نبا نيوز - بقلم: لؤي يحيى عبد الرحمن الإرياني - كانت ولادته حدث اعتيادي, وموت أمه أثناء الولادة حدث اعتيادي, وإعاقة أبيه بفقده قدميه اثر انفجار لغم أيضا حدث اعتيادي, ولكنه لم يكن اعتياديا أبدا.. فقد ولد وفي قلبه الكثير من الغضب و الحقد والنقمة على يتمه وفقره ومرضه، إذ كان مصابا بالربو - وان لم يعق هذا المرض وهذه الظروف طموحه الذي كان يعربد في صدره مولدا حقدا أعمى على كل شيء وكل شخص أفضل منه. كان يقسم لنفسه انه سيفعل أي شيء مقابل إن يجعلها هي الأفضل.. ضحّى بضميره وأخلاقه على مذبح طموحه واقسم مرة اخرى على ان لا يعيقه شيء ليصبح سيد الجميع, كان إحساسه باحتقار الآخرين له بسبب دناءته يزيد من كرهه لكل من حوله حتى انه تمنى رؤية اليوم الذي ينتقم فيه من كل أبناء قريته. في احد الأيام مرض مرضا شديدا وازدادت عليه هجمات الربو حتى شارف على الموت، فأشفق عليه احد أصدقاء أبيه، وتحدث بشأنه الى كبير القرية الذي يقيم في العاصمة علّه يأخذه إلى العاصمة ويدخله للعلاج في المستشفى.. وبالفعل أخذه كبير القرية إلى العاصمة وعالجه على حسابه وبدأ يتماثل للشفاء, وبقدر سعادته انه في العاصمة (وان كان مستشفى في العاصمة) بقدر حزنه بأنه سيغادرها حال شفاءه , فقد كانت العاصمة بالنسبة له عالم آخر، والسكن فيها تجسيدا لمعنى التميز والنجاح. عندما تماثل للشفاء وأوشك إن يغادر المستشفى جاء كبير القرية ليزوره. وكان معه آخرون من قريته يتلقون العلاج على حساب كبير القرية, وعندما رآه ركع عند قدميه يقبلهما باكيا ويستحلفه بكل غالٍ إن يبقيه في العاصمة ويستخدمه عنده بأي وظيفة.. خادم أو سائق، أو أي شيء.. المهم إن يستبقه عنده. تأثر كبير القرية ونظر إليه بإشفاق وفكر في إن يكسب به ثواب، فرد عليه بما لم يكن يتوقعه أبدا موافقا على توظيفه عنده ليس سائقا ولا خادما بل بوظيفة لم يكن حتى يحلم بها- وظيفة جعلته يؤمن انه أصبح في بداية طريقه للنجاح المبهر وأصبح في طريقه للانتقام من كل من أذله في قريته فقد عينه كبير القرية.."مرافق". عندما ذهب إلى بيت كبير القرية أصيب بخيبة أمل قليلا ، إذ عرف أن وظيفته هي مرافق لأحد أبناء كبير القرية ولكنه مع الوقت اكتشف ان وظيفته جيده جدا. فهذا الابن المدلل مكتنز بالنقود و يبعثرها يمينا وشمالا وهو يصيبه منها الكثير أثناء تبعثرها، كما إن هذا الابن وعلى صغر سنه يستطيع إن يهز العالم هزا بنفس الطريقة التي يهز بها الشوارع بحركاته المستهترة بسيارته. بدأ صاحبنا يحس بالأهمية كما بدأت حالته تتحسن فأستطاع أخيرا أن يحقق حلما كبيرا بشراء أكثر من ثوب وأصبح يأكل الطعام (ولعجبه الشديد) بشكل يومي بل ويشبع أيضا، وفوق كل هذا فقد كان يخزن القات يوميا وكل ما عليه إن يجلس بجانب ابن كبير القرية عندما يخرج ويحميه إن تعرض لأي خطر.. ولكن من الذي يجرؤ على ان يتسبب لابن كبير القرية بأي خطر أو حتى بأي ضيق. أدرك أيضا إن عليه إن يكتسب ثقة ابن كبير القرية وان من مصلحته ان يكون دائما مرتاحا ومرفها وان عليه إن يحقق له أي رغبة حتى وان كانت مشينة.. كان يبدي احترامه لهذا المراهق المستهتر بالنزول من السيارة وضرب أي شخص يضايق سيده أو حتى يسبق سيارته أو حتى لمجرد إن شكله لا يعجب سيده وان أحس إن قوته لن تسعفه في إذلال الشخص الذي يضايق سيده يلجأ فورا لسلاحه ليطلق منه النار لإرهاب الناس. اضطر أيضا أن يوفر لسيده الصغير ملذاته فكان يتكفل بالذهاب لشراء الخمور وكان كلما انحدر ولبى الرغبات الحقيرة كلما ارتفع شأنه لدى سيده, وانحدر أكثر فتكفل بتوفير بنات الهوى.. وفي مرة لم يستطع إن يجد له واحدة منهن فقام باختطاف فتاة بريئة كانت تسير في الشارع وقدمها لسيده فأرتفع شأنه أكثر وأكثر وأصبح يحظى لدى سيده بلقب مهم.. لقب "السمخ" , وكان يشارك سيده في مغامراته المستهترة و في المعارك المفتعلة والتهجم على الناس لمجرد البلطجة وقد فهم قاعدة مهمة جدا فمهما ازداد هو وسيده في غيهم فالحل سهل جدا ما عليهم سوى إن يأتوا بثور ويذبحوه تعبيرا عن الاعتذار فتنتهي كل مشاكلهم. فان تهجموا على أحد أو ضربوا شخصا بريئا أو ضايقوا النساء.. فالحل سهل هات ثور واذبحه تعبيرا عن الاعتذار.. لقد شعر فعلا بامتنان كبير لهذا الحيوان المسكين الذي يمتلك العصا السحرية لحل جميع مشاكل عربدته هو وسيده. بدأ سيده يكبر ويصبح مهما أكثر وازدادت أهميته هو أيضا, اتصلوا به من القرية على تلفونه المحمول وهو على سيارته ينتظر تسليمه زجاجة خمر ليحتسيها سيده وابلغوه بأن أبوه توفي ولكنه لم يجد في نفسه إلا الاشمئزاز من تذكر الأب المعوق الفقير، ولم يجد الوقت للذهاب للدفن والعزاء لأنه كان مشغولا في اليوم التالي بمعركة توعد بها سيده بعض من كانوا يضايقوه, وان استطاع إن يذهب بعدها للقرية لا ليزور قبر أبيه بل ليُري جميع من في القرية انه أصبح شيء مهم وأصبح قادرا على فعل ما يريده وأصبح محترما من أبناء قريته.. فلقد أصبح مرافق! طلبوا منه إن يكلم كبير القرية أو ابنه بأن يبني لهم مركزاً طبياً أو مدرسة صغيرة أو .. أو فما أكثر احتياجات القرية، فما كان به إلا إن نهرهم وصاح بهم بأن كبير القرية وابنه اكبر من هذا الكلام وبأنهم ( أي أبناء القرية) مجرد شحاذين ولصوص يريدون ان ينهبوا أموال كبير القرية, لقد كان يحس انه كلما زادت أهمية كبير القرية وابنه زادت أهميته. زادت عربدته وصولاته وجولاته في الشوارع كان يفعل ما يريد هو وسيده ولا يوجد من يردعه فذراعه وسلاحه موجودين فليتبلطج كيفما يريد ويهين من يريد ويذل من يريد, وعرف بين الناس بدناءته فهو لا يستحي من شيء يرمي بكل رذالته على عباد الله دون ان يخشى شيء فليس هناك من يرد عليه و إن وجد من يستطيع الاعتراض بحكم مكانته.. لا مشكلة فلنذبح ثورا ويصبح الجميع سعداء ( عدا الثور), وكم من الثيران ذبحت لتغطية أخطاء ارتكبها بأمر سيده .. ابتسمت الدنيا له بل وضحكت وقهقهت فلم يحلم يوما بهذه الرفاهية والسلطة والقوة, ذلك الفتى المريض أصبح مرافق.. ذلك الفتى المحتقر أصبح مرافق.. ذلك الفتى الفقير أصبح مرافق, وأصبح قادرا على فعل ما يشاء المهم سعادته وسعادة كبير القرية وابنه العظيم وليذهب الجميع إلى الجحيم ولتذبح كل الثيران على الأرض. ذهب في احد الأيام مع ابن كبير القرية مقررين الاشتباك مع بعض المشاغبين الاخرين من الشباب وكان هذا القتال مهما جدا بالنسبة له فقد وعده سيده بأنه سيزوجه إن هو قاتل بشراسة وأذل أعداءه فتقدم واشتبك معهم بكل شراسة - كما تعود دائما أن تزداد شراسته كلما ازدادت شهوته للمكافأة والملذات التي يحصل عليها جراء شراسته. وفي ذروة المعركة أحس بدفء غريب في صدره ثم ما لبث إن أدرك انه سائل دافئ على صدره, أحس فجأة بأن الأصوات وكل الضوضاء اختفت ورفع رأسه ليجد ان جميع من كان يتشاجر معهم كانوا يصعدوا لسيارتهم ويلوذون بالفرار في فزع, وضع يده على صدره ليعرف كنه هذا السائل وهو يلفت باتجاه سيارة سيده فوجده هو الآخر يلوذ بالفرار بسيارته، وهو ينظر إليه ويلعنه ويلعن الورطة التي ورطه فيها! لم يفهم عن أي ورطة يتحدث.. أحس بأقدامه كأنها تحولت إلى شيء رخو أو إلى سائل اخرج يده من صدره جاثيا على ركبتيه بعد إن أحس إن ساقيه لم يعد لهما وجود أصلا.. تطلع إلى يده فوجدها مضرجة بالدماء, وحالما رأى الدماء تفجر الألم المريع في صدره والمرارة في حلقة وفهم ما جرى.. لقد أصيب بطلق ناري في صدره ..هوى على الأرض وهو يحس بغيظ الدنيا كله ليس لأنه يموت، بل لان حلمه وطموحه يموت لن يعيش أكثر ليتذوق طعم القوة والمال أكثر .. فهم وهو يلفظ آخر أنفاسه عن أي ورطة كان يتحدث سيده.. إنها ورطة موته.. لكنه ابتسم في أسى وهو يسلم الروح وتذكر أنها ورطة محلولة، متخيلا منظرا بائسا لثور تعيس يذبح هناك في قريته أمام من تبقى من أقاربه الذين يذرفون الدمع عليه وهم يعدون مبلغ الدية.. مات صاحبنا.. مات المرافق ..و لكن مازال هناك ألف ألف مرافق.