«الوعد كالرعد، والإيفاء كالمطر»، هذا ما أراد الرئيس علي عبداللَّه صالح أنْ يقوله للشعب وهو يُعلن البدء بتنفيذ برنامجه الرئاسي الذي تقدَّم به لإعادة انتخابه كرئيسٍ للجمهورية للفترة المُقبلة. كثيرون شكَّكوا في الوعود الانتخابية لجميع المُرشَّحين على أساس أنَّها للاستهلاك الانتخابي ليس إلاَّ، وأنَّها مِنْ قبيل : «ما تأتي به الريح تذهب به العاصفة»، وهؤلاء، الذين قاسوا على تجاربٍ سَلَفَتْ ووعودٍ أُخْلِفَتْ، لَمْ يُقدِّروا حقَّ التقدير الجدِّيَّة التي طَبَعَتْ انتخابات الرئاسة والمحلِّيَّات، التي أُقيمت في العشرين مِنَ الشهر الفارط، والتي أنهت، بصورةٍ حازمةٍ، السبهللة السياسية التي «تأكل في الصباح ما طبخته في العشي»، والتي نبَّهت عموم الناس مِنْ غفلة الركون إلى ما تأتي به الأيَّام، على أساس الشعار الباهت : «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، أو الشعار الأبهت منه : «مَنْ تزوَّج أُمَّنا فهو عمَّنا». هذه الوجبة المسمومة البائتة عَصَفَتْ بها الحملة الانتخابية التي تكسَّرت فيها النِّصال وأصبح شعار الجمهور : «إلى اللقاء في الانتخابات النيابية بعد حوالي عامين»، فهُنالك ستبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوهٌ، و«مَنْ طلب العُلا سهر الليالي»، لذلك شدَّ الرئيس مئزره في هذا الشهر الفضيل وشمَّر عن ساعد الجدّ، وَلَمْ يترك الوقت يقوده، وإنَّما قرَّر هو أنْ يقود الوقت، وهو أثمن ما لدى الإنسان والرُّؤساء، وعلى حدِّ قول السيِّد «حسين بن أبي بكر المحضار»، حكيم الشعر اليمني المُعاصر : «زمانكَ، زمانكَ يُعرِّفك بالناس، وبالناس تعرف زمانكَ»، يعني أنَتْ مُحاصرٌ، رئيساً كُنت أو مرؤوساً، فإذا عرفتَ زمانكَ فَقَدْ عرفتَ الناس الذين تعتمد عليهم، وإنْ كان زمانكَ مِنْ نوع : «كُلَّما صَحَتْ غيَّمت»، فانظر وجوه ناسكَ، ففي تلافيف وجوههم تجده، إنْ كانوا طمَّاعين «هبَّارين» مُنافقين مُدلِّسين يقولون ما تُريد ويخفون ما يُريد اللَّه والناس، فابطش بهم بطش عزيزٍ مُقتدر، ولا تأخذكَ فيهم لومة لائم، فَقَدْ أتت بحائن رجلاه (الحائن : مَنْ حان أَجَله). أقولُ إنَّ الرئيس علي عبداللَّه صالح، الذي أهَّلته الشرعية الشعبية للنهوض بهذه المُهمَّة العسيرة - مُهمَّة بناء دولة المُؤسَّسات، وأنْ يكون رئيساً للجميع، حتَّى أولئك الذين لَمْ يُصوِّتوا له - قَدْ عَقَدَ العزم على أنْ يكون نفسه، مثلما كانها عندما تولَّى الحُكم في الظرف العاصف عقب مقتل الرئيس «أحمد الغشمي»، فقاد البلاد خطوةً خطوةً نحو الاستقرار والنماء والتراضي السياسي، وصولاً إلى الوحدة اليمنية الكُبرى، ولا نُريد هُنا تكرير المُكرَّر، لكنَّنا نودُّ الإشارة إلى «المارش» الافتتاحي لإصلاحات العصر الجديد، ومنها : إنهاء نظام المركزية، وتوسيع صلاحيات المجالس المحلِّيَّة وانتخابات المُحافظين ومُديري المُديريات، لأنَّه بالمنطق إذا كان رئيس الجمهورية يأخذ مشروعيته بالانتخاب وأصوات الناس، فحكماً أنَّ مَنْ كان دونه لَنْ يكون أكبر مِنَ الانتخاب، وأخذ الرئيس بتدوير الوظيفة العامَّة كُلَّ أربع سنوات، ذلك أنَّ الفساد يُعشِّش في كُهوف العنكبوت الدائمة، أضف إلى ذلك تحكيم المُناقصات الحكومية ومُحاصرة الفساد بتشكيل هيئاتٍ مُستقلَّةٍ مشهودٌ لها، وفتح صفحة مُشاركة مع المُعارضة، و«أوَّل الغيث قطرٌ ثُمَّ ينهمل».