هذا الموضوع قديم جديد في طرحه، قديم في تناوله على أكثر من صعيد شعبي وربما رسمي. وجديدا في طرحه برؤيتي هذه والتي قد تغضب البعض الذين ينظرون إلى مصالحهم الذاتية فقط. وينسون أن للآخرين مصالح أيضا يجب مراعاتها ، ويرفضون الاعتراف بحقائق الأمور على ارض الواقع. منذ فترة السبعينات والى يومنا هذا مضت أكثر من ثلاثون سنه من عمر المنطقة، وقد ساهم اليمنيون في بناء وأعمار وتطور اغلب دول الخليج وليس جميعها، وقد حازت المملكة العربية السعودية الشقيقة على النصيب الأكبر من تلك الهجرة، وتكاد تكون سلطنة عمان اقل تلك الدول هجرة إليها بغرض العمل والمعيشة ولا داعي لذكر الأسباب فهي ليست من صميم موضوعنا هنا. ومضت السنوات، وتقدمت دول الخليج في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وتطورت سبل الحياة لديهم، ودخلت التكنولوجيا في حياتهم، وتغيرت وتطورت حاجياتهم ، نتيجة للنقلة الكبيرة التي جرت في تلك البلدان نتيجة للطفرة النفطية. وقد كان اليمنيون يشكلون نسبة كبيره من العمالة في تلك الدول إجمالا في الثلاثين سنه الماضية، وبالإمكان تسمية تلك الفترة فترة البناء والتشييد لدول الخليج والعصر الذهبي للمغتربين ، وكلمة بناء هنا لا تقتصر على المباني والمنشئات والطرق فقط ، بل تشمل أيضا التجارة والصناعة وفروعهما المتعددة فقد ساهم اليمنيون في تلك الحقبة من الزمن أيضا . وبنظرة حقيقية وواقعية، نجد أن النسبة الطاغية من هؤلاء اليمنيون الذين ساهموا في بناء البلدان الشقيقة في جميع المجالات، يتميزون بمواصفات الإخلاص والاندماج في العمل والإبداع فيه ( وفق شروط العمل المتوفرة في ذلك الزمان وفي تلك الدول)، وقد كانت شروط العمل في تلك الأيام تختلف عن شروط العمل في هذه الأيام،أي انه لم يكن مطلوبا من طالب العمل إلا أن يستطيع القراءة والكتابة وبعض القدرة على الحساب تلك الشروط المهمة المفروض توفرها لدى بعض العاملين وليس كل العاملين، أي أن العمل في تلك الفترة لم يكن يحتاج إلى تكنولوجيا وعلوم الحاسب واللغة الأجنبية مثلما هو يحتاجها الآن في غالبية المجالات، وقد كان المستوى التعليمي للغالبية العظمى من المهاجرين اليمنيين إلى تلك الدول الشقيقة يكاد يكون مستوى متدن جدا ونسبة التعلم لن تتجاوز مرحلة القراءة والكتابة، هذه حقيقة يجب أن نعترف بها واعترافنا بذلك يمهد الطريق لتغيير فهم مغلوط. واليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين من الزمن، وبعض الأبناء في اليمن لازال يعيش وكأنه قبل ثلاثون سنه، و تكاد نسبة كبيره ترفض مواصلة التعلم والتخصص وتكتفي بأقصى مرحلة وصلها في الدراسة إنهاء المرحلة الاعداديه ويبدأ التسرب من المدارس. ورغم أن الدولة قد أوفت ببعض واجباتها في إنشاء المدارس الثانوية والمعاهد المهنية والكليات التخصصية لكنها تواجه عدم وجود الرغبة في متابعة التعلم والاتجاه إلى العلوم المتخصصة في كثير من مناطق اليمن وخصوصا المناطق الريفية والمدن الثانوية . مكتفين هؤلاء بالوصول إلى مرحلة انه يقرأ ويكتب فقط ، ويكفيه ما وصل إليه من مستوى بل أن نسبة كبيرة من هؤلاء يفكر بعقلية الماضي، وانه يستطيع أن يعمل مثلما استطاع أبائهم أن يوجدوا لأنفسهم فرص عمل، والبعض الأخر ينظر للمحصلة النهائية من تكملة تعليمه ويحصره في سؤال واحد وهدف واحد كم هوالراتب الشهري الذي سأتقاضاه لو أكملت التعليم !؟ في تصوري عندما يصل تفكير هؤلاء الشباب إلى هذه الدرجة من الفهم المغلوط لأهمية التعليم ومواصلة التعليم فنحن أمام كارثة، لا يعلمون تماما أو يعلمون ولا يريدون من احد تذكيرهم أن الدراسة والعلم سلاح في هذه الحياة وان مهنة في اليد أمان من الفقر وتكاد هذه الشريحة من الشباب تسير في نفس خطى الذين عاشوا قبل ثلاثين وأربعين سنه من الناحية العلمية رغم أن الآباء في الأصل لم يجدوا تلك الوسائل المحفزة والمشجعة للتعليم والتعلم معتقدين هؤلاء الشباب أنهم قد أوفوا بشروط العمل الحالية. وعودة إلى الآباء والأجداد واخص بالذكر الجيل الذي عايش الطفرة التنموية في دول الخليج، فقد كانت تلك الظروف مهيأة لهم للعمل وفق التكنولوجيا المتواضعة في تلك السنوات، وبالتالي استطاعوا أن يوجدوا لأنفسهم مكانه مناسبة وقياديه في تلك المجتمعات. لكن الوضع مختلف تماما أمام الجيل الحالي فأمامهم جيل من كل مكان وحقيقة هم أمام منافسه ليست في صالحهم بتاتا . لكن لو تخيل معي القارئ العزيز هؤلاء الآباء كيف سيكون وضعهم لو أرادوا أن يدخلوا سوق العمل في دول الخليج هذه الأيام!؟ لا اشك مطلقا أن الكثير ممن وصلت إلى ذهنهم الفكرة سيؤيدونني عندما أقول أنهم لن يجدوا فرصة للاندماج والسبب أنهم غير مهيئين وغير مؤهلين لشروط العمل الحالية،فشروط العمل الحالية تعتمد على الدراسة والتخصص وإجادة اللغة والحاسوب . لا ادري من المسئول في إيصال هذه النتائج المقلوبة إلى عقول الشباب !؟ هل هي قلة الوعي !؟ أم الجهل المتراكم جيلا بعد جيل!؟ أم الفقر!؟ أم الإغراءات المادية الغير متكافئة بين دول الخليج واليمن !؟أم أن كل هذه الأسباب مجتمعه وأسباب أخرى لم تذكر؟ إن زيارة واحده لجميع دول الخليج والتمعن والتأمل في المستوى العلمي والتخصصي للعمالة الأجنبية المتوفرة حاليا لديهم ستجد أنهم كفاءات عاليه ومتوسطه ومتخصصة وستجد أن الغالبية العظمى من القادمين من غير اليمنيين للعمل في دول الخليج يحملون شهادات علميه لا تقل عن شهادة الدبلوم الجامعي وأنا هنا استثني منهم عمالة النظافة فرواتبهم لا تتجاوز مائتي دولار أمريكي . لقد عملت مع جنسيات هندية ومصريه وسيرلانكيه و فلبينية وغير ذلك وكان كل هؤلاء يحملون شهادات جامعيه والوظائف التي امتهنوها تكاد تكون لا تحتاج إلى كل ذلك التخصص، لكن أوضاع بلدانهم المعيشية هي الضاغط عليهم في قبول هذا المستوى من الوظيفة بعد كل تلك السنين من التعلم ، وأنا هنا فقط أريد أن أشير إلى أنهم قد أوفوا بالشرط الأساسي للعمل وهو شرط إنهاء المرحلة الجامعية أو الدبلوم حتى يستطيعوا مسايرة شروط العمل الأخرى في هذا الزمن إلا وهي اللغة والكومبيوتر وغير ذلك . هذه شروط العمل مطلوبة في كل مكان من العالم وليس دول الخليج فقط، وبالتالي فهم مهيئون للعمل في أي دولة من دول العالم هذه الجزئية آمل أن يتفهمها القراء حتى نصل إلى قناعه واتفاق على إجابة السؤال المطروح لماذا يفضل هؤلاء على اليمنيين ؟ إن نظرة واقعيه إلى حقيقة مستوى تعليم وتخصص اليمنيين الذين يذهبون أو يحاولون أن يهاجروا إلى دول الخليج بصوره شرعيه أو غير شرعيه تدعو إلى الشعور بالأسف والألم بل وأحيانا بالقهر في أنهم لم يكملوا تعليمهم حتى يجدوا فرص عمل أفضل . ويستطيعوا منافسة الأجانب القادمين من شتى الدول، ومن غرائب الأمور أنهم يعتقدون أو لنقل أنهم يوهمون أنفسهم بأنه يجب أن تعطى لهم الأولوية عن الآخرين، ناسين ومتناسين هنا أن الفيصل في اختيار الأفضل هذه الأيام لمن لديه مهنه ومستوى مرتفع من التعليم، وقد ذهبت تلك الأيام ولن ترجع والتي كان اليمنيون مؤهلين لشروط العمل المتواضعة في تلك السنين بمؤهلات تلك السنين ،هذه جزئيه أتوقع أنني قد أوصلتها إلى القارئ بشكل لايدعو للبس. والشي بالشي يذكر أن دول الخليج الشقيقة قد وصلت البطالة بين مواطنيها إلى نسب عاليه مما يفرض عليها إعطاء اهتمام اكبر لإحلال مواطنيها بدلا من القادمين من الخارج وخصوصا إذا ماعرفنا أن نسب التعليم لديهم آخذه في الارتفاع مقارنة عما في اليمن ويحضرني هنا تصريح لمسئول في التربية والتعليم في احد الدول الخليجية في تلفزيون بلاده في الشهر الماضي، يصرح أن الوزارة أوجدت خمسة آلاف فرصة عمل جديدة لخريجي الجامعات من ا لمعلمين والذين تقدموا لهذه الوظايف يفوق المائة ألف خريج جامعي واترك لكم التفسير والربط في الموضوع. بعد كل ذلك أليس من المطلوب من كل فئات المجتمع والدولة الوقوف أمام ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس والمعاهد قبل أن تصبح هذه الظاهرة مشكله مثلما يعرفها علماء الاجتماع؟ أليس من الأفضل أن يكمل أبنائنا مشوارهم التعليمي وتوجههم نحو التخصص سواء في المعاهد أو الكليات الفنية حتى يكونوا مهيئين للعمل في بلادهم أو في أي منطقة أخرى من العالم؟ إنني أدعو كل من يستطيع التعلم أن لا يبخل على نفسه في تطوير قدراته من العلم في السعي إلى مسايرة الزمن الذي نعيشه وليعلم الجميع أن اكتساب العلوم ليس له عمر محدد، ويقيني القاطع أن الكثير منكم لن يلوم الأخوان في دول الخليج في تفضيل القادمين من الأجانب على القادمين من اليمن بعد أن عرفتم أن من أسباب تغيير هذه المعادلة بيدنا وليس بيدهم فهل أنا مخطئ !؟ [email protected]