جميل أن يبدو حكامنا العرب ديمقراطيون ومنفتحون، وجميل أن تُطلق المملكة العربية السعودية الدعوة لحوار الأديان وتتبنى مؤتمراً مخصصاً لهذا الغرض في نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية، ولكن لابد من الوقوف أمام الدوافع والأهداف الحقيقية من وراء مثل هذا المؤتمر، خاصة وأن الدعوات التي كان يُفترض بها أن تقتصر على من يُعتبرون زعماء أو ممثلين للأديان والملل، قد تجاوزت هؤلاء وبدأت وانتهت عند زعماء الدول والحكومات وعلى رأسهم زعماء الكيان الصهيوني. وكان أمراً مثيراً للسخرية أن تتحدث وكالات الأنباء والصحف– التابعة للمملكة السعودية على وجه الخصوص- وتركز على مسألة أن العاهل السعودي حين وصوله نيويورك لم يصافح الرئيس الإسرائيلي ولم يلتق به علناً، وكأن المصافحة والابتسامات المتبادلة أمام الكاميرات هي كل شيء؟ ونسي أو بالأصح تناسى هؤلاء جميعاً أن رئيس الكيان الصهيوني لم يأت إلى نيويورك إلا بدعوة رسمية من الدول المنضمة للمؤتمر ومنها السعودية حتى وإن حاول مسئول سعودي إلقاء المسؤولية على جهات أخرى، ولو لم يكن للسعودية رغبة في مشاركة إسرائيل لما جاء المسئولون الإسرائيليون لحضور مؤتمر ليس مرغوباً بهم فيه، وكون السعودية هي الجهة الرئيسية المنظمة للمؤتمر والداعية لكل الجهات إليه! حقيقة إنه لمن العار على كل زعيم أو ممثل عن أي دولة عربية أو إسلامية أن يحضر جلسات هذا المؤتمر مع الصهاينة الذين لازالت أيديهم ملطخة بدماء إخواننا في غزة الغارقة في الظلام والحصار والتجويع؟ وفي الوقت الذي لازال شمعون بيريز وليفني وبقية المسئولين الصهاينة يتوعدون باجتياح جديد لغزة! ولا يهم أن يكون حسن نصر الله أو غيره قد دعوا لطرد بيريز من المؤتمر- لأن ذلك لا يروق للبعض- فالحقيقة التي لا يمكن تغطيتها هي أن هذا المؤتمر بهذه المشاركة الإسرائيلية رفيعة المستوى هو فصل آخر من فصول التطبيع مع الإسرائيليين، وهذا ما يراه العديد من قادة فصائل المقاومة الفلسطينية ويوافقهم على ذلك كل أحرار الشعوب العربية والإسلامية، حتى وإن حمل المؤتمر قناع حوار الأديان. يأتي هذا المؤتمر كمحاولة لشرعنة التطبيع مع الصهاينة وجعله أمر واقع، وقد جاء بعد صدور تصريحات إسرائيلية قبل أسابيع تتحدث عن دراسة إمكانية الموافقة على الدخول في مفاوضات جديدة لتنفيذ مبادرة الملك عبد الله التي تقدم بها في قمة عام 2002 م، وهي المبادرة التي تنازلت عن الأراضي الفلسطينية إلى حدود عام 1967م وكذا أغفلت موضوع اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وهو من أهم المواضيع التي تؤرق الإسرائيليين في ملف القضية الفلسطينية. الحوار بين الأديان هو أمر مهم ويعمل على تقليص الخلافات والصراعات ولكن يتضح أن الكثير من الدول المهتمة بهذا الأمر لا تنظم وتفعِّل مثل هذه المؤتمرات إلا في أوقات متوافقة مع أجندة سياسية معينة، وإذا كان الحوار بين أديان فمن الطبيعي أن يكون رجال الدين هم المعنيون بالأمر فما علاقة السياسيين وزعماء الحرب والمسئولين بمثل هذه المؤتمرات، على أن البعض يتحفظون– ومعهم الحق في ذلك- على إطلاق كلمة أديان على كل خزعبلات وتحريفات من يسمون أنفسهم يهود ومسيحيين فالدين واحد وهو دين الله الذي أنزله على موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، لذلك فقد يكون من الغلط إطلاق كلمة أديان على كل ما لدى الآخرين. أخيراً أقول ينبغي للدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أن يهتموا أكثر بالحوار الإسلامي- الإسلامي والتقريب بين المذاهب والفرق والمدارس الإسلامية فهذا هو الموضوع المُلِح والأهم، كونه يتعلق بوحدة الأمة ووحدة النسيج الاجتماعي والوطني في كل الدول، وكونه الثغرة الأخيرة التي استطاع أعداء الأمة الدخول منها وترسيخ هيمنتهم وسيطرتهم علينا من خلالها. وللأسف أنه لازال هناك الكثير من المتشددين يعارضون دعوات التقريب أشد المعارضة في الوقت الذي يطبلون لدعوات حوار الأديان والملل. من هنا يتعين على المسئولين العرب أن يعملوا على خلق ثقافة التعايش والتقريب بين الطوائف والمذاهب، وحتى وإن كان في مصلحة بعض الحكومات تسعير نار الخلافات المذهبية فهي تدرك تماماً أنها أول من سيكتوي بنيران هذه الخلافات والصراعات وأنها من ستكون الضحية الأولى لها.