- بقلم: ياسر العبادي- المركز الاوربي العربي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات - من الواضح أن المعارك الأخيرة بين فصائل المعارضة السورية وأمتدادها لجنوب العراق عبر داعش بصورة مفاجئة جدا، وتبدل الموقف التركي تجاه سوريا وسعيها لفتح قنوات تواصل مع إيران ناهيك عن مقابلات تجريها قطر مع حزب الله في لبنان، وتنامي نشاط الجماعات المتطرفة في سوريا ومحيطها، جميعها امور مترابطة تدعونا لفك حلقاتها الواحدة تلو الأخرى لمعرفة حقيقتها واسباب حدوثها وأبعادها. فلو عدنا لمطلع الشهر الأخير من العام المنصرم 2013م وتابعنا المراحل المتسارعة التي سبقت عجلة الصراعات الميدانية بين الفصائل السورية لكشفنا خيوط اللعبة! فالمملكة العربية السعودية بقيت حتىالشهر الأخير من عام 2013م في الجهه الخلفية مما يتعلق بدعم المقاتلين السوريين، لكن فشل التحالف القطري التركي في قلب المعادلة السورية وعدم تمكنه من تحقيق تأثير ملموس على الأرض جعل العربية السعودية تعيد النظر في سياستها القائمة لتتحول من لاعب يدير المعركة من خلف الكواليس الى المخرج الحقيقي للمشهد السوري. ففي السادس من ديسمبر 2013م أنشقت الجبهة الإسلامية التي تضم أكبر التنظيمات الإسلامية في سوريا والممولة سعودياً عن هيئة أركان الجيش الحر (القوة الفعلية المدعومة من قطروتركيا.) وفي الأسبوع ذاته بدأت المعركة بين الطرفين بعد ان سيطر مقاتلو الجبهة الإسلامية على مقار ومخازن أسلحة تابعة لهيئة اركان الحر عند معبر "باب الهوى" شمال غرب سوريا وأخرى في حمص وسط سوريا، فيما كانت مقار دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) تُسلم دون معارك للجبهة الإسلامية. وكان واضحا في الأيام الأولى من المعركة ان جميع الأطراف ذات الفكر الجهادي المتطرف ( الجبهة الاسلامية، دولة الإسلام في العراق والشام، جبهة النصرة) تقوم بذات الدور وهو ضرب الجيش الحر وأختطاف قياداته، ويكفي ان نشير الى اختطاف قائد مجلس حماة العسكري العميد احمد بري بريف ادلب وأمين عام المجلس العسكري النقيب عمار الواوي من قبل داعش في الأيام الأولى من الصراع. هذه الأمور المفاجئة على الساحة السورية دفعت رئيس أركان الجيش الحر سليم ادريس الى الهروب من سوريا الى تركيا ومنها الى قطر بسبب الهجمة الشرسة على الأرض من عدة جبهات وعبر عدة أطراف. ولعل التسيق الكبير بين الأطراف المتناوبة على ضرب الجيش الحر يكشف عن خطة محكمه اعدت سلفاً لرصد مراكز القوة في الجيش الحر والبدء باطاحتها، وهو ما اكده ضابط رفيع في المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر بتوجيه أصابع الأتهام للجبهة الإسلامية بتنفيذ أنقلاب كامل على هيئة الأركان بدعم بعض الدول الأقليمية. وتشير الأمران السابقان (هروب أدريس لقطر و أتهام الجبهة الإسلامية بانقلاب ممول اقليمياً) الى ان السعودية واطراف خليجية هما من أخذ زمام ألمبادرة على الأرض السورية خصوصا اذا ما عدنا لمقال الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز سفير الرياض في لندن الذي نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، والذي أكد فيه ان بلاده على أستعداد تام للتحرك مع الغرب او بدونه لضمان الأمن في المنطقة.. فهذه الكلمات كفيلة بالكشف عن تغيير جذري في الدبلوماسية السعودية اذا ما قارناها بالأعوام الماضية وانتقالها من الهدوء الى الهجوم، وأنعكاسها على الأرض السورية بدعم أكبر للجبهة الإسلامية مالياً وعسكرياً . وتتضح الصورة أكثر بعد سيطرة الرياض على الائتلاف السوري المعارض وأنسحاب 40 عضوا جلهم من الأخوان المسلمين التابعين لقطروتركيا بعد فوز "الجربا" المقرب من الممكلة العربية السعودية وتوليه المنصب الجديد لرئاسة الائتلاف، ما يقود لمزيد من الانحسار للمحور القطري التركي على الرقعة السورية . إن الانهيار الكبير للمحور القطري التركي في سوريا جعل هاتين الدولتين تعيدان النظر في العلاقات الأقليمية والذهاب بعيدا اما من خلال المجاهرة بتغيير سياسة البلاد تجاه نظام دمشق او فتح قنوات تواصل مع حلفاء النظام السوري (روسيا، إيران، العراق وحزب الله) او كلاهما معا وفق الرؤية التركية الجديدة. ويبدو ان احدى هذه الجلسات سُرب خلالها بعض المعلومات حول المخطط السعودي الرامي لأشعال غرب العراق تمهيدا لأنفصاله، ما دفع الحكومة العراقية فور تلقيها هذه المعلومات الى شن عملية إستباقية كبيرة لافشال المخطط وتدارك تأزمه، وهو ما أكده رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال كلمة تلفزيونية من ان دولة خليجية تدعم انفصال دولة الاسلام في العراق والشام غرب البلاد دون الكشف عن هوية تلك الدولة، ثم عاد ليكشف النقاب عنها في منتصف يناير من العام الجديد في اعقاب مباحثات اجراها مع بان كي مون في العاصمة العراقية بغداد مطالباً الأخير بمناقشة التمويل السعودي للارهاب في العراق في مجلس الأمن. ولعل هذا التغيير المفاجئ للدبلوماسية القطرية التركية تجاه دمشق وحلفاءها جاء بمثابة ايجاد تكتلات جديدة او ربما افشاء اسرار كبيرة عن المخططات التي تحاك ضد العراقوسوريا كرد انتقامي تجاه المحور السعودي الخليجي الذي اقصاهم في سوريا، ونستطيع لمس ذلك من خلال الأنتصارات الكبيرة للجيش السوري على الأرض والعملية المفاجئة التي شنها الجيش العراقي غرب البلاد ضد داعش. واذا ما عدنا بعجلة الزمن الى شهر نوفمبر من العام السابق اي قبل اندلاع المعارك بين الفصائل المقاتلة في سوريا بشهر واحد فقط لوجدنا نشاط كبير للمخابرات السعودية الأمارايته حول فكرة تطوير جيش قادر على مقاتلة النظام السوري يكون تحت توجيه المخابرات السعودية الخليجية، ما يعني ذلك ان العملية تتطلب ازاحة المحور التركي القطري من سوريا. وقد رصدت العربية السعودية ما قيمته 4 مليارات دولار لتنفيذ هذه الخطوة على ان يتم تدريب هذا الجيش في الطائف بأشراف ضباط باكستانيون. وما يدفعنا لتأكيد هذه المعطيات هو ما نشره معهد كارنيغي ومجلة فورين بوليسي في ذات الشهر (نوفمبر) من معلومات حول تعاون بين الرياض وإسلام اباد في مجال تدريب المقاتلين في سوريا !!، وما يزيدنا قناعة تصريح قائد ما يسمى جبهة ثوار سوريا التابعة للجبهة الإسلامية بعد انشقاقها عن الجيش الحر في الأيام الأولى من المعارك لصحيفة الشرق الأوسط بقولة: "نواة جيش وطني حر مدعوم سعودياً بات وشيكاً " متهما في الوقت ذاته الجيش الحر بعدم امتلاك نفوذ على الأرض. ويمكننا القول ان ما ورد في صحيفة فورين بوليسي الأمريكية في منتصف ديسمبر من العام المنصرم حول موافقة وزارة الدفاع الأمريكية على طلب سعودي لشراء وحدات من منظومة اميركية مضادة للدروع من نوع ((Taw بقيمة مليار دولار ويبلغ عددها 14 الف وحده تفوق ما لدى حكومة الرياض من اسلحة مماثلة للسنة الجديدة، مرجحة ان تكون وجهتها سوريا وفق اطار دعم الدبلوماسية الجديدة للمملكة ولتسليح الجيش الوطني الحر الذي انشأ على الأرض من الفصائل الجهادية المتطرفة الممتدة من غرب العراق الى سورياولبنان بأنتظار فقط اعلان أسمة الجديد، لا سيما بعد اعلان الظواهري قائد تنظيم القاعدة في تسجيل صوتي بث مؤخرا رغبته بوقف القتال بين الفصائل السورية (بعد ان اقصت السعودية قطروتركيا) من أجل توحيد الصفوف في مواجهة النظام وهو ما يخدم ذات الفكرة. ناهيك عن الحرب الخطابية التي أشعل فتيلها الشيخ القرضاوي المقرب من البلاط الأميري القطري مع الأمارات، متهما الأخيرة بمحاربة المسلمين وبعدها عن مسار الديمقراطية، ما دفع مسؤولين خليجين بارزين من بينهم قائد شرطة دبي "خلفان" للرد بذات اللهجة العنيفة مطالبين قطر بالعودة الى احضان الخليج- في اشارة لعلاقتها بتركيا واجراء تعديلات جديدة في الحكومة وغيرها، ، جعلت وتيرة المعركة تطفو على السطح بعد ان كانت في قعر الدوامة السورية.