قبل الميلاد باربعة قرون تمكنت دولة مقدونيا من حكم جميع المدن اليونانية ليصبح تاريخ اليونان السياسي هو تاريخ غزاتها المقدونيين اما الملك فيليب الثاني الذي انجز ذلك فكان يحلم بالاستيلاء علي الامبراطورية الفارسية العتيدة وعندما اعد جيوشه واساطيله وتأهب للتنفيذ اغتيل وصارت القيادة ملقاة علي عاتق ابنه الاسكندر الشاب الصغير. شاءت ظروف الاسكندر ان يحكم في مرحلة فاصلة بين عهدين في تاريخ المنطقة حيث عالم قديم ينتهي ليظهر عالم جديد سوف تذوب فيه الحضارات وتتقارب الثقافات فيما يعتبر عولمة ما قبل الميلاد. وكان علي الاسكندر ان يقوم بهذا التغيير والذي بعد ان احكم قبضته علي المدن اليونانية اندفع في ربيع334 قبل الميلاد وبضربات ساحقة يحارب الفرس ويستولي علي مستعمراتهما فاخضع صور( بلبنان) متقدما نحو غزة تم اخذ حكم مصر من واليها الفارسي ورسم نفسه فرعونا في العاصمة منف وقال ان اله المصريين تجسد فيه واسس مدينة الاسكندرية وهو في طريقه الي معبد الوحي في سيوة( وتوجد مدن عديدة باسمه في دول اخري) ثم كر عائدا ليقضي علي فارس نفسها ليصبح ملك الملوك بدلا من حاكمها( دارا) وتوغل في اسيا حتي الهند والبنجاب وفي عام323 قبل الميلاد اصيب بالحمي ومات وعمره اثنان وثلاثون عاما فقط!! لم تكن هذه الفتوحات هي التي ادت الي العولمة الاولي وانما سياسته وتعليمه وكما احترم عادات المصريين وديانتهم عاش في فارس مثل الفرس ولبس مثلهم وفي نفس الوقت عمل علي مزج الروح الهلينية( او الاغريقية التي تربي عليها) مع الروح الشرقية وراوده حلم تنظيم تجارة عالمية بربط الانهار الكبري مثل النيل بالبحر المتوسط وبالتالي مزج حضارات مصر وفارس والعراق والهند واليونان عن طريق المساواة والتجارة والثقافة! احلام وردية لم يمهله الزمن لتحقيقها وكان استوعبها في حداثته من استاذه ارسطو اعظم الفلاسفة في تاريخ اليونان والعالم والذي تولي تعليمه علي مدي ثلاث سنوات منذ كان عمره13 عاما الي16 عاما وكانت الفلسفة في ذلك الوقت تحاول فهم كل شئ يتصل بالانسان الفلك والموسيقي والرياضيات والجغرافيا والنبات والحيوان والسياسة وعقائد الشعوب الاخري من اجل هذا اصطحب معه عددا من العلماء. ومع اكتسابه كل هذه المعارف كان يتم تدريبه بدنيا وحربيا وتجهيزه وجدانيا, الي ان الامير عندما يحكم عليه ان يزيد من هيمنة مملكته وان يقود جيوشه لتوسيع رقعتها! وهذا هو التناقض الصارخ بين الاحلام الوردية النبيلة وبين تنفيذها بقوة السلاح وقهر الامم الاضعف! ويقال ان قواده سألوه وهو في النزع الاخير: لمن يكون الحكم من بعده فقال للأقوي! فظلوا نحو عشرين سنة يتنافسون ويتآمرون ويتحاربون الي ان تقسمت امبراطوريته الشاسعة بين ثلاث ممالك: مملكة اسيوية حتي السند ومملكة مقدونية جديدة في البلقان والبطالمة في مصر واخر ملوكهم كانت كليوباترا الشهيرة وبعدها وقعت مصر تحت حكم روما(30 قبل الميلاد) لكن الاسكندرية التي اقامها الاسكندر ظلت منارة العلم والفنون والفلسفة لها مكتبة عظيمة ويأتيها الدارسون من انحاء العالم للتعلم فيها. بسبب فتوحات الاسكندر وتعليم استاذه ارسطو اصطبغ العالم فيما بين عامي330 الي30 قبل الميلاد بثقافة اطلق عليها اسم الهلينيستية اختلطت فيها الثقافات والتجارة والصناعة والتقاليد.. صار العالم القديم في حالة عولمة لاينقصها الا الفضائيات والنت! ومن المؤكد ان ارسطو شرح لتلميذه الاسكندر فلسفة افلاطون وسقراط وباقي المدارس خصوصا حركة السفسطائيين المستنيرة الذين عملوا علي تعليم الناس احترام قيمة العقل والكفاءة.. قالوا ان الفضيلة هي المعرفة والتفكير المنطقي والعقل المدرب وليس المال او الحسب ويمكن تقوية الفضيلة( بالمعني السابق) بالنقد الذاتي وبأن يراجع الانسان نفسه.. يطور المفيد ويهجر البالي الجامد. تحدثوا ايضا عن امر جديد هو النسبية فجميع المعايير نسبية لانها من خلق اذهان بشرية, الصواب والخطأ نسبي مايراه انسان صوابا قد يراه اخر خطأ وكل فعل انساني يجب ان يقاس بمدي جدواه وفائدته أو ما نسميه الآن براجماتية. كذلك ارتبطت عقلانيتهم ونسبيتهم بالاقتصاد الحر وحرية التنافس والربح وكانت النتيجة تراكم رأس المال بنشوء التجارة عابرة الحدود ونمو الطبقات العاملة وظهور الطبقات المتوسطة وبالتالي تقليص الفوارق الاجتماعية اصبح الانسان بنشاطه العقلي تاج الخليقة يسعي ان تكون احكامه موضوعية وهذا يحرره من التعصب العنصري. عصر التنوير هذا حدث قبل الميلاد ثم كاد يندثر تحت اقدام جيوش الامبراطوريات والطغاة والجمود الديني وتفشي الجهل مع سحق الانسان الفرد الي ان اعاد الغرب اكتشافه فكان عصر التنوير الحديث الذي يجني ثماره في الفن والثقافة والعلوم وبالتالي القوة الصناعية والحربية وسيادة العالم وهذا له موضوع قادم عن امبراطور اخر له ايضا علاقة بمصر واستاذه عالم الرياضيات.