هل نظلم الفئة الحاكمة إن قلنا أن الفساد فيها بلغ مبلغا لا يمكن تقبله أو السكوت عليه بحال من الأحوال، فلم تعد المسألة مسألة رشوى ومحسوبية ووساطات وأكل أموال الناس بالباطل وإهدار للمال العام بشراء الفلل والقصور الفارهة بل تعدى إلى حد الاعتداء على الناس وتدمير مصادر أرزاقهم والتجويع المتعمد لهم عن طريق إتلاف أسباب أرزاقهم. وإذا كان الشعب التونسي قد قام ولم يقعد بسبب قيام السلطات بمصادرة عربة أحدهم وتحريق صاحبها نفسه، فإن ما يحدث في اليمن قد تعدى ذلك بإضعاف كثيرة فكل يوم تصادر عشرات العربات لأناس لا قوت لهم سواها وأفواه جائعة تنتظر ما يجود به عائلها من بيع تلك البضائع المتهالكة.. كما أن هناك الكثير من المظلومين يموتون يومياً بسبب السكتة القلبية لهول الظلم والقهر الذي يتعرضون له من هذا المسؤول أو ذاك، بل يقوم بعضهم ليس بإحراق نفسه فقط، بل كل من يعولهم كذلك حتى يحفظ لهم كرامتهم من ذل الجوع والحرمان فحال أولئك المسؤولين هو كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم في قطة المرأة التي حبست حتى ماتت فقال مؤنباً ساخطاً على فعل تلك المرأة المشين تجاهها "لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض"، ونحن هنا بصدد ترديد نفس المقولة له صلى الله عليه وسلم ولكن ليس فيما يخص الحيوان بل فيما يخص إنسان قد بنى حضارات لم يشهد لها التاريخ مثيل فعجباً كيف يلعب ويعبث به اليوم بطرق وحشية لا إنسانية، فلا حكامنا اطعموا أولئك الباعة المتجولين ولا تركوهم يطلبون أرزاقهم ويأكلون من خشاش الأرض. أن هذه المعاناة كلها لشعب كان مضرب المثل في الحضارة والكرامة لهو مدعى للاستغراب من خنوعه اليوم وسكوته على هذا الوضع المهين ، بل والأغرب منه تسيييس قضاياه ومعاناته من بعض الأطراف لمصالح شخصية وحزبية. لذا لا اخرج عن الحقيقة إن قلت أن الأمر يحتاج إلى انتفاضة شعبية عارمة وصامدة ولكن بشكل راقي وسلمي، كما حصل في مصر بعيدا عن الخلافات القبلية ومصالح القبائل التي غالبا ما ترتبط بمصالح شيوخها وشخصياتها العامة، وبعيدا عن التوجهات الحزبية التي تدعم أولا وأخيرا مصالح قياداتها أكثر مما تدعم مصالح أفرادها وشعوبها، وبعيدا عن دعوى الفرقة والتشتت والمطالبة بالمستحيل. فمتى يصبح الشعب لحمة واحدة ضد الظلم والفساد حتى يرعب من يريدون تجويعه وإذلاله!! ولكل فاسد في اليمن نقول كفاكم ظلما لمارد يوشك أن يخرج من قمقمه ويقتلعكم إقتلاعاً، ورفقا بالناس لان إرادة الشعوب براكين لو كنتم تعون الدرس الذي حصل في تونس ومصر فمتى تفهمون؟