حقيقة مؤكدة، كل سياسة لا تتمثل على أرض الواقع فهي ثرثرة، وكل حزب دون إنجاز فهو أكذوبة، وكل ديمقراطية بغير ممارسات حيّة هي مجرد شعارات للمزايدة. ما تشهده اليمن هذه الأيام من حراك رسمي وشعبي ودولي أمر ما أظن أن اليمن عرفته من قبل هذا التاريخ، فهذا الوطن المترامي الأطراف تحوّل إلى خلية نحل؛ كل عضو فيها يتحرك بواجب مختلف.. وكل منهم يعلن عن إنجاز جديد. فاليوم باتت المؤسسات الحكومية تتسابق في الإنتاج وإصلاح ذات الشأن والاستثمار في مجال اختصاصها كما لو أن هناك من أفاق لتوّه ويسعى لتعويض الزمن الذي فاته. لكن ما يشدنا حقاً في المشهد اليمني اليومي هو ذلك الكرنفال الديمقراطي المهيب الذي يحرّك كل خلية في الحياة الإنسانية، فمنتدى «الشقائق» يبدأ اليوم جولته النسوية حول مشاركة المرأة في الانتخابات المحلية، فيما «شوذب» دشنت أمس مهرجان الطفولة بحملة حول حقوق الطفل، وتوعيته صحياً، وعرض أزياء شعبية عربية. وفي عدن لم يعد بوسع أحدنا إحصاء الفعاليات والأنشطة المدنية المنهمرة كالمطر حول حقوق المرأة والطفل والسجينات، وتدريب حقوقي لأفراد الشرطة، وتدريب مهني لعمال الميناء، وجدل ونقاش حول الانتخابات الرئاسية، وغير ذلك مما استهلته جامعة عدن أمس من مهرجان ثقافي. ومنتدى الاثنين في صنعاء سيناقش «الوحدة اليمنية» اليوم برفقة الدكتور/أحمد الأصبحي، ومنتدى حضرموت سيتداول نزاهة الانتخابات، وتعز تستعد لمناقشة دور منظمات المجتمع المدني بعد أن تداولها منتدى «الجمهورية» ضمن أنشطته الأسبوعية، فيما انتهت صعدة لتوّها من تدريب حول التعامل مع السجينات اشتركت فيه نساء وأفراد شرطة وجهات رسمية مختلفة، أما نقابة الصحافيين فهي مازالت تبحث عن نقيب بين المرشحين. حراك كبير يصعب سرد أنشطته في مقال صغير؛ لكنه يطرز اللوحة الديمقراطية اليمنية بعشرات الصحف التي يخوض كل منها بالشأن الذي يعنيه، وبالأسلوب الذي يخدم توجهاته ليرصد الجميع جانباً آخر من الكرنفال الديمقراطي اليمني، وهو ما يترجم نفسه ببيانات استنكار أو مطالبة وشكاوى، وفعاليات اعتصام، ومسيرات سلمية، ومنتديات مقايل، وتصريحات سياسية انفعالية، وأخرى رصينة، وإعلان مواقف، وعقد مؤتمرات صحافية بالتزامن مع تداعي أخبار عن مؤسسات دولية ومنظمات عالمية تقيم أنشطتها هنا أو هناك من أرض الوطن اليمني، وتترجم ما شاءت من الآراء. وفي جانب ما سنجد من يتحدث عن توعية انتخابية، وآخرين عن رقابة على الانتخابات، فيما اللجنة العليا للانتخابات تنهمك بكثير من الهموم بين راضٍ وآخر ساخط، وبين تقارير وشكاوى وبيانات لا تتوقف استعداداً لخوض انتخابات رئاسية وأخرى محلية في سبتمبر المقبل. هذا هو كرنفال الديمقراطية اليمنية يشق طريقه إلى الغد بكل التفاعلات والملابسات والمواقف.. ولأنه كرنفال حقيقي فإنه يضم بين جوانحه مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وكذلك مختلف الانفعالات الوجدانية. ولأن ما يحدث اليوم هو ديمقراطية حقة في طور التنامي، فإن يوميات الوطن تضم الكثير من التبانيات ووجهات النظر المختلفة والمتوافقة في آنٍ واحد وتارة تتصاعد الأمور وتتأزم، وتارة أخرى تنفرج وتخلد إلى هدوء طويل. يمكن الآن أن نقول إن الحياة اليمنية لم تعد رقعة شطرنجية تحرك قطعها الدولة، بل إنها أصبحت عالماً مفتوحاً تحركه أحزاب ومنظمات غير حكومية ونقابات وجمعيات ومؤسسات ثقافية وفكرية وحقوقية ومجلس نواب ومجلس شورى، وبروتوكولات دولية، ورأي ورأي آخر، ونقد بناء، وصحافة حرة.. وأشياء أخرى كثيرة هي التي تحرّك الحياة وهي التي تحكم نفسها بنفسها، وما الدولة إلا مؤسسة تنظم هذه العلاقات وتحمي ممارساتها، وتدفع بها إلى الأمام وتمثلها في المحافل الدولية. أعتقد أن هذا الكرنفال الديمقراطي اليمني الرائع يستحق اليوم الاحتفاء بالذكرى السادسة عشرة لإعادة تحقيق الوحدة بطريقة فريدة وفاخرة وعظيمة؛ لأنه كرنفال مهيب كان إحدى ثمار الوحدة اليمنية، وأحد أسباب رسوخها وانتصارها بوجه كل التحديات التي واجهتها.