الانتخابات لها دور هام في حياة الشعوب لكونها المقوم الأساسي للديمقراطية والمحرك الرئيسي للعلاقات الرئيسية المتعلقة بالدولة والمجتمع، فهي تتضمن عملية تعيين الحكام بطريقة متعارضة مع الوراثة أو التعيين أو الاستيلاء، ولعل هذه الأهمية الكبرى المعطاة للانتخايات تجعل المواطن فاعلاً أساسياً في الحقل السياسي، إذ تسمح للجسم الانتخابي بممارسة سلطة التعيين والمراقبة والقبول، وأكثر من ذلك فهي تلعب دوراً مؤثراً على ميادين أخرى كالحريات العامة، وإذا كنا قد اعتبرنا الانتخاب أساس النظام الديمقراطي فليس فقط لأنه يسمح للمواطنين بتعيين من يحكمهم ولكنه يقود إلى عدم بقائهم في السلطة، ولا يتهم بمعنى أن يتم الاحتكام إلى المواطن الفرد في مجال التداول السياسي. وإن تطور التاريخ الانتخابي باليمن لم يكن ليعرف ثورات أو أزمات حادة إنما تم اعتماده منذ البداية بشكل يستجيب مع النظام الديمقراطي كما هو في الديمقراطيات الغربية خاصة في مجال الإطار القانوني المنظم للانتخابات، فلا نجد في النظام السياسي اليمني ما عرف بالديمقراطيات العتيقة ما سمي بالاقتراع الضريبي ولا ما سمي باقتراع الأهلية. كما أننا نعثر على إجراءات تحاول إقصاء فئة أو شريحة اجتماعية واعتماد فئة أخرى، ورغم أن انتخابات أكثر دول العالم الثالث تتميز بخاصيتين بارزتين: تدخل الجهاز الحاكم باصطناعه لنتائج الانتخابات على شكل أرقام يلبسها ثوب الحقيقة، ثم تكالب المرشحين والأحزاب والنقابات على الأصوات الانتخابية والمقاعد التمثيلية بشتى الوسائل مما يجعل الانتخابات مجرد مباريات وظيفية. أما الانتخابات في الجمهورية اليمنية فإن اللجنة العليا للانتخابات قد أعدت الأدلة التنفيذية والإجرائية التي ارتبطت بها مصير الحياة السياسية للبلاد والتي بنتائج الانتخابات هذه قد يحدث تغيير الحاكمين، وهو أمر وارد، وخاصة في الانتخابات الرئاسية ذات البعد السياسي المحض، بمعنى أنها الانتخابات التي تؤدي إلى الوصول إلى قمة الحكم، وذلك كما نعلم أن الحكم عند الانتقال إلى الديمقراطية يأتي بإحدى طريقتين: إما تمثيلية برلمانية حقيقية للشعب، وإما انحدار صاحب القرار السياسي من الشعب نفسه، وكلتا الحالتين تتم في اليمن بالعملية الانتخابية، وهذا الاختيار الذي توصل إليه المشروع اليمني للعمليات الانتخابية كإطار قانوني، وتقوم اللجنة العليا للانتخابات بإحاطتها بمجموعة من المقتضيات التي تعمل على تأمين العمليات الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، هذا الإطار الإجرائي يسهم في تقوية الوظائف الأساسية للانتخابات، وكان لا بد من الربط بين المجال القانوني التقني ومجال العمل التمثيلي الحقيقي للأحزاب المبني على أساس تحقيق العدالة في توزيع اللجان. وبمعنى آخر مدى مساهمة المقتضيات القانونية المختلفة سواء العامة أو المتخصصة في إيجاد نخبة حاكمة تسفر عنها الانتخابات، مما يجعلنا نطرح إشكالية مدى استجابة النظام القانوني لمقتضيات الديمقراطية الانتخابية، يعني هل يسهم هذا النظام في إرساء قواعد أساسية وحقيقية للتوظيف السياسي والوصول إلى مراكز القوى الحقيقية، إذاً لا بد من محاولة الربط بين جميع مكونات العملية الانتخابية لمحاولة فهم ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الرئاسية والمحلية، فالانتخابات قد لا يتوافر لها منطق اختيار متخذي القرارات السياسية، وبهذا قد يحكم على الانتخابات بعدم فعاليتها وبعدم تأثيرها على النظام السياسي القائم، وذلك بأن تكون عبارة فقط عن استشارات شعبية موسمية الهدف الأساسي منها شرعنة النظام السياسي القائم، هذا المنطق لمن لا يعلم أن للنظام السياسي اليمني خصوصياته التي يتميز بها، حيث يظهر أن له جذوراً تاريخية عميقة وذلك بربطه بمفهوم الشورى والبيعة، لكن يبقى السؤال الذي تطرحه أحزاب المعارضة وهو: هل الانتخاب في النظام السياسي اليمني يؤدي إلى التداول السلمي للسلطة أم أنه فقط عملية ارضاء لمتطلبات العصر ولرغبات القوى داخل البلد وخارجه؟ والحقيقة أن الانتخابات تحتاج إلى بنية سياسية تمثلها الأحزاب السياسية، لكن هذه الأخيرة حتى وإن وجدت قانونياً وسياسياً فقد أثبتت أنها تسهم في تعطيل ميدان التنافسية، لأنها تتعامل مع العملية الانتخابية تعاملاً شاذاً وخاصة فيما يتعلق بالمجال الذي تتحكم في الاشتراك فيه وهو مجال الإشراف على الانتخابات، وهو الذي يؤثر على العملية الانتخابية برمتها، ولعل أهمية هذا الجانب هو ما جعل الصراع يحتد بين الأحزاب السياسية، إذاً فالتنافس الانتخابي يحتاج إلى بنية حزبية تعتمد على تعددية حقيقية، إلا أن المهم في هذه التعددية الحزبية أنها لم تبقَ دون تنظيم خاص يطبعها أو سمة تسمها، بل إن السمة الأساسية التي طبعت الأحزاب السياسية اليمنية هي وضعها في إطار مجموعتين: الأولى تقبل بما هو عليه النظام، والثانية هي على العكس، لأنها لا تحمل رؤى واضحة ولا تستطيع أن تعلن ذلك صراحة، ولذلك كانت وثيقة اتفاق المبادئ الذي وقعت ما بين حزب المؤتمر (حزب الحكومة) وبين الأحزاب المشترك يعتبر الأول من نوعه ويعتبر بمثابة ميثاق شرف، وإذا كان هذا الاتفاق المشترك حدد قواعد العمل التي يجب أن تتبع في قضية الإعداد الإجرائي السياسي للانتخابات بصفة خاصة وبإقراره للحوار والتراضي اللذين يجب أن تمتاز بهما عملية إعداد النصوص الانتخابية بصفة عامة، وإن كان من جهة أخرى التزاماً من الجميع ويمثل الرغبة الرئاسية لتمر جميع الانتخابات على أحسن ما يكون وفي جو من الاستقامة والشفافية والنزاهة، إذاً على الدولة أن تمنع تدخل الجهاز الإداري وتمنع استخدام السلطة والمال، والأحزاب السياسية سوف تعبئ أجهزتها لتمر الحملة في جو من الحماس.. وتجدر الإشارة أن التوقيع على التصريح المشترك في الحقيقة كان ثمرة لجهود قام بها الرئيس علي عبدالله صالح والذي أشار في خطابه إلى ضرورة اعتماد الحوار والتراضي بين الفاعلين السياسيين، ولئن كان هذا التصريح تثميناً للرغبة الرئاسية في السهر على إقامة انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية عالية، خاصة مع النص على ملحق بمثابة ميثاق أخلاقي ضمن هذا التصريح فإنه توجد مجموعة من الإشكالات تثار بصدد هذه الآلية الفريدة من نوعها لتجسيد مصداقية الانتخابات، منها ما يتعلق على وجه الخصوص بالقيمة الإلزامية لوثيقة اتفاق المبادئ.. هذه الوثيقة هل ستسهم في إيجاد انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية عالية؟ وبهذا لم تبقَ لنا إلا آلية واحدة وهي المتعلقة بالإرادة الحقيقية للسلطة السياسية في إيجاد انتخابات حرة ونزيهة، والعزم على إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، بل إن الأمر يحتاج إلى إرادة قوية من اللجنة العليا للانتخابات، وهذا الجهاز أكد من جهته أنه سيتحمل المسئولية كاملة في توفير شروط وظروف الشفافية والنزاهة والتنافسية الشريفة في هذه الانتخابات، وبالتالي نرى أن الجهاز المشرف على الانتخابات عازم على أن تمر الانتخابات في جو من النزاهة والشفافية، لأن المصداقية التي تعقد عليها الآمال الكبيرة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بل وحتى الدولية. ورغم أن ما سبق يعتبر وعوداً وإبراز نيات حول الموقف الذي سوف يتخذ تجاه الانتخابات الرئاسية المباشرة، فإنه بقرب موعدها اتخذت مجموعة من الإجراءات على أرض الواقع أبانت على العزم الحقيقي للسلطة السياسية للوصول إلى المصداقية في الانتخابات ومنها منع تدخل الإدارة خلال جميع مراحل العملية الانتخابية، وبشهادة جميع الفعاليات داخل المجتمع اليمني سواء السياسية أو المدنية، فإن السلطة السياسية قد قامت وبادرت إلى اتخاذ كل ما من شأنه أن يعمل على إقرار نزاهة وشفافية الانتخابات خاصة التزامها بالحياد الإيجابي الذي سيسهم في إيجاد جو خاص بهذه التجربة الانتخابية التي لأول مرة في تاريخ اليمن يحدث فيها مثل هذا التنافس مما سيضفي على المؤسسة الانتخابية مصداقية لم تعهد في التجارب الانتخابية السابقة، وبسبب العزم والإرادة الحقيقية التي تسلحت بها السلطة عن طريق اعتماد الحزم والضرب بقوة على المنتهكين للقواعد والمبادئ الأساسية المتحكمة في العمليات الانتخابية نستطيع أن نحكم أنه يوجد نية صادقة وحسنة لدى الجهاز المشرف على الانتخابات في أن تكون الانتخابات المرآة الحقيقية للمجتمع اليمني، وإلا كنا في الأخير لا نستطيع إلا أن نسلم أن مصداقية الانتخابات الرئاسية المباشرة لن تأتي ثمارها إلا بأمرين: الأمر الأول: وجود جهاز مشرف عليها يملك قوة إلزامية وله سلطة فرض القانون والمبادئ المتحكمة في نزاهة الانتخابات على جميع الأطراف. أما الأمر الثاني: فهو وجود أحزاب معارضة قوية، وإذا كنا نقر من الناحية الشكلية بوجود تعددية حزبية فإنه بالتالي نحكم بوجود تنافسية داخل النظام السياسي اليمني نظراً لكون هذه الأحزاب قد تقدمت بمرشحين وبرامج حزبية، لكن من الناحية الواقعية نجد أن هذه الأحزاب تعرف مجموعة من الانحرافات تتعلق أساساً بطبيعة الأحزاب السياسية اليمنية، ولعل أول العيوب التي تعرفها أحزاب المعارضة في اليمن هي عدم تطابقها مع التعددية السياسية التي يعرفها النظام السياسي اليمني المحددة بقانون الأحزاب وقانون الانتخابات.. لذا لم تستطع تلك الأحزاب أن تقدم أجوبة واضحة المعالم في المجالات السياسية والتمثيلية والديمقراطية تؤثر في مستوى رهانات تغيير هذه الانتخابات، وربما يكون السبب العدد الأكبر للأحزاب، وكثرة الأحزاب السياسية لم يكن كما يبرر لها هو التفريخ السلطوي، ولكن السبب الواضح هو كثرة الخلافات القائمة داخل الحزب الواحد، وهو أمر أسهم في إضفاء المزيد في الابتذال على التعددية الحزبية وخاصة أن الممحددات التي تميزها (كثرة الأحزاب) لأكبر دليل على الأزمة التي يعيشها النظام الحزبي في اليمن وهي أزمة متعلقة بالخلط بين دور الأحزاب وهويتها، ثم في التناقض بين الخطاب والممارسة، هذا الخطاب الذي ينبئ عن الدعوة إلى اعتماد الآلية الديمقراطية في النظام السياسي، بينما نجد أن أحزاب المعارضة في اليمن يعيب كل منها بكونه حزباً زعيماً، هذا الزعيم الذي يبسط نفوذه وشخصيته على الحزب السياسي، فما يميز حزباً على آخر هو ما يميز زعيماً على آخر مما يجعل الحزب السياسي اليمني ينغلق على بنيانه بحيث لا يعرف التحول إلا نادراً.. وهو ما يعني تأكيداً للأزمة التي تعرفها الأحزاب السياسية التي تنادي بالتنافس الانتخابي وهي لا تحققه في بنيانها الداخلي، فالمجال الديمقراطي يرتبط أساساً بأهلية وقدرة الأحزاب التنظيمية على أن تنتظم ذاتياً وبشكل ديمقراطي، فطبيعة الأحزاب بدون هذه الصفة لن يكون لها دور في تفعيل المنافسة السياسية بقدر ما سيكون دورها التكريس للاستبداد. ......................................... عميد كلية الحقوق - الجمهورية