بعد ربع قرن من دحرها على أيدي قوات الرئيس علي عبد الله صالح، وحلها على يد الرئيس علي ناصر محمد،عاودت الجبهة الوطنية– المرتبطة بحروب عصابات المناطق الوسطى قبل الوحدة اليمنية، وشعار "أدلجة الخليج"- الظهور مجدداً تحت مسمى ديمقراطي أطلقت عليه (ملتقى أبناء المناطق الوسطى)، وسط حضانة اشتراكية، وتنكر من المشائخ والوجاهات القبلية، واستنفار شعبي يتوعد بالثأر والاقتصاص لضحايا "المجازر" التي ارتكبتها الجبهة على مدار سنوات من أشرس حروب العصابات التي عرفتها الجزيرة عبر التاريخ. وتأتي عودة الجبهة الوطنية في ظل لقاء نظمه الحزب الاشتراكي اليمني بمقره في "يريم" يوم 22/ديسمبر الجاري ضم عدداً من كبار قيادات الصف الأول للجبهة– على رأسهم اللواء متقاعد محمد صالح الحدي، والشيخ عبد الواحد الجشوبي، وآخرين- وأطلق على نفسه اسم (ملتقى أبناء المناطق الوسطى)، معلناً الوصاية لنفسه على المناطق الوسطى بشأن "المطالبة بتعويض أبناء المناطق الوسطى عما لحق بهم من أضرار أثناء الصراعات السياسية التناحرية، وحروب نظامي الشطرين وإعطائهم حقوقهم وإزالة آثار الصراعات السياسية وفقاً لاتفاقيات الوحدة، وقرار مجلس الرئاسة لدولة الوحدة الصادر عام 1990". كما تمخض عن الملتقى تشكيل هيئة تنسيق عليا مكونة من (57) شخصاً ومجلس متابعة برئاسة علي يحيى الحدي، وعضوية كبار رموز الجبهة الوطنية الديمقراطية- الشهيرة لدى أبناء المناطق الوسطى باسم (جبهة المجازر)- مثل اللواء محمد صالح الحدي، والشيخ عبد الواحد الجشوبي، والعقيد أحمد القيري، وعلي الحافظي، وفيصل اللهبي. ومنحت "الجبهة الوطنية الديمقراطية"– التي تحتفظ بعداء شديد لدول الخليج العربي، وكانت تشترط في مفاوضاتها مع الرئيس صالح مطلع الثمانينات قطع العلاقات مع السعودية-نفسها مهمة "البحث والتسجيل لكل ضحايا ومتضرري الصراعات السياسية بالمناطق الوسطى"، و"المطالبة بإعادة المسرحين والموقوفين من وظائفهم لأسباب سياسية"، و"المطالبة بتعويض من دمرت منازلهم أو ممتلكاتهم الثابتة والمنقولة"، و"العمل بشكل دؤوب ومثابر على تصعيد أشكال النضال السلمي بكل أشكاله"- طبقاً للبيان الصادر عن "ملتقى يريم". عودة "جبهة المجازر" التي لبست ثوب الديمقراطية، لتعود ناطقة باسم "ضحاياها" أبناء المناطق الوسطى- قوبلت في محافظات الضالع، والبيضاء، وتعز، وإب بغضب صاخب ترجمته المشائخ والوجاهات بتصريحات "متعقلة" تناسب مكانتها الاجتماعية، فيما لم يضع الشارع اليمني العام لتلك المحافظات أي اعتبارات "أدبية" في توعده زعامات وعناصر الجبهة بالويل والثبور و"السحل بالشوارع"، و"الثأر" لآلاف الأسماء التي ما زال يتذكر أنها ذبحت في الشوارع والبيوت أمام الصغار والنساء على أيدي عناصر الجبهة الوطنية "الماركسية" المدربة في المعسكرات السوفيتية والألمانية الشرقية على فنون حروب العصابات. وتؤكد مصادر "نبأ نيوز" في تلك المناطق بأن عدد من أبنائها باشرت منذ أمس الاثنين تنسيق أعمالها للتواصل مع ضحايا الجبهة الوطنية "جبهة المجازر"، بقصد تنسيق المواقف، وحشدهم لما يقولون أنه "يوم القصاص"- أي المواجهة المسلحة التي يثأرون بها لضحاياهم بعد أن عاد "قتلة الآباء يتحدثون بأسماء من خلفوهم من أيتام وأرامل"- على حد تعبير أحدهم- وهو الأمر الذي ينبيء بما لا تحمد عقباه. "نبأ نيوز" أجرت اتصالاتها مع عدد من مشائخ المناطق الوسطى وهم: الشيخ مثنى محسن المنتصر، والشيخ أشرف حميد الصيادي، والشيخ صادق عبد الجليل الحدي،و الشيخ عبد الله بن حسين الحدي، والشيخ عقيل حزام فاضل، والشيخ عسكر العجي، والشيخ محمد طاهر الشامي، والشيخ فضل علي الشاعري، والشيخ مثنى ناجي الوقزة، والشيخ محمد عبده الحدي، والشيخ حمود قائد شاجرة، والشيخ حسين المرقب، والشيخ سنان العجي، والشيخ علي مسعد العجي، والشيخ محمد سيف الدبيلي، والشيخ عبد الواحد أحمد الصيادي، والشيخ محمد قائد الأسدي وآخرون. جميعهم أكدوا في تصريحات منفصلة: إن المجتمعين في يريم لا يمثلون إلاّ أنفسهم، ولا يمثلون المنطقة الوسطى ولا المحافظات الأربع التي ادعوا تمثيلها ، ونفوا أن تكون لديهم أي معرفة بهذا الملتقى أو حتى بأشخاصه ممن وصفوهم ب"وجوه غير معروفة". وقالوا: "أن أبناء المناطق الوسطى إذا فكروا يوماً بأن يلتقوا أو يجتمعوا لتأسيس ملتقى فلن يكون مقر الحزب الاشتراكي بيريم هو المكان الذي يجمعهم إطلاقاً". وشددوا أنه: "ليس من حق أي أحد أن ينتحل شخصية غيره أو يمثله دون علمه أو رضاه، لأن ذلك يعد مخالفة صريحة للقانون". وأشاروا إلى أنه إذا كانت هناك أي أطماع أو مصالح لدى فئة من الناس وتندرج تحت أسلوب ليّ ذراع الدولة فإن هذا التصرف مرفوض، وأن الدولة أقوى وأكبر من أن يلوي ذراعها مجموعة من المجهولين الذين يعيشون في كنفها وتحت مظلتها. وإذا كان هناك من مطالب لأبناء المناطق الوسطى فليست هذه الطريقة ، ولا هؤلاء الأشخاص المخولين بالمطالبة بها إطلاقاً. وحذروا من مغبة السير خلف سراب لا يسمن ولا يغني من جوع بقدر ما يعود بالإساءة إلى أصحابه وحدهم، لان المنطقة الوسطى أكبر وأعظم من أن يسيء إليها شخص أو أشخاص خانهم الصواب وجانبوا الواقع وغابت عنهم الحقيقة. حقائق عن الجبهة الوطنية الديمقراطية تشكلت الجبهة الوطنية الديمقراطية في 11 فبراير 1976م من اتحاد خمس قوى يسارية تتبنى مفاهيم الاشتراكية العلمية، والفصائل الخمسة هي: ((الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، ومنظمة المقاومين الثوريين اليمنيين، وحزب الطليعة الشعبية، وحزب العمل اليمني، واتحاد الشعب الديمقراطي))، وبقيامها ظهر أسلوب جديد للعمل السياسي قوامه المواجهة المسلحة والعمل العسكري وتبرير العنف والقتل كأداة لتغيير النظام السياسي القائم وتصدير الماركسية إلى شعوب الأرض.. يفيد شهود عيان ممن عاشوا الأحداث واحتلت الجبهة مناطقهم وكانوا ضمن الصف الحكومي ( علي الصريمي، حسين موسى واصل، علي مثنى عمر، محمد صالح واصل.. وغيرهم) إضافة إلى إفادات عناصر فعالة كانت في صف الجبهة ((أوردها كتاب: علي عبد الله صالح- تجارب السياسة وفلسفة الحكم/ تأليف: نزار العبادي.. ص 67) ما يلي: "أن الجبهة الوطنية اعتمدت في استقطاب الأهالي على إغراءات المال والسلاح الذي تمنحه للرعاة، والبدو بالدرجة الأولى مع الوعد بإطلاق أيديهم لنهب المناطق التي يحتلوها وجميع هؤلاء ما يعرفون حتى من هو (ماركس) أو ماذا تعني الحزبية، أما الأسلوب الأخر فهو بتوريط أحد أفراد الأسرة من الصبيان المراهقين الذين يجذبهم منظر حمل السلاح واستخدامه ثم يستغلونه كورقة ضغط وتهديد لوالده وإخوانه وأقاربه بأنهم سيقتلوه إذا لم يتعاونوا مع الجبهة وكانوا فعلاً ينفذون تهديدهم ويقتلوه.. وكذلك فجروا بيوت المعارضين وغيرها إلى حد الاعتداء على النساء وقصص كثيرة مخزية ووحشية للأمانة أقول أني سمعت الشيء نفسه من عشرات المواطنين في جبن والسدة والرضمة ودمت وإب المناطق التي زرتها لتوكيد معلوماتي". وبحسب نفس المصدر، فإن الرئيس علي عبد الله صالح – في إطار محاولته لضبط ساحته الداخلية مطلع حكمه- "استهل عام 1980م بحوار إيجابي مع قيادات الجبهة الوطنية الديمقراطية، وصفه زعيم الجبهة سلطان أحمد عمر بأنه (نقطة تحول هامة في النضال السياسي للحركة الوطنية اليمنية)، وتمت تسوية الكثير من الخلافات القائمة، وأبدى الرئيس صالح أقصى درجات المرونة السياسية والتسامح مع عناصر الجبهة أملاً في تهدئة الاضطرابات في الساحة الداخلية وتحقيق قدر معقول من الاستقرار قد يتيح المزيد من فرص إنماء البنى الاقتصادية والتنمية للمجتمع اليمني". ويتابع المصدر: "لكن بمجرد أن نكثت الجبهة عهودها، وعادت إلى الخيار العسكري وحروب العصابات منساقة خلف الاعتقاد بالحوار السلمي الذي يتقدم خيارات الرئيس صالح كحالة صادرة عن موقف ضعيف.. لم يتوان الرئيس صالح لحظة في إدارة معارك دفاعية واسعة النطاق قوامها الضرب بكل قوة وبكل ما هو متاح على يد من يحاول زعزعة استقرار الدولة ونظام الحكم، وتعطيل المسيرة الثورية الوطنية – على غرار ما حدث في ربيع عام 1981م حين شنت الجبهة أعنف هجومها وأشاعت القتل والتنكيل بأهالي المناطق الوسطى، فما كان من الرئيس علي عبد الله صالح إلاّ أن استنفر قواته وقواعده الشعبية لمواجهات ضارية تكبدت أثنائها الجبهة أفدح الخسائر، وأنكر الهزائم التي قضت على وجودها نهائياً في الخامس من أغسطس 1982م، إذ أُعلن عن حلها بعد هذا التاريخ بأسابيع قليلة جداً". حيث أنه بعد صعود الرئيس علي ناصر محمد إلى سدة حكم الشطر الجنوبي توالت اللقاءات الثنائية بين الشطرين على طريق إعادة تحقيق الوحدة، وتنامت المشاريع والمصالح المشتركة، بدءً بافتتاح أول شركة للسياحة بين صنعاء، وعدن في مارس 1981م إلى ما سواها، وأسهمت الرغبة المشتركة عند الطرفين بالعمل الصادق على طريق الوحدة، بإيجاد تعاون سياسي نوعي من أجل الاستقرار والأمن الوطني عزم فيه رئيسا الشطرين على التخلص من بؤر التوتر والصراع (الجبهة الوطنية الديمقراطية)، فاتفقا بتاريخ (10 سبتمبر 1981م) على قطع الدعم عن الجبهة، مما سهل مهمة صنعاء في إحراز تفوق عسكري كبير على مليشيات الجبهة، ومن ثم تصفيتها وتفكيكها وإغلاق ملفها بعد اتفاق أبرمه الرئيس علي عبد الله صالح والرئيس علي ناصر محمد على ذلك الأمر بتاريخ (20 أغسطس 1982م). بمعاودة الجبهة الوطنية الديمقراطية الظهور في هذه المرحلة بالذات، فإن السؤال الذي سيبقى مطروحاً هو: يا ترى هل يأتي ذلك برغبة منفصلة للعودة، أم بتشجيع من الإخوان المسلمين ليعودوا أيضاً إلى واجهة الأحداث، وليلعب ياسين سعيد القباطي وحزبه نفس الأدوار القديمة!؟ فاليمن ما زالت تحتفظ بكل اللاعبين..