- لؤي يحيى عبد الرحمن الارياني - الشهيد عبد الله كنت انا وزملائي نحمي العاصمة صنعاء من احد الجهات الجنوبية اسفل جبل النهدين، كنا برغم شدة الحصار والجثث المرمية في شوارع صنعاء والمناظر المرعبة الاخرى كنا نتفجر حماسا ويقينا بالنصر وبأننا بشر لا نريد ان يكون لنا سيد الا الله، كانت الكلاب تمشي خلفنا تتشممنا من بعيد و تنتظر متى نسقط ارضا لتلهم لحمنا ففي تلك الفترة المشئومة من تاريخ صنعاء تعودت الكلاب على طعم لحوم البشر الذين ترامت جثثهم في كل مكان جراء القصف والحصار والجوع.. في احد الليالي كنا ننشد انا وزملائي في حماس احد الاغاني الجميلة واذا بالرصاص ينهمر علينا، ادركت فورا انها محاولة للدخول الى صنعاء من هذا الموقع، الموقع الذي احرسه انا وزملائي وامام عيني تساقط زملائي واحدا وراء الاخر وبقيت وحدي معي بندقيني مستترا وراء صخرة كلما تقدم واحد منهم اسقطته فورا برصاصة.. رصاصة واحدة كانت تصيب الهدف بكل دقة وكأنها تشاركني نفس الحماس في حماية بلدي وناسي ومعتقداتي وكرامتي، نعم شعرت بالرصاصة الاولى تخترق اسفل صدري ومثلما سمعت كثيرا لم اشعر بألم.. فقط شعرت بحراره وبلل دافيء ثم توالت الرصاصات واقسم اني لم اشعر الا بمزيد من الدفء والبلل، والسعادة الشديدة.. واكثر ما اسعدني اني فقدت قوتي تماما وسقطت ارضا في نفس الوقت الذي وصل فيه المدد لحماية الموقع سقطت مبتسما شاعرا برغبة شديدة ان اكمل تلك الاغنية الحماسية التي كنت انشدها مع زملائي قبل الهجوم، ماذا كانت تقول؟؟ لم اعد اذكر، لا شك انها حول حلم بمستقبل افضل وحياة اجمل..تركتها لك واصبحت انا احد شهداء حصار السبعين. الشهيد محمد كنت ضابط امن، اعتز كثيرا بوظيفتي واعتبرها من اهم الوظائف ولاحقا ستقولون في زمانكم ان الامن ركيزة التنمية وركيزة الاقتصاد، اذا فانا بوظيفتي هذه اضمن للجميع حياة افضل، كانت الاوضاع تتوتر وتزداد سخونة الحر الشديد في عدن يلهب الاعصاب واخبار التوترات السياسية في البلاد تزيدها التهابا، الى ان انفجر كل شيء انطلق الرفاق يسملون اعين بعضهم بعضا وانتقل السعار المجنون الى الجميع ليقتل احدهم صديقة بناء على محل الميلاد المكتوب في بطاقنه الشخصية ويصبح الوطن المقسم اصلا مقسما الى اقسام اكثر صغرا وضيقا حتى اصيح الجميع اما زمرة او طغمة.. مرضت ابنتي وارتفعت حرارتها وكان الماء هو حلم جميع الناس في عدن في تلك الايام كانت ذات شعر اسود سلس لا اذكر اني سمعت صوتها تبكي الا حين مرضت حاولت ان افتش في ذاكرتي فلم اجد الا صوت ضحكاتها يملاء كل حياتي.. ولذلك خرجت ابحث عن الماء لتلك الصغيرة الجميلة واستطعت ان احصل على برميل متوسط مليء بالماء فرحت به كثيرا واقتربت مغامرتي من النهاية باقترابي من البيت وانا اتخيل ضحكات ابنتي بعد ان ترتوي وتنخفض حرارتها .. وفي ثواني وجدت رجلا يرتدي المعوز عاري الصدر يبدو من عينيه انه فقد عقله ربما من هول ما شاهده في تلك الايام السوداء كان يصيح بكلام كثير ويطلق الرصاص وفور ان رأني انتفض كل جسده واطلق وابل من الرصاص علي وهو يواصل الصياح، سقطت.. وسال دمي غزيرا على الارض وامتزج دمي بالماء الذي سال على الارض..للحظة شعرت بالاسى لان الماء تلوث بالدم ولن تستطيع صغيرتي ان تشريه الان..ًصدقني لم اشعر للحظة بالحزن على دمي المسفوك كان كل حزني على كل قطرة ماء لم تشربها صغيرتي العزيزة..طمني ارجوك, هل وجدت لاجقا من يعطيها شربة الماء تلك..اما انا فقد صرت احد شهداء احداث 13 يناير المشئومة. الشهيد سالم كنت مع القائد لبوزة.. كنا نرمي انفسنا وسط فك الاسد..لم ادرك لم يصفون دولة الانجليز بالاسد الا عندما انخرطت في صفوف المقاومة، انهم وحوش عديمي الرحمة والانسانية وبرغم ذلك فقد كنت احيانا اشفق عليهم فليس هناك ماهو اسواء من ان تكون محتلا وتقع في يد ثائر يمني لن تنفعك وقتها اسود العالم وستتمنى ان تكون من رعايا اي دولة صغيرة في اطراف العالم وليس من رعايا الدولة المستعمرة، كنا نثير جنونهم بعملياتنا الجريئة والفدائية.. في احد العمليات انفصلت بالخطاء عن مجموعتي وحاصرني الانجليز انتهت ذخيرتي توقعت ان يحاولوا اسري فسليت خنجري لاشتبك معهم يدويا..ولكنهم قذفوني باربع قنابل يدوية..اخر مارأيته وانا فوق ذلك المرتفع وقبل ان تنفجر القنابل كان بحر عدن.. صدقني لقد ابتسمت وهمست لها بكل صدق تستاهلي بل وهي وتستاهل اكثر من ذلك بكثير..سمعتهم قبل ان تنفجر القنابل وهم يضحكون في وحشية..لاشك ان تلك الطريقة البشعة في القتل راقتهم كثيرا، لقد ضحكوا علي وانا انحول الى مجرد دخان.. انسف الى عشرات القطع المتناثر, ولكن قلي..هل ضحكوا هكذا وهم يلفون علمهم ويأخذونه بعيدا عن عدن الحلوة؟؟!! لا اظن اعرف انهم سيبكون كثيرا يوم نركلهم الى ما وراء البحر..لم اندم ولن اندم فأي شيء اروع من ان تكون شهيدا في سبيل الله والوطن وعدن. الشهيد رمزي كان قائد الكتيبة يجمعنا صباحا، يتحدث عن النظام في صنعاء وعن ما يقول انه ظلم يقع علينا, كان يحاول ان يقنعنا بأننا لسنا شيء واحد نحن شيء وهم شيء اخر شعر القائد بالاحباط الشديد عندما سأله احد الزملاء في بساطة شديدة من "هم" اساسا يا فندم؟؟ كادت ان تفلت مني ضحكة..حاولت ان اجاريه واقنع نفسي بأن اخي ليس اخي بل اني يجب ان احصل على فيزة لاجلس معه واناقشه حول مرض امي!! هززت رأسي وقلت لنفسي نحن شيء واحد ونحن.. نحن ولن نكون شيء اخر..كم كان غيظي عندما انفجرت الحرب اخذت الكتيبة اوامرها للتحرك الى الحدود الشمالية فوجئت بأن علينا تسلم سلاح اوصله جنود يبدو عليهم انهم هنود او باكستانيون اسلحة حديثة وصواريخ،غلى الدم في عروقي لم اتصور ان اشارك في ان تنزل هذه الصواريخ على رؤوس اخواني واصدقائي الذين قيلت معهم قبل مايقل عن شهر.. لم اجد نفسي الا وانا ارمي القنابل باتجاه تلك الشاحنات دمرت الكثير منها واطلق بعضهم الرصاص بجنون علي اخترقت الرصاصات جسدي الا اني كنت راضي وسعيد وانا ارى تلك الاسلحة تنفجر والنار تنتشر فيها، سقطت ارضا وسال دمي على الرمال الحارقة جمعت الرمال حول بركة صغيرة من الدم سالت من جسدي احطتها بالرمال خفت ان تسيل هناك خلف الحدود.. رفعت يدي المرتجفة فتوقف ضرب الرصاص وساد سكون عجيب فصحت بوهن شديد مخاطبا قائد الكتيبة: يافندم، فرد بعصبية وتوجس، ماذا تريد؟؟؟؟؟ فصحت باخر ما بي من قوة وبأبتسامة ساخرة سعيدة جذلة" الكلب وحده، واحنا جماعة!! كلنا، كلنا دون استثناء سالت دمائنا على هذه الارض، روتها دمائنا من شمالها الى جنوبها دون ان تتسائل اي قطرة دم عن الجهة الجغرافية التي يجب ان ترويها، روت ارضا واحدة لتطرح بنا وعنبا. من يريد لهذه الارض ان تطرح قاتا وعلقم فليتأكد انه يسقيها من خارج هذه الارض وان لنا ابناء واحفاد ومثلما اقتلعنا عتاولة الظلم في هذا العالم من بلادنا فأنهم "وما اسهل عليهم" سوف يقتلعون رؤوس الشياطين، وسنلتقي،عما قريب.