مازالت عوامل التعرية تكشف لنا كل يوم عن جديد يحدث وعن فساد يقع تحت بصر الجميع وسمعة، دون أن يحرك أحدا ساكنا ودون أن ينبس أحدا ببنت شفة، إلا من قلة ممن رحم ربي انه منتهى الخنوع والاستسلام. ولكن قبل الحديث عن ما جرى لابد من التنويه والاعتذار للأخوة الكرام الناشرين والقراء على حدا سواء، وذلك لتأخري في طرح الأجزاء 2،3،4 من عوامل التعرية لأسباب شخصية بحتة وظروف تحتم علي التريث قليلا قبل النشر، ولكني اعد الجميع بإنزالها تباعا في القريب العاجل. أما عوامل التعرية لموضوعنا اليوم فقد فرضت نفسها فرضا بسبب إنشاء ما يسمى صندوق التكافل الاجتماعي والاقتصادي لموظفي الاتصالات والذي مرت عليه رياح التعرية فكشفت لنا عن معادن البعض وأخلاقهم، حيث باعوا أنفسهم للشيطان بابخس ثمن حتى وان لبسوا البدلات بربطات عنق أو بدون، فقد عرفناهم ألان إنهم مجرد فقاعات وأصوات نشاز تحرض الناس على فعل وتفعل غيرة، وعندما يحصحص الحق تدفن رأسها في التراب في ذل مفجع، وتغير لونها كالحرباء في غمضة عين لا تخزى ولا تخجل إنهم أنصاف الرجال. ومما يحسب لعوامل التعرية أنها أماطت اللثام لنا عن طريقة إنشاء هذا الصندوق حيث تم تفصيله على المقاسات بالضبط، فأصحاب الفكرة هم من وضع الدراسة والتصور للمشروع، وهم أنفسهم أعضاء اللجنة التحضيرية وهم أنفسهم أيضا أعضاء الهيئة الإدارية، والباقين مجرد كومبارس لا لهم ولا عليهم فقط لزوم المشهد، حتى أن أكثر من 90% ممن حضر انتخاب الهيئة الإدارية من السادة مدراء العموم لم يطلعوا على النظام الأساسي بل لم يعرفوا لما حضروا إلا داخل القاعة، حيث تم رصهم وأخذ بصماتهم وموافقتهم بعد أن أبقوهم في كراسيهم من الصباح حتى الساعة الواحدة ظهرا وهم في منتهى الأدب، أما صراخهم واعتراضهم على عملية الكلفتة فقد ذهبت أدراج الرياح مع عوامل التعرية، التي بينت لنا كيف تم تمرير عملية انتخاب لصندوق بهذا الحجم لا يقدر على تمريرها إلا أساطية متخصصين من الطراز الأول. فخلال دقائق معدودة اتفق الجميع على قاعدة: اليوم لكم مشروعكم وغدا لنا مشروع، ولم يبق من اعتراضهم إلا صدى أصواتهم في أذاننا. إنها المصالح الشخصية والشاطر من فصل له مشروع على مقاسه، اليوم صندوق التكافل، وغدا النادي الصحي للمساج والسونا، وبعد غد مشروع بناء مساكن في القمر لجميع العاملين المثبتين والمتعاقدين، وكلها تخصم من الراتب بالغصب ولا بالرضا. وعلى هذا الأساس تم تأسيس هذا الصندوق، في خطوة مفاجئة ومخالفة لكل الأعراف والتقاليد، من بعض مدراء العموم وبعض أعضاء النقابة المدجنيين الذي تم الاجتماع بهم مرارا وتكرارا لتلقينهم ما يقولون وما يعملون باعتبارهم الممثل الشرعي الوحيد لموظفي الاتصالات، رغم وجود بيان نقابي معمد بختم النقابة يبدي اعتراضه على عملية الانتخاب بالشكل الذي تمت به، فمن يمثل من أفيدونا يا نقابة (شاهد ما شفش حاجة). ومما يؤخذ على هذا الصندوق السحري أن إدارته أصبحت ألان بيد من تخصصوا في سلب حقوق الموظفين وهم أحياء يرزقون، وألان يريدون سلبهم حقوقهم أحياء وأموات، فموارده والتي تتجاوز المليار والنص ريال تقريبا تورد مركزيا من مستحقات الموظفين بدون علمهم أو موافقتهم وبدون استشارتهم أو اخذ رأيهم، حيث يتم خصم 1% من صافي رواتب جميع الموظفين، وتساهم المؤسسة بنسبة 1% من إجمالي صافي المرتبات وكذلك خصم نسبة 2% من بند مكافئات جميع العاملين وكذلك اخذ نسبة 3% من الأرباح والمخصصة للأنشطة المختلفة (راتب الأرباح الثاني) إضافة إلى ما يخصم على الموظفين من أقساط كجزاءات، وكذلك رسوم اشتراك، وقيمة بطاقات الانتساب، وغيرها من الموارد والهبات والتبرعات. ومن أراد معرفة إجمالي هذه المبالغ فما عليه إلا حساب هذه النسب وقسمتها على أكثر من 7000 موظف، أما مصارفها فمنها للأحياء ومنها للأموات، والباقي يتم استثماره، كما يتم الاستثمار في الإنشاءات وماحد أحسن من حد، وما تبقى يصرف رواتب وحوافز وبدل جلسات واجتماعات وبدل سفر داخلي وخارجي للهيئة الإدارية وما نقص يصرف من أرباح الاستثمار. وهكذا نجد أن هناك من يصطاط في البر والبحر في الماء العذب والماء المالح، رغم أنها أفكار ومشاريع معروفة مصائرها ونتائجها، ولكن أعمتهم مصالحهم الضيقة وظنوا أن لن يراهم احد فكشفوا عن طباعهم قبل أن تكشفهم عوامل التعرية. للإطلاع على الجزء الأول: الاتصالات وعوامل التعرية... (1)