ليس شرطا أن تكون في منطقة قريبة من عاصمة المحافظة لتحظى بخدمات أساسية, فهذه (هجدة) التي لا تبعد سوى 10كم غرب مدينة تعز لا تعرف لحياة العصر لوناً، ولم تمر بها "الثورة"، ولم تعرف كيف هو شكل "الدولة"، وكيف هي صور المتحدثين عن "المنجزات"..!! "هجدة" واحدة من مدن ثانوية مغمورة يقف كل ما فيها شاهداً على العصر.. ويحكي للأجيال كيف أن الثورة دوت بصرختها عام 1962م، وكيف نست "هجدة" إلى اليوم في كنف أنقاضٍ حكومية (إمامية)، أبت أن تبارح المنطقة منذ 44 عاماً، وأبت أن تطيح بشواهد القهر والظلم، وبهذا السجن المتهالك بأبشع صور البؤس!! غير (جبن هجدة) اللذيذ الذي تشتهر به، فلا شيء يسر الناظر في المنطقة.. بإمكانك أن تبدل ألف وجه لتبتسم لكن لن يكون بمقدورك فرد عضلات وجنتيك التي لحفتها حرارة الشمس والحرائق المنبعثتين من السماء والأرض. فوجود المنطقة بين جبال وتلال رفع من منسوب درجة حرارتها إلى معدلات قياسية, كما إن انبعاث أدخنة حرائق القمامة التي تكتسي بها المنطقة دونا عن سواها من مناطق المديرية ساعد في بلوغ اشتعالها معدلات لا تطاق. هجدة التي أزورها بين الحين والأخر لم يتبدل فيها شيء فالوجوه المعبسة هي، هي.. والأطفال المشردون يحلقون حولك, والنساء أكثر بؤسا من قبل, فيما الرجال تبدلت خصالهم، يداهنون حتى على مستقبلهم.. "نبأ نيوز" تشدّ رحالها إلى (هجدة)، لتصرخ من هناك بأذان كل المسئولين: هنا مدينة نستها الثورة.. هنا أطفال لا يعرفون شكل المدرسة.. هنا جوعى، ومرضى، وموتى دُفنوا أحياء.. فهل ثمة من يجيبنا ويقول: هنا الدولة!؟ مستوصف.. بلا كشافة لا مكان للابتسام هنا.. نساء ورجال يقفون طوابير في انتظار لا شيء.. قيل لهم أن الخدمة الطبية بالمجان، ليتفاجأ بعضهم إن كل الخدمات المقدمة على رداءتها هي بالمقابل، فيما من تيسر له دفع فاتورة الفحص والمعاينة لزم الصبر حتى آخر النهار متعلقا بسراب من الأمل. وجدت أمينة عبده عقلان - 50 عاما- أرملة ضابط قضى في حرب 94م - تعاني من السكر والضغط وتوابعهما في الفريق الصحفي الزائر للمستوصف الريفي كما لو كان وزير الصحة ومرافقيه.. انهالت علينا بالشكوى المرة من واقع أكثر مرارة- قالت: "لا يوجد شيء مجانا هنا.. كلهم منافقين.. العلاج قيمته ثلاثة ألف ريال والفحوصات كلها بفلوس.. لا تصدقهم يا ابني.. (أوبه يزيدوا عليك)، شريط العلاج عشر حبات بألف ريال, وراتب زوجي 23 ألف ريال لا يكفي لعلاج السكر شهريا. أما عارف سعيد - تربوي – فرد بتردد واقتضاب شديدين مكتفيا بالقول إن المبنى جيد لكن بلا خدمات جيدة مضيفا انه من المفترض أن تكون المعاينة مجانا لكن هناك رسوما رمزية تدفع, فيما يؤكد زميله رشاد بجاش أن فاتورة الأدوية والفحوصات والمعاينة كلها بالمقابل. وهو الأمر الذي يؤكده الدكتور- حسن عبده قاسم مكاوي- الذي دافع عن ذالك بقوله: كل المحاليل والأدوية نقوم بشرائها مما يضطرنا لفرض رسوم تحاليل ومعاينة, مرجعا ذلك إلى عدم وجود متابعة من قبل القائمين على الصحة في المديرية, مؤكدا أن الخدمات الطبية متوفرة لدى الحكومة لكن لا احد يتابع من أبناء المنطقة, متسائلا: أين ذهبت كشافة المستوصف الريفي التابع للمنطقة؟ مكاوي الذي تحدث نيابة عن إدارة المستوصف الغائبة هذا اليوم، أكد أيضا إن الخدمات التي كان يقدمها المستشفى قبل سنوات طويلة كانت أفضل وأجود من اليوم, حيث لا دواء ولا أجهزة, موضحا أن عدد الفريق العامل في المستوصف يصل إلى عشرين بينهم ستة أطباء. مستوصف .. للعرض فقط وعلى مقربة من مستوصف هجدة القديم ينتصب مبنى ضخم لم يتم تجهيزه حتى اليوم ومضى على الانتهاء من بنائه ثمانية أشهر ليقودنا للبحث عن إجابة لسؤال بديهي: ما فائدة بناء المستشفيات بمئات الملايين من الريالات دون تجهيزها والاستفادة منها في تقديم خدمة طبية للمواطنين؟ يقول عباس عبد الله احمد- تربوي: إن تكلفة أرضية المستشفى البديل تقدر ب4,300 مليون ريال, دفع منها مبلغ 3,400 مليون وبقي 900 ألف ريال وهي تكلفة ساهم فيها المواطنين, مؤكدا عدم معرفته سبب توقف المستشفى والتي كانت قد أشارت إلى وجود خلافات على إدارته, موضحا إن إجمالي تكلفة المبلغ تصل إلى 64 مليون ريال. ويعتبر عبد القادر محمد الرازقي- من أهالي منطقة هجدة- أن وضع منطقة هجدة مخزي للغاية فهي عبارة عن مستودع لتجمع القمامة, مشيرا إلى أن هجدة تعاني في مجالات عدة منها ما هو في المجال الصحي ومنها ما هو في المجال التعليمي والكهرباء والأمن والمجاري والرصف والضمان الاجتماعي الذي قال انه يذهب للميسورين ويعتمد في توزيعه على المعيارين الحزبي ودرجة القرابة. مدرسة أم معتقل؟ مدرسة أم معتقل.. لا شيء فيها يدل على مدرسة.. إذ لا يوجد فيها: إنارة- نوافذ- حمامات- مقاعد- سبورة صالحة- دهان- خزانات مياه.. وهو ما تسبب في نفور طلابها الذين يفترشون أرضية الفصول المعتمة منذ سنوات طويلة بلا حراك من ضمير تربوي أو إنساني.. اسم الشهيد الذي أطلق على المدرسة تسفيه لدور الشهداء الذين أعطوا أرواحهم رخيصة للوطن, وكان الأجدر بنا التفكير 100 مرة قبل أن نطلق اسم صفة الشهيد على مرافق لا تقدم للناس شيئا وليست جديرة بتحمل أعز الناس في الوطن وهم الشهداء. يقول علي عبد الرحمن العليمي- وكيل مدرسة الشهيد محمد عبد العزيز حمره: إن عدد طلاب المدرسة في الفترتين الصباحية والمسائية حوالي 2000 طالباً وطالبة, مشيرا إلى أن المدرسة لم تحظ بالتكريم حتى اليوم منذ نهاية السبعينات أي منذ فترة رئاسة الحمدي.. في حين يقول عصام الشميري- شاب - انه كان يفترض قبل التحجج بالإمكانيات أن تعطي نسبة ال 10% المستحقة لأبناء المنطقة التي يقع في نطاقها مصنع اسمنت البرح للخدمات في المنطقة ولكنها تذهب أدراج الرياح دون أن يلمس أثرها احد. شرطة هجدة.. السقوط في أية لحظة هو مبنى عتيق مضى علي إنشائه أكثر من خمسة عقود وما زال يمارس دوره في استقبال الناس من كل منطقة في المديرية, مذكراً إياهم بعهد بغيض يريدون تجاوزه إلى غد أفضل. الرائد عبد الستار الهلالي- مدير قسم شرطة هجدة- لم يكن يرضى إجراء حديث من أي نوع كان للصحافة، خشية أن (نجرجره) لأشياء لا يحبذ ذكرها، ربما هي تعليمات الداخلية ، لكننا حين أخبرناه عن هدفنا من الزيارة أفصح عن مشكلة المبنى مطالبا الجهات المعنية بسرعة إيجاد حل لوضع المبنى، وقال: انه قد ينهار في أية لحظة فوق رؤؤس موظفيه. أما السجناء الذين يقبعون في زنزانة موحشة ليس لها مثيل في العالم, فهم- حسب الهلالي- تابعين للنيابة وليس للقسم.. فقد مضى على بعضهم هنا أكثر من شهر وهم يكابدون في وضع مأساوي لا يمكن وصفة بأي لغة في العالم.. فكيف للمرء أن يعيش ولو لساعة واحدة فقط في غرفة صغيرة مظلمة.. فالبول في قناني مياه معدنية, وقضاء الحاجة في جزء من الغرفة، وكل ذلك تحت درجة حرارة 45 م .. نعم لم أزر معتقل جوانتاناموا من قبل، وكل ما اعرفه عنه شيئا يسيرا مما تنقله الفضائيات لكني أكاد اجزم أن وضع سجن هجدة إن لم يكن مشابها فهو الأسوأ في العالم..!