إن موقع اليمن الجغرافي في شبه جنوب الجزيرة العربية وحجم مواردها الطبيعية ووضعها وحجم دخلها القومي وعدد سكانها الكبير والمتنامي بصورة متزايدة وحاجاتها التنموية والاقتصادية والمجتمعية، علاوة على كون اليمن ضاربة بتاريخها وحضارتها أعماق الأصول الأولى للأمة والحضارة العربية، تدفع وبصورة حتمية نحو ضرورة ان تكون على قدر كبير من التجارب مع المتغيرات العالمية، وان تحاول التكيف واستغلال الحدود القصوى من امكانات الاستفادة من تلك المتغيرات، من خلال رؤية اشمل واعمق وفتح مجالات اوسع في التعامل مع المتغيرات من حولنا. فتوجه الأنظار نحو الجنوب الشرقي الآسيوي، بل ونحو التعاون اليمني الآسيوي الاشمل بحكم الموقع أمر يجب ان يشغل صانع القرار السياسي وراسم السياسة الخارجية اليمنية واستراتيجيات الخطوط العريضة للاقتصاد الوطني، فبتغير وتبدل المصالح الاقليمية والدولية كهدف وكطبيعة، أصبحت هناك أولويات تصدرت الأبعاد الاقتصادية فيها على الابعاد الايديولوجية وبرز في تلك الاولويات البعد الاقتصادي حاملاً بين جنباته وفي طياته الابعاد السياسية والثقافية والتاريخية والتكنولوجية والمعلوماتية. فالعالم وبقوة قد اتجه نحو السوق الحرة، سوق المنافسة الكاملة التي تعتمد على العرض والطلب وتعدد البائعين والمشترين في ظل اقتصاد عالمي قائم على التكتلات التي تحكمها مجموعة المستحدثات من معايير تحديد المصالح وتقييم مدى أهميتها ومدى النجاح في تحقيق تلك المصالح مع الفاعلين الدوليين بصورة دورية ومستمرة، تتيح لصانعي السياسات العامة للدولة في كل مجالات التنمية المجتمعية القدر الكافي من الوقت والمعلومات لمعرفة طبيعة السلبيات في السياسات والاستراتيجيات المرسومة بقصد تحقيق تلك الاهداف، وبالتالي تحديد طبيعة الاحتياجات التي من شأنها تحديد السياسات وادوات تنفيذها على اسس مدروسة ورؤية واضحة لموضوعية ضمانات تحقيق الحدود القصوى من تلك المصالح التي تحقق النقلات النوعية والحقيقية للدول من خلال التغير في حجمي الناتج والدخل القومي بصورة تعكس ذلك التغير على مستوى حياة الفرد العادي نحو الافضل، وعلى الواقعية الرقمية من نسب النمو الاقتصادي السنوية، وعلى طبيعة القاعدة التصنيعية وجودة السلع التنافسية بشقيها السلعي والخدمي. وذلك في الحقيقة لن يتاتي لأي من الفاعلين الدوليين في عالم اليوم مالم تكن السياسات والاستراتيجيات قد وضعت على اسس واعتبارات تراعي من خلالها التعددية في الاتجاه نحو الشركاء الاكثر انسجاماً وقرباً واستعداداً للتعاون والمشاركة في تحقيق تلك المصالح والاهداف بندية تخفض للدول والمجتمعات الحقوق السيادية والانسانية والطبيعية في تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة والحياة الكريمة دون الافراط في استغلال قدرات الاقوى ضد الاضعف من الدول بغرض بسط الهيمنة وممارسة الضغوط. ان التعاون اليمني-الآسيوي أمر تدعو اليه طبيعة التكتلات العالمية وضرورة ايجاد البديل في الظروف المغايرة تحقيقاً لتعددية الاتجاه نحو الشركاء في القارة الآسيوية، وقطعاً لنموذج العلاقات القائم على معيار القوة واستغلال الاضعف، خاصة وان آسيا لديها من الامكانات والقدرات التكاملية ما يجعلها قادرة على انشاء تكتل غاية في القوة والنجاح جنباً الى جنب مع شعب اليابان وأمته العظيمة واقتصاده العملاق، ومع التنين الآسيوي «الصين» الذي اثبت للعالم بأسره انه قوة عظمى بالشراكة مع اليابان والقوى الآسيوية الآخرى المتمثلة في النمور الآسيوية المتنامية لا محالة. وعلى ذلك يمكن القول: ان بناء جسور التواصل مع امم القارة الآسيوية سيفتح لليمن بصورة خاصة مجالات أوسع وفرص تستطيع من خلالها التحرك بحرية نحو الشريك الاكثر مدنية واستعداداً للتعاون والمشاركة في مواجهة الاعباء التنموية بكل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والتكنولوجية والنقل المعرفي، وذلك ما يجب ان تسعى اليه دول القارة الآسيوية الغنية والمتعددة بثرواتها حتى يتسنى لها كسر قيود الهيمنة والتحكم وممارسة الضغوطات الدائرة رحاها في عالم اليوم، ولكي تحقق ايضاً عقلانية الاتجاه نحو الغرب الذي يجب ان يوازيه الاتجاه نحو الشرق.