بدأت الحرب السادسة تضع أوزارها من بعد منتصف ليلة يوم الجمعة الموافق 12 من فبراير 2010 م بعد أكثر من ستة أشهر من أشرس الحروب بين الدولة والحوثيين وسقط خلالها كثيرمن الضحايا وتشرد الالاف من السكان وتهدمت كثير من البيوت والبنى التحتية وتعطلت ارزاق الناس ومصالحهم ومزارعهم وتسويق منتجاتهم وغيرها من الأضرار المباشرة والغير مباشرة لأي حرب وبغض النظر عن المتسبب في الحرب فقد أكتوى بنيرانها جنودا يمنيين أو حوثيين يمنيين أو مواطنين يمنيين مسالمين وكلهم في المحصلة يمنيين.. السلام مطلب للجميع وأسأل الله ان تكون هذه نهاية للفتنة وللحروب وأن يرحم كل شهدائها وأن يلطف بضحاياها ،وكنا قد تفائلنا خيرا عند نهاية الحرب الخامسة لكنها لم تدم طويلا ولهذا هناك نقاط كثيرة يجب الأنتباه لها وخاصة من جانب الدولة بصفتها المسؤول الأول عن الوطن والمواطن وتتلخص بالتالي: 1- حرب أي دولة على أي مجموعة متمرده أو خارجة عن النظام والقانون يجب أن يتم التعامل معها برؤية واضحة وصحيحة وليست القوة العسكرية والحروب فقط هي ما تستأصل أي جماعة أو أي طرف داخلي الا بدراسة صحيحة للأسباب والبيئة التي جنحت بتلك الجماعات باللجوء الى القوة المسلحة في مواجهة الدولة أو أي اطراف أخرى.. 2- السلام لن يتحقق بمجرد الأعلان عن هدنه أو وقف لإطلاق النار لأن الأطراف المتنازعة ستظل تمسك على الزناد طالما وهناك أسباب وظروف لا زالت موجودة ولم تعالج وتُبحث ويتم وضع الرؤى الجادة والعملية لإنهائها لكي تؤدي فعلا الى نهاية حقيقة للحروب مستقبلا... 3- يجب أن تقوم الدولة بواجبها من خلال تواجدها سواء الأمني أو التنموي ، فلا يتم تهميش أي منطقة أو محافظة الا بزيارتها عند المشاكل أو ظهور مشاكل مستفحلة قد نمت وتغذت وأصبح لها جذور عميقة يصعب أقتلاعها بمجرد أزيز لطائرة أو صوت مدفع... 4- الدولة مسؤولة تماما عن التنمية والتعليم والأمن وهي في صلب أختصاصاتها، وترك الحبل على الغارب للجماعات بفتح المدارس والمعاهد الدينية لإستقطاب الأطفال القصر لتعبئتهم بمناهج وأفكار محدده خارجة عن مناهج التعليم الرسمية، والتي تتبناها الدولة وتم وضعها وفق دراسات علمية تراعي الجانب الأجتماعي والديني والتنموي لأي شعب ، ينتج عن ذلك جيش من الشباب تم نقش عقولهم وفق تلك المدارس والفكر التابع لها، ولهذا يجب ان يتم حماية أطفال اليمن وحتى سن الثامنة عشرة من تلقي أي تعليم غير التعليم الرسمي الحكومي وفتح المعاهد العليا والتخصصات الشريعة وفق مناهج رسمية ، أو يتم الأشراف عليها لتصبح مصادر لتثقيف وتفقيه الأمة وفق إحتياجاتها التي تتوائم مع عقيدتها السمحة المعتدلة المتعايشة وتُفضي الى خلق أجيال متسلحة بفكر متنور وسيط يعكس وسطية وسماحة المجتمع اليمني والمعروف على مر السنين بالتسامح والتعايش والأيمان والحكمة... 5- هناك أرتباط وثيق بين مايجري والوضع السياسي والأقتصادي في اليمن ولهذا فأي رؤية لا تأخذ ولا تؤمن بتلك الأوضاع فلن تجد أي نجاح طويل الأمد بل ستظل الحلول المبتورة مجرد مسكنات ولمدد متفاوته وتعاود الظهور من جديد ولكن بوتيرة أقوى وأكثر تعقيداً... من النقاط المذكورة اعلاه، يجب أن تضع الدولة برنامجا ومشروعا للسلام لا يخص صعده والحوثيين فقط بل كل بؤر التأزم والمشاكل الجارية في اليمن ، لأني أرى أن تلك الأزمات لها مسبببات وأبعاد مشتركة تغذيها وهي الوسط الخصب لنموها ونمو أي ظواهر متطرفه في اليمن... فهناك عدة أبعاد سياسية وإقتصادية وإجتماعية تظل ولا زالت من أهم الأسباب التي تؤدي الى أنفلات الأمور والأوضاع من التعايش السلمي الديمقراطي المتحضر الى ظواهر التخريب والتمرد والأنفلات والخروج على سلطات الدولة وعدم الأحتكام للدستوروالقانون... وايضا التهميش السياسي والأستحواذ على السلطة سواء كان بالقوة أو عبر الصناديق الديمقراطية وخاصة ونحن دولة ديمقراطية ناشئة ولم تتأصل بعد تجربتنا ولمن نصل لتصبح نظام إجتماعي نزيه نمارسه في حياتنا العملية قبل السياسية، فسيفضي للأسف الى الأحتقان والتصادم ثم الأنفجار ، والوضع السياسي في اليمن من أهم أسباب عدم الأستقرار ومغذي رئيس للأحتقان والذي يؤتي ثماره عندما يجتمع مع الفقر والجهل والعصبية ويؤدي لا محالة الى ظهور تلك الظواهر الخارجة عن القانون والتي تلجأ الى العنف ويتم في أحيانا كثيرة تلقفها من الأطراف السياسية الداخلية والخارجية فتعمل على أستثمارها لتحقيق أهداف سياسية داخلية أو خارجية مرتبطة بمصالح الدول ومنازعاتها وتنافسها على مصالحها حول العالم... أما البعد الأقتصادي وهو من أهم الأبعاد المرتبطة بالوضع السياسي وناتج متأثر له، فعدم الأستقرار السياسي يؤدي لا محالة الى تدهور أقتصادي، فبغياب الأستقرار السياسي ينجم عنه إحتقانات وقلاقل وإضطرابات تؤدي الى تعليق جهود وخطط الدولة التنموية وتعمل على طرد الأسستثمارات الموجودة وتصبح مانع رئيسي لدخول أي استثمارات خارجية سواء كانت عربية أو دولية... لهذا فأهم أسباب التطرف والعنف والذي يغذيه الفقر والجهل الناتج عن تهلهل مؤسسات الدولة وعدم الأستقرار السياسي والأقتصادي والذي يسبب معه أزدياد في رقعة الفقر وضعف التعليم وغياب فرص العمل ، وهي مجتمعة بيئة خصبة لنمو التطرف والجماعات التي تنزع للقوة والتخريب والحروب إما للمطالبة بحقوق العيش الكريم أو لتحقيق أهداف سياسة أو فكرية لزعمائها مستغلة الوضع العام الساسي والأقتصادي وما أفرزه من واقع يتمثل بجيش من الفقراء يعشعش الفقر والجهل والحرمان والأستبعاد مناطقهم وأفرادهم فيصبحوا وقودا لمن يقودهم على أمل أن يتحقق بالبندقية ما فشلت الدولة أن تعمله بالخطط والتنمية، وفي كل الأحوال ليس لدى أولئك مايخسرونه وخاصة اذا ما توافر ممول لتلك المليشيات والجماعات وأصبحت هي الأستثمار الجديد أمامهم وإن كان المطلوب دماءهم!!!.. وفي الختام أريد أن الخص انه في سبيل أن يتحقق سلام دائم يجب أن يكون هناك أصلاح شامل سياسي وأقتصادي وأجتماعي وهو سيعود حتما الى أستقرار عام في اليمن يشارك الجميع في تنميته و أزدهاره ،لأنه بإختصار ستختفي حاضنة التطرف بكل أشكالة من فقر وجهل ظلم وتهميش ،وذلك بتوافر العدل والمرتبط بالمساوة بين جميع المواطنين في الحقوق السياسية والأقتصادية والأجتماعية ... نسأل الله ليمننا الغالي بترابه وشعبه الطيب الموصوف بالأيمان والحكمة على لسان أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بأن يجنبه الفتن وبأن ينعم بالأستقرار وان يحقق لمواطنيه العيش الكريم الذي يستحقه أهل الحضارة والتاريخ المجيد...