وصلت المرأة العربية إلى مستويات متقدمة من التحصيل العلمي والتدريب في جميع المجالات إلا أنه بالنظر إلى مجالات العمل المختلفة نجد أن النساء اللاتي وصلن إلى مناصب قيادية أو إدارية مرموقة مازال قليلاً مقارنةً بعدد الرجال في تلك المناصب, ويعزو البعض أسباب هذه الظاهرة إلى عوامل بيولوجية أو اجتماعية أو لأن المرأة تحجم عن تولي تلك المناصب لما يترتب عليها من مسؤوليات قد تؤثر على حياتها الأسرية, وهذه المشكلة لا تخص مجتمعاتنا الشرقية فقط بل إن المجتمعات الغربية تعاني المشكلة نفسها، الفرق أن الاهتمام في تلك البلدان بدأ مبكراً وشكلت لجان ومنظمات لإيجاد الحلول المناسبة ودفع أصحاب القرار في تلك المجتمعات للبحث عن قوانين تساعد المرأة على الوصول إلى المناصب العليا, ويطلق على هذا المفهوم عادة اسم "الأسقف الزجاجية, glass ceiling" ما مفهوم الأسقف الزجاجية؟ يطلق مصطلح الأسقف الزجاجية على احتكار المناصب الإدارية المرموقة على فئة معينة من الناس وقفاً لتمييز إما بحسب الجنس أو اللون أو غير ذلك, وسميت "أسقف" لأن الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الفئة المسيطرة وضعت لهم حدود واضحة لمدى التقدم المسموح لهم بالوصول إليه ضمن رتب المنشأة ووصف السقف بالزجاجي لأنه سقف شفاف ربما لا يلاحظ وجوده ولأن صفة المحدودية فيه لا تكتشف من أول وهلة, وتختلف الأسقف الزجاجية عن العوائق المنطقية التي تحد من الوصول إلى المراكز المرموقة مثل مستوى التعليم والخبرة العملية, وتظهر الأسقف الزجاجية عادة في حال وجود مقومات للتفرقة والتمييز بين الموظفين. وكان من أوائل من استخدموا هذا المصطلح هما كارول هيموتز و تيموثي سكلهردت عام 1986في دورية وال ستريت، وسبقهما جاي بريانت في مقال في مجلة أد ويك عام 1984 وفقاً لموسوعة ويكبيديا. سبب وجود الأسقف الزجاجية تمتد نشأة مفهوم "الأسقف الزجاجية " إلى ما يقارب 20عاماً ورغم مرور هذه المدة الطويلة إلا أنه لم يطرأ أي تحسن يذكر سواء في عدد السيدات اللاتي تولين مناصب قيادية أو في التفاوت في الأجور بين المرأة والرجل, والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في مثل هذه الحالة هو: هل استطاعت المرأة فعلاً أن تحطم هذا السقف الزجاجي وما سبب وجوده حتى الآن؟ حقائق وأرقام إذا نظرنا إلى المشاركة السياسية فسنجد أن نسبة المشاركة النسائية منخفضة حيث بلغت نسبة المقاعد التي تحتلها المرأة العربية في البرلمانات الوطنية 5.8 في المائة، وتعد هذه النسبة اقل من نسب مشاركة المرأة في آسيا حيث بلغت 14.5 في المائة وفي إفريقيا 15.1 في المائة والمحيط الهادي 10.9 في المائة، أما بالنسبة للتمثيل البرلماني تصدرت سورية بنسبة بلغت 12 في المائة تليها تونس 11.5 في المائة، فيما سجل أدنى مستوى في موريتانيا حيث بلغ 1.7 في المائة، وتليها اليمن بنسبة بلغت 0.3 في المائة وذلك وفقاً لدراسة نشرتها لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا). والحال ليس أفضل في الدول الأوربية فوفقا لموسوعة ويكيبيديا فإن عدد السيدات اللاتي حصلن على مقاعد في الدوائر الوطنية المنتخبة بحسب إحصائية أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2004 كانت كالتالي السويد حصلت المرأة على ما معدلة 45.3 في المائة من المقاعد تليها الدنمرك حيث وصلت النسبة إلى 37.0 ومن ثم فلندا بنسبة 37.5، وفي المرتبة الرابعة النرويج بنسبة 36.4 في المائة ثم سويسرا بنسبة 35.0، فألمانيا بنسبة 32.8 وتليها أيسلندا بنسبة 30.2 ومن ثم نيوزيلندا بنسبة 28.3 في المائة تليها استراليا بنسبة 27.5 في المائة ثم كندا بنسبة 21.1 في المائة ثم الصين بنسبة 20.2فبريطاينا بنسبة 17.8 في المائة ثم الولاياتالمتحدة بنسبة 15.0وفي المرتبة الأخيرة اليابان بنسبة 7.1 في المائة. وبالنظر إلى الفارق في الأجور سنأخذ على سبيل المثال وضع المرأة الأمريكية فخلال عام 1979 كانت المرأة تحصل على 62.5 سنت مقابل كل دولار يجنيه الرجل, وفي عام 1993 كانت تحصل على 77.1 سنت لكل دولار رغم أن الفارق أخذ يتضاءل على مر السنين إلا أن التحسن يعتبر طفيفاً إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن المرأة بدأت تحصل على مؤهلات دراسية أعلى من الرجل, حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد السيدات المسجلات في الجامعات ارتفع من 45.5 في المائة إلى 55 في المائة بين عامي 1975 و1991, كما أنها حصلت على أكثر من نصف شهادات الماجستير, رغم ذلك فهي مازالت تحتل 46.5 في المائة فقط من الوظائف وأقل من 8 في المائة من مناصب المديرين. وتدني النسب في هذه الإحصائيات يقدم لنا دليلا واضحاً على حقيقة وجود الأسقف الزجاجية. أسباب ظهور مفهوم الأسقف الزجاجية أوضحت الدكتورة نادرة عموري أستاذة علم الاجتماع في جامعة القدس في الرياض أن أسباب عدم وصول المرأة إلى المناصب القيادية أو ما يشار إليه بالأسقف الزجاجية يعود إلى عدة عوامل منها ما هو بيولوجي واجتماعي وثقافي, فالمرأة بطبيعتها تكرس جزءا كبيرا من حياتها لرعاية شؤون العائلة حتى لو كان ذلك على حساب عملها, أما الرجل فيعتمد على المرأة لإدارة شؤون الأسرة ويكون متفرغا تماماً لمتطلبات العمل, إضافة إلى أن الرجل يحصل على خبرات أكثر من المرأة بحكم احتكاكه المباشر بالمجتمع مما يكسبه ثقة وخبرة أكثر في مجال عمله في وقت مبكر, أما السبب الثالث بحسب رأي الدكتورة فهو الخلفية الثقافية للمجتمع وبحكم خلفياتنا الثقافية نجد أن الثقة في الرجل أكثر من المرأة وهذا ما يجعل الرجل يستحوذ على معظم المناصب القيادية المرموقة. وبعد البحث في عدد من المقالات والمقابلات التي كتبت حول الأسقف الزجاجية وجدنا أن هنالك عدة أسباب نذكر منها: الاعتقادات المسبقة للأسف الشديد أن معظم الرجال الذين يحتلون مناصب إدارية عليا مازالوا يترددون في ترقية النساء بسبب الخوف من نزعتها العاطفية أو بسبب الفكرة السائدة عن أن المرأة تميل إلى طلب إجازات بشكل كبير للعناية بعائلتها. الرغبة في المرونة والاستقلال بينت الدكتورة نادرة أن الظروف الأسرية للمرأة تجبرها في مراحل حياتها المختلفة على بذل التضحيات حتى لو كان ذلك على حساب عملها, كما أشارت إلى أن المرأة تفضل مجالات العمل التي تتيح ساعات عمل مرنة لتتمكن من التوفيق بين رعاية الأسرة والعمل. افتقاد القدوة وذلك لأن معظم المناصب القيادية يحتلها الرجال ولا يتبقى للنساء سوى القليل من الأمثلة ليتعلمن منها, وفي بعض الأحيان تلجأ النساء إلى اقتباس بعض التصرفات الذكورية لكي ترتقي في سلم الوظائف، ولهذا السبب نجد النساء يشتكين دائماً من حصول زملائهن في العمل على الترقيات بشكل أسرع, فالمرأة تحتاج إلى قدوة لكي تتعلم منها. الظروف الأسرية بما أن المرأة تشكل معظم العاملين على رعاية الأطفال وكبار السن تضطر عادة إلى التخلي عن وظيفتها للعناية بأفراد الأسرة, وفترة التوقف عن العمل هذه تجعل من الصعب عليها دخول مجال العمل مرة أخرى وإذا ما رغبت في ذلك يتعين عليها زيادة محصلتها التعليمية والتدريبية لتواكب التطور الحاصل في مجال العمل أو أن تبدأ بالبحث عن مجال عمل جديد, مما يفوت عليها الكثير من فرص التقدم والترقية في العمل، فبينما تكون هي عالقة في وظيفة بسيطة تجد الرجل الذي يملك مؤهلاتها نفسها قد تقدم عليها بشكل كبير.