قليلون هم الذين يؤمنون بما تختطه أقلامهم، ولا تعبث بهم أفكارهم في دهاليز الغرور والتعنت والأنانية، ولا ينفكوا أن يكتبوا إلا ما يخالج شعورهم ويدور في فلكهم مستمدين أفكارهم من قاموس الكلمات المندرج من الذات- الأنا- أو من العقل الباطن؛ ونتيجة خبرات سابقة وتطلعات لاحقة.. منهم من أمتعنا قلمه ولم يخف خلف هذا الإبداع غاية في نفسه، وإنما إيصال هدف أو فكر أو تبصر وحكاية واقعية تدور في فلك الأحداث.. ومنهم من أمتعنا خياله في استخلاص العبر، وأنار لنا الطريق بعقل ثاقب لا يذهب بنا بعيدا إلى عالم من الكلمات المنمقة التي تخفي خلفها دهاليز مظلمة، كلما أوغلنا فيها وجدنا أنفسنا ننجر إلى حلقة مفرغة لا نهائية، وبعد ذلك يضحك علينا ويقول: كم انتم أغبياء! ويتنصل من مسؤولية الكتابة بحجة أنه لا أمل فينا وإننا من مستويات اقل لا ترقى إلى مستواه في التفكير أو التبصر. ونعود إلى تلك الأقلام الرفيعة التي تختط برشاقة وعنفوان مدركة إن من تخاطبهم مختلفي الإدراك والمستويات والثقافات وتخاطب عقولهم على كافة مستوياتهم متحملة تبعات تلك المحاولات في فرز ثلة المثقفين وأشباه المثقفين مدركة إن "الكلمة الطيبة صدقة"، وان الذي يثري عقولنا بالكلمات الطيبة يستحق منا الاحترام والثناء الحسن، وان الذي يهدم أفكارنا ويوصلنا إلى قمة هرمه العقلي، ثم يرمي بنا إلى الدرك الأسفل مدعيا إن الأمل فينا مفقود، وإننا أناس لا تستوعب الأفكار المستحدثة لا يستحق منا أي ثناء..! ويبقى السؤال: هل الفكر له تأثير على العقول بالسلب أم بالإيجاب!؟ وهل هي حرب فكرية دائرة رحاها، مختلطة أوراقها تعمي البصر والتبصر!؟ بالطبع إن الفكر له تأثير أما سلبي أو ايجابي ولكن علينا أن نختار، وعلينا أن ننظر إلى الأمور نظرة ثاقبة بعيدة غير متسرعين في إصدار القرار والتهكم والاستهزاء بالقلم.. وان نلاحظ أي قلم استُخدم في الكتابة؛ هل هو قلم رصاص مثل قلم حمدي قنديل الذي يطلق من بين طياته كلمات من رصاص، أم ريشة في مهب الريح، أم حبر سري مهما كتبنا به لا نفقه ما وراءه ولا نراه!! ويبقى القلم قلم أياً كان محتواه مدرك لعقولنا، مدركين لما يكتب، محاورين هذا الإبداع، متنقلين من قلم إلى قلم نتعلم منه العبر ونستخلص منة الدروس حتى نطبقها على تجاربنا اليومية وحياتنا المستقبلية ونظرتنا إلى الماضي غير البعيد حتى ندرك الأمور ونوازنها.. وأن كل قلم أيا كان نوعه ومصدره يحمل في عنقه أمانة ما يكتب، وسيحاسب بها أولا أمام خالقه، وثانيا أمام ضميره، وثالثا أمامنا.. وهذه مسؤولية كبيرة لا نعتبرها هواية أو مجرد تنفيس أو ترفيه عن الذات وإنما مسؤولية القلم والتأثير على كافة المستويات، وما ينطوي في أعماق هذا القلم من أفكار هدامة أم بناءة وتبقى المسؤولية ليس فقط في المزود بالمعلومة وإنما- أيضا- تقع المسؤولية على المتلقي في تقبل هذا المصدر أو دحضه أو تغييره أو إبقاءه في إطاره.. وفي الأخير من أراد بنا خيراً فان كلماته تخرج من ضمير حي تناجي عقولنا قبل قلوبنا..