في ركن قصي من اليمن، لا تطأه أقدام الغرباء، ولا تمر به قوافل الديمقراطية وطوابير دعاة التحرر والتغيير، وليس من صوت يعلو فيه على هدير البحر وأنين البائسين، تلمست (ديا Dia) طريقها، لتمسح بؤس الفقراء، ليس بكيس دقيق، أو قطعة لحم، أو كسوة عيد.. بل بمشاريع تقهر بها الأرض المجدبة، وقسوة الطبيعة، وترسخ فن صناعة الحياة الكريمة... (ديا Dia) مدت أكفها لأبناء المخا وباب المندب كي لا تبقى أكفهم مدودة تتسول الآخرين، وتتوسل المتصدقين... ومن هنا كان حقاً على "نبأ نيوز" أن تسلط الضوء على نشاط هذه المنظمة الفرنسية التي تكافح بهدوء، بغير يافطات، أو بيانات إعلامية، ليس ضد الفقر نفسه وإنما ضد بيئة صناعة الفقر.. وهنا يكمن الرهان بين منظمات تعلم الفقراء ثقافة مدّ الأيادي على أبوابها، وبين أخرى تكافح الاسباب لترسخ ثقافة الكسب الكريم- كما هو الحال مع "ديا"..!
(ديا Dia) استهدفت مديريتي المخا وباب المندب، اللذان يعتبران مديريتان ساحليتان تطلان على البحر الأحمر في الجزء الغربي من مدينة تعز.. غير ان مجتمعات المخا وباب المندب يعيشون حياتهم البسيطة، بعيدا عن ترف المدن الحضرية،، حيث تضم مدينة المخا مناطق متناثرة على اطراف وامتداد الساحل وكذلك الحال في مديرية باب المندب،، وبيوتهم عبارة عن اكواخ من أشجار النخيل، ومن الطين.. وتعد تلك المديريات من المناطق النائية التي لا تتوفر فيها الخدمات الأساسية، ولعل ابرز هذه الخدمات المياه النقية التي لا تتوفر في المجتمع وتعتبر حاجة ملحة يسعى السكان للحصول عليها،، حيث يعاني السكان كثيرا بحثا عن الماء، فالنساء والأطفال مجندون كل صباح ومساء لجلب المياه من مناطق تبعد عدة كيلو مترات عن قراهم حيث يتم نقل الماء عن طريق الحمير وسط معاناة الحر الشديد. (ديا Dia) منظمة إنسانية فرنسية تواجدت في هذه المديريات من اجل التخفيف من معاناة الناس، وتحاول رسم الابتسامة بين أوساط المجتمع، وتعمل على تلبية احتياجات السكان للمياه النقية، وأيصال المياه غبر شبكة متكاملة تصل للمنازل تخفيفا للمعاناة. وكما هو معروف عن المجتمع في مديرية المخا ومديرية باب المندب فان اغلب سكان هذه المناطق ينشطون في في مهنة صيد الأسماك ومهنة الزراعة ومهنة استخراج الملح،، وبالطبع فقد كان للمنظمة ديا ان تلعب دورا هاما في تطوير هذه المهمن وتزيد العاملين فيها بأدوات تحسن من جودة العمل وتوفر الكثير من الجهد والوقت،، ففي مجال مهمنة صيد الاسماك لاحظت ديا بأن الصيادين يعانون من مشاكل عديدة في عملية جمع الأسماك وانزالها والحفاظ عليها في اماكن صحية،، فتم تزويد الصيادين بأحواض" الفيبر جلاس" لجمع الأسماك بدون تلوث ليصبح مردود الدخل اكبر لدى الصيادين،، ايضا ركزت ديا على الجانب المعرفي وتطوير العاملين في قطاع مهنة الصيد فأقامت دورات تدريبية للصيادين في مجال صيانة مكينات قوارب الصيد واكسبتهم مهارات معرفية في الملاحة البحرية استفاد منها عدد كبير من الصيادين... وفي مهنة الزراعة يعمل عدد غير قليل من السكان رغم معاناتهم من الجفاف في اوقات كثيرة،، ولعل اشجار النخيل تأخذ حيزا كبيرا في المساحات الزراعية، الا انه ونظرا للجفاف وشحة المياه أصبحت اشجار النخيل في طريقها للانقراض واليبس نتيجة عدم توفر المياه ونتيجة عدم قدرة الناس على حفر الابار،، ديا ساهمت باعادة الحياة لأشجار النخيل وعالجت المشكلة وساهمت في تحسين زراعة النخيل حيث عملت مع الاهالي بتنفيذ مشاريع صغيرة تمثلت في إعادة تأهيل ابار الري اليدوية التي يملكها المزارعين وتعميقها وتزويدهم بمضخات شفط المياه لرأي الأشجار،، وهذا النشاط جعل المزارعين يتوسعون في زراعة النخيل لتغطي مساحات كبيرة الأمر الذي سيجعل محصول التمور وفيرا مما يؤدي الى تحسين اوضاع المزارعين وزيادة دخلهم من خلال بيع التمور في الأسواق واستخدام أعلاف النخيل في الصناعات اليدوية الخزفية التي تشتهر في مديرة المخا خصوصا. وفي مجال تأمين الغذاء المنزلي، ابتكرت ديا أفكارا جديدة تمثلت في المزارع المنزلية حيث نالت الفكرة إعجاب غالبية السكان في مديرتي المخا وباب المندب وتقوم فكرة المزارع المنزلية على تخصيص مساحة صغيرة بجانب كل منزل يتم فيها زراعة الخضروات ذات النمو السريع والاستهلاك اليومي حيث تعتمد كل مزرعة على نظام ري "بالجرة" التي عالجت مشكلة الجفاف وشحة المياه في تلك المناطق،، إن هذه الفكرة المبتكرة جديدة لدى المجتمع وهي بالطبع مفيدة في تلبية الاحتياجات الغذائية من الخضروات. وفي إطار المهن التي يعمل بها السكان في مديرتي المخا وباب المندب، نتوقف عند مهنة استخراج الملح حيث عملت ديا على معالجة إحدى المشكلات التي تواجه العاملين في هذه المهنة فمن الملاحظ ان جمع الملح من الأحواض بعد جفافها كان يستغرق وقتا طويلا ليتم نقله وتجميعه في مكان مرتفع بعيدا عن أحواض التجميع الأولية، ولحل هذه المشكلة قامت ديا بتزويد العاملين في هذه المهنة برافعات يدية مبتكرة تم تصميمها بهدف رفع الملح مباشرة من أحواض الملح الى منطقة التجميع هذه الفكرة من المؤكد بأنها توفر الجهد والوقت وتزيد من عملية الإنتاج. من المؤكد أن المجتمع في مديرتي المخا وباب المندب يعيش في مناطق نائية يتفشى فيها الجهل والأمية بنسبة كبيرة.. وبالطبع فان المجتمع يعاني من مشكلات انعدام الوعي المعرفي والتوعوي بشكل كبير وخاصة النساء، حيث هناك انعدام معرفي بأهمية الرضاعة الطبيعية وأهمية التطيعم للاطفال والنساء بالإضافة الى غياب الوعي بأهمية النظافة الشخصية ونظافة البئية المحيطة... هذه المشكلات عالجتها ديا بتنفيذ حملات توعية مكثفة من خلال فريق ميداني عمل تم تدريبه بالتعاون مع جمعية الزهراء بالمخا حيث عمل الفريق على نشر الوعي المعرفي بين أوساط السكان.
وبهدف تحسين انتاج الثروة الحيوانية قامت منظمة ديا الفرنسية بالتنسيق مع مكتب الرزراعة والرأي بمديرية المخا بتنفيذ حملة توعية وتطعيم للحيوانات بمختلف اشكالها التي يمتلكها الأهالي وايضا عملية رش بالمبيدات لحضائر الحيوانات بهدف مكافحة الأمراض التي تصيب الحيوانات،، والهدف هو زيادة انتاج الثروة الحيوانية وزيادة الحصول على دخل للاسر الفقيرةة من خلال بيع مشتقات الحيوانات مثل الألبان والاجبان وأيضا المردود من بيع الحيوانات. جدير بالذكر بأن كل تلك الأنشطة تأتي في إطار مشروع الأمن الغذائي لمجتمعات الصيادين والمجتمعات الأخرى في مديرتي المخا وباب المندب الذي تفذه منظمة ديا بتمويل من الاتحاد الأوروبي..