سعيد الصقلاوي شاعر معروف في عمان واسم له مكانة خاصة في عالم الإبداع العماني، فهو الى جانب كونه مهندسا بارزاً في التخطيط المعماري إلا أنه يجيد كتابة الشعر بأسلوب هندسي بديع ينم عن شاعر حقيقي، صنع مشواره الأدبي من خلال عدد من الكتب والدواوين الشعرية بدأها من ديوانه الأول «ترنيمة الأمل» الذي صدر في العام 5791م ليواصلها بعد ذلك بسلسلة من اللآلئ الشعرية في أعماله «انت لي قدر»، «صحوة القمر»، «لآلئ عمان»، «أجنحة النهار»، «نشيد الماء»، إضافة الى كتبه الأدبية الأخرى مثل «شعراء عمانيون» و«موسوعة التحصينات العمانية» .. وحول مشوار الصقلاوي الأدبي أثرنا العديد من التساؤلات تمخض عنها هذا الحوار . * البواكير ماذا يمثل لك ديوانك الجديد ضمن تجربتك الشعرية ؟ - الديوان الجديد حمل عنوان «نشيد الماء» صدر في 4002م يمثل إضافة جديدة للتجارب الشعرية التي مثلت كل منها في ديوان ابتداءً بالمجموعة الشعرية الصادرة عام 5791م وهي «ترنيمة الأمل» واستتباعا بديوان «أنت لي قدر» 5891م واستطرادا بديوان «أجنحة النهار» عام 5991م وتنويعا للترجمات الشعرية للغات الانجليزية والفرنسية «صحوة القمر» تم الترجمة للاسبانية واخيراً الترجمة للغة الأردية بعنوان «لآلئ من عمان» . * قلاع عمانية لك موسوعة في القلاع والحصون ؟ هل يمكن ان تحدثنا عن قلاع عمان وحصونها ؟ - لقد أعددت موسوعة بعنوان «التحصينات العمانية » سيرة تاريخية ومكانية ومعمارية وإن شاء الله سوف تصدر في مجلدين كبيرين عن وزارة التراث والثقافة في سلطنة عمان، وهو عمل استغرق حوالي 8 سنوات كلف الكثير من الجهد والمال وأثمر نتائج طيبة منها أن عدد التحصينات في عمان على اختلاف أنواعها حوالي 0581 موقعا تنتشر على امتداد الجغرافية لسلطنة عمان، وهي تجسد شواهد تاريخية، وثقافية ومعمارية وحضارية ولعلها تمثل اسفاراً مترائية تتجسد فيها بعض مفردات عطاء الحضارة لابن عمان . ولذلك قلت في هذا المعنى، وهنا الأبراج أشعار الزمان المترائي، ويعود تاريخ هذه التحصينات حسب الشواهد المتوفرة إلى الألف الثالث قبل الميلاد أي تمتد إلى حوالي خمسة آلاف عام، أنبأت بذلك حضارة بات في عبرب ووادي ميسر، وحضارة اوبار في ظفار، وكذلك حضارة سمهرام وحضارة جوني في داخلية عمان، وحضارة موشكا في سفدم، وكان لهذه الحضارات العمانية او الحاضرات العمانية اتصالها الدولي والحضاري محليا وإقليميا ودوليا مع حضارات وادي الاندس، وحضارات الرافدين والفرعونية، ومن ثم الحضارات الفارسية، واليونانية، والرومانية والاكسومية وقد ذكرت ذلك الكتابات الكلاسيكية للمؤرخين القدماء أمثال هيروونس وبلين وغيرهما . لقد تشكل وعي الإنسان العماني عبر تجارب التبادل الثقافي والحوار الحضاري، اخذاً وعطاءً وتأثيراً وتأثرا، فمكنه ذلك من مواصلة المسيرة الإنسانية في التبادل الحضاري والثقافي وهي الركائز القوية للتعاطي معها . * مسقط عاصمة ثقافية مسقط عاصمة ثقافية . ماذا يعني لك هذا الحدث؟ - مسقطالمدينة، بشخصيتها المعمارية المتميزة تشي بسمة ثقافتها . وتمنح رايتها ومعايشها ومفرداتها الحضارية، وطابعها الثقافي فتنطبع في وجدانه وتشرق في جنانه، وتتدفق في كيانه، فهي بتألق شخصيتها تمثل عاصمة ثقافية، ليس فقط بمناسبة الحدث، ولكن باستخدامه طابعها المتفرد ونشاطها الساعي الى تأصيل هذه الشخصية الثقافية عبر عمرانها الذي يعتبر مجسما لهذه الثقافة، وعبر اهتمامها بتراثها، وعبر تفاعلها الثقافي، وعبر رؤيتها الواسعة لمفهوم الثقافة، وتطورها النافد إلى غد أفضل مشمول بطموح اسمى، ورغبة اجمل . * منابع شعرية صور المنبع والجذور تتجلى في نصوصك كثيرا ؟ ماذا تعني تلك الصور؟ - المنبع من حيث هو مكان فإنه يعكس نفسه على مرآة شخصيتك لأنه المحيط الذي تعايشه بيئياً، وتتشكل منه إمكاناتك الأولى، ومن حيث هو الرافد الثقافي الأول فإنه يتسرب او يتسلل الى كيانك منذ اللحظات الأولى لاستنشاق عبير الحياة، والاكتحال بضياء الوجود . فهو يكون خلاياك الثقافية، ويغذيها بموروثه، ومفردات ثقافته، كي يمكنك من الوقوف فنيا فاعلا على أرضية المكان، ومنفتحا تعبر نوافذ الزمان . ومن حيث هو انجذاب إلى ذاتك ليمدك بصلابة الثبات، ويزودك بقوة الاندفاع نحو العطاء، المشفوع بقيم إنسانية وأهداف تسعى لتعميم ما ينفع الناس والابتعاد عن الزبد الذي يذهب جفاء . ومن حيث هو تلاحم مع الآخر، وإحساسك به، ومشاركة لرؤاه، وتقدير لطموحه وغاياته فأنت والآخر اندماج يمثل المشهد الحضاري، والصورة الإنسانية، وفي جوهرها الراقي، والقها الأصيل. * بين الكويتومسقط تشكلت تجربتك في الكويت ونضجت في عمان، بين الكويتوعمان كيف ترى الرحلة في الكتابة؟ - في الكويت حيث كنت ادرس انطلقت بواكير التجربة فيها وتغذت مراحلها الأولى وهي مراحل التأسيس بكثير من المعطيات التي هيأت الأدوات الشعرية، وكان للمهرجانات الثقافية التي كانت تنظمها وزارة التربية والتعليم أثر بالغ خاصة واني كنت محظوظا في حينها بالفوز بالمركز الأول في عدد غير قليل منها، وفي مهرجانات متوالية ومتتالية، وقد حدا ذلك بالسفير العماني في الكويت الشيخ احمد بن محمد النبهاني إلى تكريمي والاحتفاء بي، وفي الكويت نشرت بدياتي الشعرية على صفحات مجلة البيان التي تصدرها رابطة الأدباء الكويتية وعلى صفحات مجلة النهضة الكويتية وغيرهما، وأتيحت لي في الكويت التعرف على شعراء عرب كإبراهيم الحضراني وخليفة الوقيان، وعبد العزيز العندليب وغيرهم، وكنت احرص على حضور الأمسيات الشعرية التي كانت تقيمها وتنظمها رابطة الأدباء الكويتية وجامعة الكويت، وكنت أحرص على ارتياد المكتبات العامة التي كانت بامتياز مدهشة في تشجيعها على ارتيادها. أما عمان فقد كنت منذ الطفولة متواصل على شعرها وشعرائها ونما ذلك التواصل في مرحلة الصبا بالتعرف على تاريخها الحافل، كنت اذهب الى الشعيبة في الكويت لاشتري كتابا، مثل نهضة الأعيان، وتحفة الأعيان، وكان الشيخ حمدان بن ناصر الحارثي وإخوانه ومنهم د. عبد الله يوفرون هذه الكتب، لقد حصلت على ذخيرة واسعة من الأدب العماني الشفاهي وكذلك المكتوب مما شكل أساسا ثقافيا صلبا ترتكز عليه الشعرية، النشر في جريدة عمان، والوطن ومجلتي النهضة والأسرة والعقيدة منذ المراحل المبكرة كان يمثل جسرا قويا وممدودا بيني وبين المتلقي وبين المكان، وبيني وبين الثقافة المحلية، وكذلك فإن العمل أثناء الدراسة في الإذاعة العمانية إذ كنت أقدم برامج ثقافية منها «شخصيات عمانية» وقراءات شعرية مسائية، ومقابلات مع رموز الثقافة في عمان آنذاك ومنها الشيخ احمد بن عبد الله الحارثي، والشيخ سالم بن حمدو السيابي وغيرهما والكتابة للأطفال وما إلى ذلك. قد ساعد على اثراء التجربة الشعرية على الصعيد المحلي العماني، كما أن لحظات الوطن العربي كان لها دور فعال وهام في هذه التجربة. العمارة كيف دخلت هذا العالم قادما من الشعر؟ - في تصوري أن الشعر دائما هو أول من يفتح أبوابه الى محبيه وعندما تلج عالمه فإنك تستمتع بمباهجه وجمالياته وقدرته على التواصل، وحين يدلف الى عالمك الخاص يتوحد بك، توحدا اندماجيا يفرز عن توقد الموهبة التي تنزف إبداعا شعريا تستفد به الروح، وتستلذه النفس لأنه يمثل اندياحها، ويسكب بوحها، ويعرض مشاهدها، ومما لا شك فيه أن علاقة وثيقة بين الشعر والعمارة، فالشعر له معمارة او بنيته المعمارية، والعمارة لها شعرية التعبير، وكأن العمارة شعر مجسم وهما يشتركان في أدوات الإبداع والتعبير وان اختلافا في المادية إلا أنهما يتلاقيان في الثقافة أو الروح والاجتماع والجمال. ماذا ينطبع في ذهنك عن الشعر اليمني من خلال رموزه ؟ - لعل الساحة الثقافية في عمان تتصل بالشعر اليمني الصوفي بشكل خاص وبخاصة من خلال الشاعر عبد الرحيم البرعي، لكني اتصلت بالشعر اليمني الحديث من خلال إبراهيم الحضراني والبردوني والزبيري واللوزي والمقالح ومحمد حسين هيثم وغيرهم . متى نراك في صنعاء ؟ - يقول المثل العربي لا بد من صنعاء وأن طال السفر، سوف نلتقي بمشيئة الله . لك صداقات ثقافية واسعة تربطك بأدباء عرب كثيرين، هل يمكن أن تحدثنا عن هذا الجانب الاجتماعي الثقافي في شخصيتك؟ - على امتداد الوطن العربي لي صداقات حميمة مع أدباء وشعراء ولكثرهم أخاف أن يوقعني النسيان غير المتعمد في حرج وتقصير بحقهم، ولكني أقدرهم جميعا وأكن لهم احتراما وتقديراً ومودة وأشد على أيديهم، وأدعو لهم بالتوفيق والسداد في التزامهم بقضاياهم الإنسانية قضايا الإنسان في كل مكان وآن، كما أن لي صداقات حميمة خارج الوطن العربي .