيون يجمعهم الحب في الله .. والإيمان العميق في أعماقهم، وكأن لسان حالهم يردد مع شاعر اليمن الكبير الراحل حسين أبوبكر المحضار: لبيك رمز الحب لوما الحب ماعاشوا محبيك ، ولا طلع إنسان من أرضه إلى مكة يلبيك.. هاهم اليمنيون يحملون دفء المشاعر والبشائر، وفي هذه البقعة المباركة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يطلع عليكم الآن أهل اليمن كأنهم السحاب، هم خيار من في الأرض». نعم، ألم يقل -أيضاً- عليه الصلام والسلام: «نفس الرحمن من أرض اليمن». هذا النفس الإيماني اليماني كان ولا يزال وسيظل شعلة تتجدد .. وعطاء لا ينقطع أبداً، فعن سعيد قال: صدرت مع ابن عمر يوم الصدر، فمرت بنا رفقة يمانية رجالهم الأدم، وخطم إبلهم الجرز، فقال عبدالله بن عمر: (من أراد أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت الحج العام برسول الله وأصحابه، فلينظر إلى هذه الرفقة». ولاشك أنه فضل من الله سبحانه وتعالى .. ومن رسوله الكريم خص به اليمنيون .. فضل يستحقونه لأنهم كانوا في طليعة من لبى نداء الحج .. والإسلام .. وفي طليعة جيوش المسلمين التي دكت معاقل الكفر والشرك .. وفي طليعة من كانوا كتاب الوحي .. ورواة حديث رسول الله.. وكل عام وأنتم بخير.