شهدت ندوة أقامها معهد الميثاق – إحدى المؤسسات الفكرية للحزب الحاكم- حول (منظومة الإصلاحات السياسية وآفاق المستقبل) نقاشاً مثيراً طال الحزب الحاكم فيه كثير من النقد الذي أثار حفيظة أمينه العام ودفعه إلى معاودة التعقيب، فيما لم تسلم أحزاب المعارضة من أن تطولها جرأة وصراحة المتحدثين. ففي ورقة عمل كانت الأكثر إثارة، استهل علي سيف حسن- رئيس منتدى التنمية السياسية- حديثه لكز المؤتمر الشعبي العام بالحديث عن المنجزات العظيمة التي تحققت خارج الأطر الديمقراطية، ثم ب(التصفيف والتصحيف) التي وصفها بمخاطر في كتلة سياسية داخل المؤتمر "مرتبطة بسلوكيات ومواقف بعض أطراف ومكونات الكتلة السياسية التي يفترض بها أن تكون هي الداعمة والمنفذة لهذه الإصلاحات". وقال أن تلك الكتلة تقوم بالتصفيف- أي نقل بنود الإصلاحات من مصفوفة إلى مصفوفة، الأمر الذي عرض الإصلاحات "للتآكل والضمور"، فيما فسر "التصحيف" بأنها "محاولة أو ادعاء عدم فهم جوهر وروح هذه الإصلاحات واختزالها بصورة مبتورة أو باهتة يفقدها مضمونها ويضعف من تأثيراتها الايجابية المفترضة"- مستشهداً في ذلك بالحوار الجاري داخل المؤتمر. وتطرق علي سيف إلى قانون السلطة المحلية والكيفية التي وجد عليها قيادة المؤتمر الشعبي العام، وقال أنها تأتي إلى مجلس الشورى فنسمع منها تلك التخوفات بشأن انتخاب المحافظين، مستغرباً أنه عندما يتم التحدث مع كل واحد على إنفراد يوافقوا على القانون لكنهم في المجلس يختلفوا.. مؤكداً أن "التصفيف والتصحيف" هما الخطران اللذان يواجهان برنامج الإصلاحات. ولم ير علي سيف جدوى من مناقشة برنامج الإصلاحات في الوقت الحاضر في الوقت الذي كان الأولى الحوار حوله قبل أن يتم إقراره. كما انتقد النظام الانتخابي معتبراً الانتخابات النيابية بنظام الدائرة الفردية الحالي لا يتفق مع الطبيعة الدستورية لعض المجلس الذي ينص على اعتباره ممثلاً لليمن بشكل عام، داعياً الى "نظام يحرر أعضاء البرلمان من الالتزامات المحلية ويسهم في "خلق وتشكيل نخبة سياسية محترفة على المستوى الوطني". وهو ما رأى تحقيقه في القائمة النسبية بحيث يتم انتخاب نسبة (25 – 30) بالمائة من أعضاء المجلس بنظام القائمة النسبية، نظراً لكون قيادات الأحزاب خارج المجلس وبالتالي فإن فإنه يرى من المهم التركيز على موضوع النخبة السياسية داخل البرلمان، القادرة على خلق تطور نوعي في أداء المجلس.(( انقر: نص ورقة علي سيف حسن)) ورغم أن الدكتور عبد الكريم الارياني- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام ، والمستشار السياسي لرئيس الجمهورية- أثنى على المقترح الجديد بشأن القائمة النسبية للبرلمان، إلاّ أن الأمر لم يكن بنفس الدبلوماسية لدى أمين عام المؤتمر عبد القادر باجمال الذي ظل يتحين فرصة التعقيبات ليعتلي المنصة ويرد على ما طال حزبه من الأستاذ علي سيف حسن. باجمال استهل تعقيبه بالقول بأن الديمقراطية التي نعرفها اليوم لم تبدأ على هذا النحو في المجتمع الاسبارطي او الأثني، وأن مفهومها لدى اليونانيين كان مختلفاً لأن الحرية والمواطنة كانت ملكاً للرجل الحر.. وقال: "لا نستطيع أن نطلب لليمن ديمقراطية سويسؤية لأنهم كانوا يتقاتلون قبل هذا في نهر البارد- حق سويسرا.."، معرجاً على ديمقراطية بتروفسكي الذي يصف الديمقراطية بأنها ديمقراطية قبائل ، حملة السلاح ، وأنهم عملوا رئيس العشائر الذي أسماه (الأول بين المتساوين The first within equals). ودافع عن حزبه بالقول بأنهم لجأوا إلى "تصنيف وتصحيح، أما قصة المصفوفة فهي عمل تكنيكي لا أكثر ، وأهم شيء الفكر الموجود فيها". أما عن اختلاف مواقف المؤتمريين ، قال باجمال: لسنا برأي واحد لأننا لسنا إيديولوجية واحدة، ولسنا متبوعون " معتبراً ذلك يجعل جدلية المؤتمر "صافية دون حاجة إلى الرجوع إلى فلان أو علان".. ثم تطرق إلى تجربة ألمانيا وقال أن الحرب العالمية لم تقم فقط بسبب وحدة ألمانيا بل بسببين هما أن ألمانيا كانت تريد تمتد إلى أوروبا، وأنها كانت لديها أطماع إقليمية مشبهاً إياها بمثل ما عمل صدام حسين حين ضم الكويت وأصبح الكل يدفع ثمن ذلك حتى اليوم. وكان عبد القادر باجمال ألقى كلمة في افتتاح الندوة عبر فيها عن خشيته من أن تفرغ الشعارات والخطب والقصائد والبيانات والمهرجانات الإصلاح من مضمونه الحقيقي بسبب المزايدات والمناكفات. وقال إن ثمة خطر دائم على قضية الإصلاح إذا أصبح الإصلاح ذاته وسيلة أكثر منه هدفا ووسيلة أكثر من كونه غاية وبالتالي تختلط الأشياء وتكون المهرجانات والخطب والقصائد والبيانات هي محل المهمة الرئيسية التي يعمل من أجلها المجتمع المدني وكذلك الناس المنضوين في هذا المجتمع. وقال: ليس من مسؤولية المؤتمر الشعبي العام إطعام الناس شعارات وانه من السهل أن نضع الخطابات والمهرجانات. وتابع: لا أريد متفرجين في عملية إصلاحات جذرية أريد مشاركين فاعلين وجمهرة عظيمة تقول هذا صح وهذا غلط، مشيراً إلى أن بعض الناس لا يأتون تأييدا للمهرجانات ولكن للفرجة. واعتبر باجمال التعليم هو جوهر عملية الإصلاح من أساسها وإذا لم نتناول قضية التعليم باعتبارها محور رئيسي في التطور نكون قد ظلمنا التاريخ كله والحقيقة كلها مؤكدا في سياق كلمته أن التعليم قضية جوهرية للديمقراطية وللتطور وللتنمية. وقال: نحن نتكلم عن التعليم باعتباره النواة الرئيسية والمحرك لمجتمع سوي ومتوازن ينشأ الوحدة الفكرية والسياسية والتنظيمية والثقافية الأساسية للمجتمع. وأكد: أن الثقافات الفرعية خطر على الوحدة الوطنية مهما هربنا من هذه القضية وأن الضمانات الأساسية للوحدة الوطنية هي التعليم بالمنهج الوطني الموحد. أما محمد حسين العيدروس- رئيس معهد الميثاق- فقد افتتح الندوة بالتأكيد بأن إشراك عدد من النخب السياسية والمدنية البارزة في الندوة إنما هو "إيماناً منا بأن قضية الإصلاحات ليست شعاراً مطروحاً للاستهلاك الحزبي، أو الدعائي.. وهو أيضاً ليس صيغة مزاجية فضفاضة من حق شخص أو فئة، أو حزب فرضها على حياة المجتمع، بقدر ما تمثل هذه الإصلاحات منظومة أفكار ناضجة، وخلاصة تداول مسئول للآراء والأفكار، بمنظور المصالح الوطنية العليا، وتطلعات الجماهير، وبغير قفز على الواقع والظرف الوطني والدولي الراهن..". وأشار إلى "إن كثيراً من تجارب الإصلاحات تنتهي بالفشل لكونها أما تترجم لوناً من الغرور الأناني الذي تصاب بدائه بعض القوى السياسية وتتجاهل من خلاله حملة الفكر والخبرة والمعرفة المستفيضة، أو لكونها تحاكي تجاربا مختلفة تماماً عن واقع مجتمعاتها، وأما لأنها تجارب تنظيرية، غارقة بالأحلام لا سبيل لتطبيقها على أرض الواقع – رغم أنها قد تبدو مقبولة في ظاهرها!". وأكد: "أن بلداً – كاليمن- يثقل كاهله الموروث التاريخي المتراكم عبر السنين هو بأمس الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات شاملة تنتشله من واقعه، وتعبر بأبنائه إلى بر الأمان.. وهو الأمر الذي أولته القيادة السياسية عنايتها مبكراً، وباشرت الحكومة بإقرار برنامج إصلاحات منذ منتصف التسعينات، كان لها بالغ الأثر في انتعاش الحياة اليمنية، وقد جاء مؤتمر المانحين في لندن مؤكداً الاعتراف الدولي بكل ما حققته اليمن من تقدم ونجاحات.." واستدرك قائلاً: "إلاّ أن التطورات السريعة في حياة الشعوب تفرض حراكاً نوعياً متوافقاً مع كل مرحلة، ومواكباً لكل تحول – سواء كان ذلك على الصعيد الوطني أم الساحة الدولية- لذلك لم يعد ممكناً الوثوق باجتهادات تبلورها المقايل، أو تضييق وحصر حدود التفكير، في زمن القرية الكونية، وتشابك مصالح الشعوب والدول، وتداخل نظم العمل، والمنظومات السياسية والاقتصادية الدولية..!!" هذا وشهدت الندوة مناقشة العديد من أوراق العمل في جلسة رأسها الدكتور عبد الكريم الارياني، بينها ورقة للدكتور عبد الله الزلب بعنوان (توجهات الإصلاح في البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية)، وورقة للدكتور عبد العزيز الشعيبي بعنوان (مدخل للحوار حول الإصلاحات السياسية)، وثالثة للدكتورة أمة الرزاق حمد – وزير الشئون الاجتماعية والعمل- بعنوان (تمكين المرأة ودعم مشاركتها في عملية التنمية). وقد شهدت الندوة حضوراً غير مسبوق، وجدلاً مفتوحاً كان الأكثر شفافية وصراحة وجرأة في الطرح بين جميع الندوات التي عقدها المؤتمر الشعبي العام.