مازالت قوى المجتمع المدني اليمني - بمنظماتها وجمعياتها، وأحزابها - في منازلات ديمقراطية مع الدولة لنيل مطالب حقوقية ترجوها، حتى إذا ماتعلق الأمر بالحقوق العامة دفنت رؤوسها في التراب، وانقطع ذكرها.. القوى المدنية للمجتمع يفترض تمثيلها صوت الشعب وضميره - أو على الأقل هكذا هي تصف نفسها - إلا أنها ظلت تتحالف وتتضامن مع بعضها البعض عندما تكون هناك مصالح «حقوقية» لإحدى أو بعض فئاتها، في حين لم يسبق لها أن تحالفت ضد أعمال «التقطع» التي أصبحت ظاهرة عامة غير مختصة بالصفة القبلية بقدر ماأضفت عليها القوى السياسية صفة الشرعية التي تحولها إلى «ممارسة ديمقراطية». في ضوء الخلفيات التاريخية لاعمال «قطع الطريق» بقوة السلاح، فإنها اقترنت بزمن الجاهلية الأولى التي كانت فيها القبائل تتقطع الطرق للقوافل التجارية لخصومها، بقصد نهبها أولاً، ثم ثانياً للإضرار بالمصالح الاقتصادية للطرف الخصم، وشل عصب حياته اليومية.. لكن بظهور فجر الإسلام تم تجريم وتحريم هذه الأعمال بوصفها «حرابة» وايقاع عقوبات صارمة جداً بحق من يمارس «الحرابة».. أما في عصرنا الحديث، فإن مجتمع الديمقراطية والحريات والحقوق الانسانية، تجاهل النصوص الشرعية الإسلامية وبات ينظر إلى قطع الطريق على اعتبارها إحدى وسائل الضغط «الديمقراطي» على الدولة من أجل أن ترضخ لمطالب القائمين بفعل «الحرابة».. ففي مأرب - مثلاً - تم التقطع لاساتذة الجامعة، وارغامهم على النزول من الباص بقوة السلاح، ومصادرة الباص لأن هناك شخصاً يريد من الدولة توظيف ابنته التي فشلت في معايير المفاضلة مع زملائها.. وفي شبوة يتم التقطع لناقلات النفط واحتجازها لان بعض القبائل تريد توظيف أبنائها في شركة النفط حتى وان كانوا لايقرأون ولايكتبون.. وفي بني مطر بصنعاء تم التقطع لسيارة شركة «الصيفي» للصرافة، ونهب الأموال التي فيها لأن المتقطعين يريدون نصيباً من المال مقابل ضمان مرور السيارة بسلام من منطقتهم.. وفي الضالع قام نائب برلماني بقيادة أعمال تقطع داخل المدينة وخارجها بسبب أحداث 13 يناير في عدن !! والأمثلة لايمكن حصرها إطلاقاً.. هذه الأعمال تعطل مصالح اقتصادية للبلد، ومصالح أفراد، وتنتهك الحريات العامة في حق استخدام الطريق، كما تترتب عنها أعمال ابتزاز، وشل للحياة الاقتصادية، وإلحاق ضرر معنوي ومادي بأفراد أو جماعات ليست طرفاً في أي مشكلة، وإنما كل ذنبها هي أنها موظفة لدى الجهة المستهدفة، أو من القبيلة التي ارتكب أحد أفرادها خطيئة معينة.. في حين أن كتاب الله يقول: «ولاتزر وازرة وزر أخرى» ! وهنا نسأل : لماذا تتعطل سلطة القانون والشرع الاسلامي ويتم انهاء أعمال التقطع بالمساومات والتسويات غير القانونية!؟ ولماذا القوى السياسية بدلاً من استنكار هذه الأعمال والمطالبة بردع المتقطعين، تتحول إلى حماة لهم، وتجعل من فعلهم بمثابة ممارسة ديمقراطية مشروعة !؟ ثم لماذا يقف رجال الدين صامتين إزاء أعمال التقطع، ولايطالبون السلطات بتطبيق شرع الله بحق «الحرابة» !؟ ولماذا تقف ألوف المنظمات الحقوقية في اليمن متفرجة من غير إدراج ذلك ضمن انتهاكات حقوق الإنسان مادام عمل الرجل المطالب بتوظيف ابنته تسبب بانتهاك حقوق عشرات الاساتذة ومئات الطلاب، ممن حرموا من حق التعلم !؟ ياترى هل هناك من يستطيع ان يفتينا بشأن نقاط التقطع، ويحللها للمتقطعين !؟ لا أعتقد أن هناك من يجرؤ على تحليل ماحرم الله، ولاتبرئة من ينصبون نقاط تقطع من لعنة الله وغضبه عليهم يوم الحساب.. ولا أعتقد أن في اليمن قوة سياسية تمتلك الشجاعة لتعترف أنها استبدلت نص تحريم «الحرابة» بنص «ديمقراطي» تبيحه المنظمات الأمريكية والغربية ..!