اختتم اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع صنعاء فعاليات برنامجه الثقافي الجزئي لشهر فبراير بمحاضرة صباحية متميزة احتضنتها قاعة بيت الثقافة للأديب والكاتب الاستاذ أحمد قائد الأسودي- رئيس مركز القرن الحادي والعشرين للتجديد وذلك في إطار الفعاليات الشهرية المميزة التي كان فرع الاتحاد قد أعلن عنها في برنامجه الثقافي للنصف الأول من العام الحالي 2006م والتي تقام في آخر خميس من كل شهر مخالفة لبرنامجه المعتاد الذي تنعقد فعالياته مساء كل أربعاء. المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمثقفين والعامة كانت حول «مشروعك الخاص يترجم وجودك» وهي في ذاتها ترجمة لمشروع ثقافي اجتماعي اقتصادي اشتغل ويشتغل عليه الاستاذ الأسودي منذ سنوات عدة وكان له أن اصدرعن موضوعي كتاباً بذات العنوان صادراً ضمن سلسلة «تفكير بلا حدود» التي يتبناها مركز القرن الحادي والعشرين للتجديد الذي يترأسه الاستاذ الأسودي.. وأنه كما المحاضرة أو المشروع عموماً الذي يتبناه المحاضر يرى أنك حين تكون بلا مشروع متميز فأنت بلا وجود حضاري، ميز الله الناس كأفراد بعضهم عن بعض بأشياء كثيرة كاللون والملامح والتقاسيم ونعمة الصوت والبصمات، وما الى ذلك من الصفات المميزة فإن الله تعالى قد ميز كل إنسان أيضاً بميزة واحدة خاصة أو أكثر هي الأبرز في مجموع قدراته، وهي التي من المفترض أن تبرز في كل إنسان على حدة كأرقى مهارة وأرقى أداء لأنضج ممارسة، وهي المفترض أن تتبلور بشكل مشروع متفرد ومتميز أو كإضافة متميزة في مشروع قائم. ويرى الاستاذ المحاضر أن من الملاحظ في كثير من الأحيان أن كثيراً من المشروعات والإضافات والابتكارات والمخترعات تجير لأصحابها فتسمى بأسمائهم، فتعرف المشروعات بهم أو يعرفون بها في حياتهم أو بعد مماتهم، ومن هنا فإن غياب تلك التميزات في أدائها وإضافاتها ومشاركتها يعكس حالة التخلف أو الانعدام للتراكم الذي يحقق النهوض وترتكز عليه الحضارة، فليس سليماً للإنسان المسلم صاحب الرسالة أن ينظر خلفه، فلا يجد لسنواته الماضية من عمره أي تراكم متميز خاص لأداءاته وممارساته المختلفة، فلا مشاركة متميزة ولا إضافة جديدة ولا مشروع متفرد في تميزه الخيّر في إطار المشروع الكبير إسلامياً أو إنسانياً. ويؤكد الاستاذ الأسودي من خلال رؤيته هذه لضرورة إيجاد الهدف أو كما يسميه المشروع الخاص والشخصي أن هذه الحالة أو القضية غابت عنها ثقافة الحضاري والهدي النبوي الكريم ودلل على ذلك بنصوص من الثقافة الاسلامية والسنة النبوية مثل : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم الدين، إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له... وغير ذلك.. مؤكداً على أن الثقافة الاسلامية نصوصاً مما لا يصنع نهوضاً أو حضارة ولا يملك الإبقاء على بقايا نهوض أو بقايا نهوض أو بقايا حضارة موروثة، بل ربما ما ينتج عنه حالة قد تؤدي الى مضاعفة التخلف، فالأب الذي لا يملك تراكماً متميزاً خيراً، لا يملك أن ينقل لأبنائه ما يمكنهم أن يقفوا عليه أو ينطلقوا منه أو يضيفوا إليه أو يعتزوا به، ليستلهموا منه قدراتهم وتميزاتهم الخاصة، وبالتالي تغيب عناصر الاستمرارية الحضارية للإنسان بعد موته، فلا صدقة جارية ولا علم ينتفع به ولا ولد صالح يدعو له، ولا سن سنة حسنة كمن بعده، وغياب كل ذلك يعود الى ذلك الغياب لأهمية الوعي بالمرتكزات الأساسية لذلك التراكم الخير المتميز الذي على المسلم أن يصنعه في واقعه، فالتفعيل للتميزات في عطاءاتها الخيرة والبناءة يجعل من صاحب المشروع المتميز الخير صاحب حضور على الدوام في حس الواقع ووجدانه ويكتب الله له الأجر والثواب والمقام العظيم عنده، ليكون المسلم قد سجل بذلك وجوداً دنيوياً وأخروياً مشرفاً في حياته وبعد مماته. وهذا هو الملخص الموجز لرؤية الاستاذ الأسودي حول مشروعه الذي شغل معظم الحيز من وقته وانشغاله لسنوات طويلة والذي أوجزه في نقاط ومتناولات وأمثلة وقرائن استشهد بها وتناولها في محاضرته التي تدعو الى التجديد والتميز وتحث على ضرورة امتلاك الفرد لمشروعه الخاص النابع من تفكيره الشخصي لئلا يمضي عمره وهو مجرد آلة متلقية أو منفذة للأوامر ولمشاريع الآخرين إن وجدت.. وفصل المحاضرة محاضرته التي أرفقها بوسائل تقنية تساعد على التفنيد والاشارة والاستدلال مثل جهاز البروجكتر الذي عرض من خلاله تفصيلاً كاملاً ومراحل مختلفة لتناول موضوعه، فصل أجزاء مشروعه أو رؤيته بدقة عالية ونقاط مفصلة انطلقت من نية امتلاك المشروع الخاص للفرد ثم وسائل وطرق اكتساب المشروع وتنفيذه موضحاً أن امتلاك المشروع الخاص هو في الحقيقة تعبير حضاري للوجود الذاتي وجود الأمة، وهو من أهم مرتكزات النهوض في الأمة، بلد هو أكبر من ذ لك إنه الوقوف على الصراط المستقيم فالإنسان الذي يمتلك مشروعه الخاص هو الواقف السوي الى الصراط المستقيم، فهو يستطيع بكل وضوح أن يرى طريقه حتى منتهاه لأنه استطاع امتلاك ناصية البوابة الحقيقية، وفي الوقت ذاته يرى المنتهى إنه يرى البداية ويستشرف النهاية الناجحة المنتصرة، وأكد المحاضر على أن الإنسان بطبعه وفطرته يحتشد في مشاريع الغير، وهو محتشد حتماً على نحو ما، لتكتمل فيه حالة الأخذ والعطاء البناءة، مشيراً الى أن هذه الحالة هي ما يسعى من خلال مشروعه الى التحفيز اليها وتكريس ثقافتها، ومما طرحه الأسودي أيضاً أن هذه الحالة هي المعالجة المفصلية لمشكلاتنا الكبرى وتخلفنا المهين وهي المعالجة المطلوبة والملحة في واقعنا لتحقيق التحرر من ذلك الأسر المهين في مشاريع الغير، فحين يمتلك الفرد مشروعه الخاص المتصل بكينونته وتميزه المتفرد يصل الى الحالة السوية الواعية المعطاءة الفاعلة لأنه سيكون في حالة من التوازن الذاتي والتماسك الممتاز، فهو من جهة يحتشد في مشاريع الغير ومن جهة أخرى يحشد الغير في مشروعه الخاص، ليعزز بذلك مشروع الأمة المشروع العام، ليغدو حاشداً ومحتشداً في آن واحد، ويصبح كمن يطير بجناحين. ويؤكد المحاضر على الدوام على أنه في واقعنا مطلوب من كل فرد منا أن يتحمل التبعات كلها والهم كله والجهد كله، ليصل الى هذه الحالة المتماسكة حالة امتلاك المشروع حالة الاقلاع والطيران، وما على كل فرد منا إلا أن يحشد إمكانياته ومتاحاته وأن يقرر أن يكون حراً حقيقياً ليكتشف قدراته الذاتية التي أودعها الله فيه، ومن ثم ينطلق الى مشروعه الحياتي الذي يصنع به الفرحة الحياتية للناس في ساحة تأثيره. وبعد التعريف بالمشروع وأهميته وكيفية تحقيقه والدخول اليه أو الانطلاق والاقلاع في عالمه قدم المحاضر عدداً من النقاط المفصلية التي من خلال ممارستها يمكن للفرد التعامل مع مشروعه الخاص وتحقيقه على أرض الواقع متناولاً بعضاً من القضايا والموضوعات المؤثرة والمتأثرة بذلك فتناول التخلف والتقدم وغياب الإيمان وغياب المشروع وقيمة تحقيق المشروع كقيمة عظيمة ثم اكتشاف وتفعيل التميزات والقدرات الخاصة والحشد للجماعية، كما تطرق لعدد من الاستراتيجيات مثل الصمود والنهوض والوقوف بوجه الفشل باستباق النجاح على الدوام وتوقعه نهاية كل بداية ثم القدرة على الذات وبالتالي تخليصها من الأسر الذاتي والمجتمعي والارتهان للمبررات الداهية كالمبررات المادية والمتاحة وما الى ذلك كما تناول في ضوء ذلك وطريق تحقق ونجاح المشروع الخاص التناغم الفردي الجماعي وعرض لعدد من التجارب والحالات التي استدل بها على النجاح في المشاريع الخاصة التي صنعت لأصحابها المجد والثروة بل والاتساع العالمي الكبير والخلود. قدم للمحاضر وافتتح المحاضرة الشاعر محمود القعود- رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين- فرع صنعاء مشيراً الى ما حققه ويحققه المحاضر من خطوات نجاح خلال جهوده الكبيرة في تجسيد هذا المشروع الإنساني وتحقيق الفائدة منه بتوعية الفرد بضرورة تكوين وإيجاد مشروعه الخاص والمتميز الذي يمثله ويتمثله باقياً وراحلاً، وتناول الشاعر القعود في لمحة أهم إنجازات الباحث والمحاضر في هذا المجال وغيره على مستوى الثقافة المحلية ومدى اهتمامه وتشوقه الدائم لإنجاح المشروع وتحقيق فائدته كرسالة وضعها لنفسه كمشروع شخصي رئيسي في حد ذاتها، ثم تولى الشاعر جميل مفرح- المسئول الثقافي في فرع صنعاء إدارته النقاش بين المحاضر والحضور الذي ضم مجموعة من المثقفين والأساتذة والطلبة والمهتمين الذين زادوا من ثراء المحاضرة وناقشوا أطرافها وجزئياتها بمداخلات وإضافات وملاحظات كان لها كبير الدور والأثر في تحقيق الفائدة المرجوة من المحاضرة وإضفاء سمة المحاضرة و تمنى المزيد من الوقت من كلا الطرفين للتعمق أكثر في تناول جزئيات الموضوع وإثراء وإضاءة مختلف جوانبه.