مع احترامي لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون وتصريحها «الرنان» الداعم لوحدة وأمن واستقرار اليمن، إلا أن المصالح والأهداف الامريكية التي تسعى واشنطن لتحقيقها تتقاطع كلياً مع مصالح اليمن.. ذلك الذي أوشك على الاحتضار قبل أن يرى النور، واكتسب شهرته العالمية مؤخراً بسبب «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب». يصر المسؤولون الغربيون على اعتبار إرهاب «القاعدة» الخطر الأكبر الذي يهدد اليمن والعالم ككل، بينما في اليمن لا يشعر المواطن الخائف من كل ما يدور بأي وجود عملي للقاعدة على أرض الواقع لا كمؤسسات، ولا كمواقع عسكرية، ولا كظاهرة دينية متشددة، ولا حتى تفجيرات إرهابية مقارنة بتفجيرات أمريكا والحكومة اليمنية التي أودت بعشرات الأبرياء من النساء والأطفال الرضع على ذمة ملاحقة هذه القاعدة المزعومة. وباعتقادي أنه لو تأكدت شعوب العالم الثالث أن ما تقوله أمريكا حقيقيا وأن القاعدة أصبحت على بعد خطوات من البيت الأبيض والبنك الدولي لكانت هذه الشعوب جميعها قاعدة.. لأنها في الحقيقة تعاني من الاصطفاف الجهادي العالمي ضد القاعدة، ذلك الذي قلب خارطة الشرق الأوسط وقتل الملايين في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها. وحينما يصرح مسؤول غربي بحديث حول القاعدة نجد الإعلام العالمي بأدواته المتشعبة (تلقائياً وليس متواطئاً بالضرورة) يقول: «القاعدة». . ويخترع المحللون والخبراء المختصون بعد ذلك مخططات القاعدة للانقلاب على النظام العالمي بقيادة الولاياتالمتحدة، وتسهو الشعوب عن قضاياها الحقيقية الواقعية.. وإلا كيف تحولت الأزمة اليمنية المتعددة المشارب والشوارب من التمرد الحوثي والدعوات الانفصالية والفساد الحكومي الممنهج إلى «القاعدة»؟ بدأت إدارة أوباما بالتركيز الإعلامي والسياسي على قاعدة اليمن المزعومة بعد قيام الضابط الأمريكي المسلم نضال حسن بجريمته الشهيرة التي هزت الشارع الامريكي في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، وعلاقته بالإمام اليمني الأمريكي أنور العولقي، والأخير أكد أنه لم يحرض نضال على قتل زملائه، لكنه اعتبر فعلته «أمرا بطوليا»، وهو ما ربط اسم «اليمن» بالتقارير الصحافية القادمة من تكساس. إلى ذلك اليوم لم يكن الناس قد استوعبوا أن حادثة «5 تشرين الثاني(نوفمبر)» هي «11ايلول (سبتمبر) أوباما» من شأنها أن تبرر لقوات التحالف القيام بغزو اليمن وأفريقيا وعلى قدر آثار « 5 تشرين الثاني (نوفمبر)» ستكون آثار «قاعدة أوباما» على العالم الإسلامي، والتحركات الأمريكية التي أعقبت تلك الحادثة فرضت عديد تساؤلات: ما الذي حدث، هل انتهى أوباما من ترتيب الوضع الداخلي للبيت الأبيض؟ هل بالفعل أمريكا لا تريد تحسين صورتها لدى العرب بإدارة أوباما؟ لماذا يستخدم أوباما نفس الآلة التي استخدمها بوش للسيطرة على العالم؟! وقبل عودة مسمى «القاعدة» في وسائل بالتزامن مع «عام على تولي أوباما» مارست واشنطن ضغوطأ مكثفة على النظام اليمني لإقناعه بخطورة القاعدة وضرورة إخلاء سبيل الحوثيين والحراك الجنوبي والانضواء تحت لوائها في الحرب على الإرهاب. وقد نقلت ال»CNN» عن مسؤول أمريكي رفض الكشف عن اسمه إن: «معلومات استخباراتية راسخة وقاطعة قدمتها الاستخبارات الأمريكية واليمنية أقنعت الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في الصيف الماضي على قبول المساعدة في مواجهة القاعدة في بلاده».. مضيفاً «أنه بعد سنوات من الضغط من جانب الولاياتالمتحدة للقضاء على تنظيم القاعدة في اليمن، اقتنع صالح بقبول المساعدة بعد تقديم معلومات مفادها أن تنظيم القاعدة كان يستهدف الدائرة الداخلية من الزعماء اليمنيين بالإضافة إلى وجود أعداد متزايدة من معسكرات التدريب الإرهابية في اليمن». ومن هذا التصريح الأمريكي يتضح أن اليمن يعي أولوياته، وأن القاعدة هم أمريكي لا علاقة له باليمن، وقد تهامست مصادر يمنية أن الرئيس اليمني نجا من محاولة اغتيال في مطار صنعاء أثناء عودته من زيارة خارجية إلى موسكو تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، خططت لها «القاعدة» ولم تصل إليها وسائل الإعلام، ولم يستبعد البعض أنها كانت ضمن الضغوط الأمريكية لإقناع صالح بخطورة القاعدة. عودة ملف القاعدة في اليمن بعد أحداث 5 تشرين الثاني (نوفمبر) تصاعد بشكل ملفت، ابتداء من العمليات الأمنية في أبين وشبوة وصنعاء، ثم محاولة النيجري القادم من لندن إلى اليمن عمر فاروق تفجير طائرة أمريكية، ومحاولة ربطه بأنور العولقي، وما تلا كل ذلك من تحركات وإجراءات كإغلاق السفارات الأجنبية في صنعاء، والحديث عن مجرمين أمريكيين سابقين انضموا للقاعدة في اليمن، وانتحاريات يمنيات (في علم الغيب)، وصولاً إلى مؤتمر لندن. (وكأن أمريكا بعد استيعابها خطورة التدخل المباشر ضد القاعدة في اليمن نتيجة ردة الفعل المحلية على مجزرة أبين وشبوة تريد القول إنها ستأتي الى اليمن لملاحقة مواطنيها «المجرمين» الفارين وليس قاعدة اليمن!.. في المقابل تباينت حدة ردة الفعل اليمنية على التحركات الأمريكية بين متردد ورافض ومتواطئ، وأعلن العلماء وجوب الجهاد لمواجهة أي تدخل غربي وإدانة إرهاب القاعدة، أما رسمياً فقد كالت الصحف الأمريكية سيلاً من الشتائم للرئيس علي عبدالله صالح متهمة إياه بالمراوغة والاهتمام بعائلته، ووصفته النيوزويك بأنه «وغد» فاقد السيطرة وذكرت بأنه كان يلقب ب»صدام الصغير» بسبب رفضه لنصائح القائد بتريوس، حسب زعمهم، لكن مجمل التناولات أكدت جميعها أنه أفضل السيئين بالنسبة لهم أو «وغد أمريكا» حسب تعبير المجلة. الحكومة انتظرت «مؤتمر لندن» الذي عقد الأسبوع الماضي بفارغ الصبر، إذ لم تكن تعلم ما إذا كان المؤتمر الدولي الذي دعا إليه غوردن براون بدون تنسيق مسبق مع اليمن وارتبط اسمه بالقاعدة مؤتمر أم مؤامرة؟ أهو مؤتمر للدعم المالي والسياسي، أم مؤامرة للضغط الرفيع المستوى على الحكومة لتقديم تنازلات سيادية والتصالح مع الحوثي والحراك؟ مؤتمر لندن خرج بدعم سياسي واضح وصريح للحكومة اليمنية ضد القاعدة، لكن هذه القاعدة كما هو واضح ليس ما يعانيه اليمن، سواء على المستوى الرسمي الذي يواجه تمردات مسلحة تسيطر على محافظات بأكملها، أو على المستوى الشعبي الذي يعاني الفقر والبطالة والسلطة الفاسدة وانعدام أساسيات الحياة الحضارية.. وعندما شرح رئيس الوزراء اليمني للقوى العظمى في العالم أن المشكلة اليمنية اقتصادية، تغاضت عن ذلك وأحالته إلى الرياض في المؤتمر المقرر انعقاده 28 شباط (فبراير) الحالي. تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عقب مؤتمر لندن الداعم لوحدة واستقرار اليمن ولحكومته يمكن اعتباره الموقف الحقيقي لواشنطن وفق مبدأ «حسن النية»، لكن توافق مصالح واشنطن مع مصالح نظام صنعاء يفضي بالضرورة إلى تقسيم اليمن وعرقنته وصوملته.. حيث لن ينال نظام صالح الرضى الأمريكي ما لم يظفر برأس أنور العولقي ،على الأقل، الذي يحتمي بقبيلته «العوالق» التي تعد أعظم القبائل اليمنية وأعرقها وأوسعها انتشاراً في الجنوب، وينتمي إليها رئيس الوزراء الحالي علي محمد مجور، وبالتالي سيكون الرئيس صالح فتح على نفسه جبهة شعبية وقبلية جديدة مع الانفصال لن تبقي للوحدة السياسية أي معنى، ناهيك عن انضمام أعداد هائلة من الاسلاميين متوسطي التشدد إلى صفوف الحراك.. من جانب آخر تعد المعارضة الإسلامية المتمثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح (اخوان)، هي الأقوى حضوراً في عموم اليمن ولها سوابق تحالف مع نظام صالح، وأقرب المعارضين إليه، لكن التقارب الأمريكي اليمني يتطلب (كما هو واضح في التصريحات الأمريكية) قيام نظام صالح بإقصاء ما تبقى من الإسلاميين المقربين من النظام وعلى رأسهم الداعية عبدالمجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان، وإضعاف من يوصف بأنه الرجل الثاني في النظام القائد العكسري علي محسن الأحمر الذي يتمتع بشعبية عريضة لدى الجيش والقبائل والإسلاميين، بالإضافة إلى قيام النظام بمحاربة كافة المؤسسات الدينية والتمويلية للإسلاميين لتجفيف منابع الإرهاب المحتمل. وبذلك يكون النظام قد خسر نصفه الأقل سوءا ودخل مواجهة جديدة هي الأكبر، ولا مقارنة بينها وبين جبهة الحوثي والحراك، وكل ذلك في سبيل الحصول على الدعم الأمريكي المزعوم. ختاماً، على الولاياتالمتحدة تجنيب اليمن خيرها وشرها إن هي أرادت «يمن موحد ومستقر» كما تزعم، إذ لن تنقذ اليمن أي 200 مليون دولار أو أكثر، مقابل فرض وصاية تؤدي بالضرورة إلى نتائج عسكية لمرادها المعلن.. وعلى النظام اليمني أن يعلم أن الخارج لن يهدأ شيئاً في الداخل الثائر العازم على التغيير، ولو حصل المواطن على أبسط حقوقه لما استطاع أي خارج، سواء كان في طهران أو في واشنطن أو غيرهما التدخل في اليمن. * كاتب وصحافي يمني