ما انفك بعضنا يرى كل شيء في اليمن سيئاً، وكل صور الحياة الحاضرة والقادمة قاتمة.. وكل شيء محاصر بالفساد، والمحسوبية، والظلم حتى لم يعد هناك ما يبعث على الأمل في المستقبل..! البعض منا أدمن على لعن ظروف حياته، والاستياء من كل الجهات والمؤسسات والشخصيات في الدولة.. وهو لا يكتفي بالإفصاح عن هذا الاستياء مع نفسه أو بيته، أو في المقايل التي يرتادها، بل يكتب ذلك في الصحف، ويتحدث به في الفضائيات.. إذا سنحت له فرصة بذلك، وأمام المنظمات الخارجية.. ولكن ينسى أن قدرته على التعبير عن استيائه على هذا النحو هو أمر حسن، وجدير بالوصف بأنه من حسنات الدولة، لأنه ما زالت معظم بلداننا العربية لا تسمح لمواطنيها بالاستياء، وتعد ذلك جريمة كبرى.. ولعلنا حتى قبل عقد ونصف كنا لا نجد أحداً يتمتع بحق أو حرية التعبير عن الاستياء من أجهزة الدولة في نظام شطر اليمن الجنوبي. لا أدري إن كان بعضنا المدمن على الاستياء قد جرّب البحث عن فضائل تستحق الفخر، أو الإشادة على أقل تقدير لأننا حين نبحث عن الجوانب المثيرة للاستياء لا بد أن نجد الكثير منها.. فكلنا لدينا ما لا يعد ولا يحصى من الاحتياجات والأمنيات، فمن لم يتزوج يلعن ظروفه، وبعد أعوام من زواجه يلعن ظروفه مجدداً لأنه غير قادر على الزواج بثانية ومن يأكل بالشهر مرة واحدة اللحم يلعن ظروفه، وحين يبدأ بأكلها مرة في الأسبوع يلعن فقره مجدداً لأنه لا يستطيع تناولها مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع.. وهكذا هو حال المرء يبحث عن الأفضل على الدوام. ولكن ما المانع لو نقيس الأمور على نحو مختلف مما تعودنا عليه.. فنفتخر بأننا تعلمنا وتخرجنا من جامعات فيما لم يكن بوسع آبائنا دخول المدرسة، لأن الدولة لم تكن تهتم بالتعليم.. ونفتخر أننا اليوم نستطيع بسهولة العثور على طبيبة نسائية تداوي أخواتنا أو زوجاتنا، بينما كان الجيل الذي قبلنا يترك المريضة تموت عوضاً عن عرضها على طبيب رجل أو مداوٍ بالأعشاب.. كما أننا اليوم نقطع الطريق من ذمار إلى صنعاء بحدود الساعة بينما كان الأمر قبل عقدين أو ثلاثة يستغرق يوماً وبمشقة هائلة. اليوم اليمنيون ينتظمون في أحزاب، ومنظمات، ونقابات.. ويخرجون إلى الشوارع يتظاهرون احتجاجاً على أي ظلم، أو سياسة حكومية لا تروقهم، ويهتفون بعلو أصواتهم ضد رئىس الحكومة، أو أحد الوزراء، أو إحدى المؤسسات، لكن هذا الأمر قبل أقل من عقدين لم يكن ممكناً، وقد يقود بصاحبه إلى الهلاك.. واليوم هناك برلمان هو من يقر مشروعية القوانين، والسياسات الحكومية، وفيه من يراقب، ويرصد الاختلالات، ويستدعي أياَ شاء من الحكومة لمساءلته، ومحاسبته، فيما كان الأمس تحكمه أنظمة شمولية لا شيء يقارعها بسلطانها. فلننظر اليوم إلى أثاث بيوتنا، وملابسنا، والنظافة التي تحرص عليها نساؤنا لنعرف أن أحوالنا تبدلت، وأن أحوالنا أفضل بكثير جداً من الحال القاسية التي عاشها الجيل الذي قبلنا، وحتماً إن الجيل القادم سيجدنا تعساء مقارنة بظروفه، فكل جيل يؤسس للذي بعده حياة أفضل. ومن العدل أن نعترف بأننا رغم ما نحن عليه والحمدلله ما زالت هناك معاناة كثيرة نقاسيها.. وما زالت لدينا مشاكلنا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.. ما زلنا نحلم بالتخلص من الفساد والمفسدين، ونقضي على البطالة، والأمية، والأمراض المزمنة، والفقر، والثأر، والكثير من التحديات التي تواجهنا، وتهدد مجتمعاتنا بأخطار جمة.. وهي كلها تنتظر جهود المخلصين، وتضافر الشرفاء. نعترف أننا لدينا مشاكل، لكننا في الوقت نفسه نعترف بما أنجزنا.. فلا نستغفل أنفسنا والآخرين بالتحول إلى جاحدي نعمة.. فسبحانه وتعالى يقول: «لئن شكرتم لأزيدنكم».. فلنشكر الله على الوحدة اليمنية ليزيدها رسوخاً، وعلى الأمن والاستقرار ليعم سلامه وأمنه بيننا، وعلى تحسن ظروفنا المعيشية ليضاعف رزقه لنا. فلنتعلم ثقافة الحمد بدلاً من الجحود، والنكران.. فاليمن اليوم تعيش بأمان فيما غيرها تلتهمها الحروب والفتن، وهي اليوم تعيش الديمقراطية والحريات وغيرها يعيش القمع والاستبداد والظلم.. واليمن اليوم تحررت من الإرهاب والتطرف فيما غيرها تجتاحها الفتن المذهبية، وتلتهم أبناءها السيارات المفخخة والمتفجرات، والقنابل وسكاكين الإرهاب.. هناك الكثير مما تحقق في بلدنا بفضل جهود أحسنت السعي لخير شعبها، ومستقبل أجياله!