ليفربول يخطط لضم خليفة قائده    رسميًا.. نجم مانشستر سيتي إلى إيفرتون    جوارديولا كلمة السر.. دوناروما يتفق مع مانشستر سيتي    اكتشاف حفرية لأصغر نملة مفترسة في كهرمان عمره 16 مليون سنة    القوات المسلحة اليمنية: استراتيجية الردع والمواجهة في البحر الأحمر    مخطط صهيوني لتهجير سكان غزة في جنوب السودان    سلة لبنان آخر المتأهلين إلى ربع نهائي آسيا    إنريكي: الأعذار مرفوضة.. والضغوط لا تقلقنا    بعد اعتماد قائمته رسميّا.. الاتحاديون يزكون سندي    كالكاليست: ميناء إيلات يبدأ بترحيل عماله    تقرير بريطاني يكشف دور لندن في دعم مجازر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة    المقالح: العيش على شتيمة الماضي إفلاس وخسران    عدن .. المالية توجه البنك المركزي بجدولة المرتبات والحكومة تلزم الوزرات بتوريد الفائض    مجلس وزراء الشؤون الإجتماعية يتخذ جملة من القرارات للإرتقاء بعمل القطاعات    الوزير الزعوري يطّلع على أنشطة نادي رجال المال والأعمال بالعاصمة عدن    جورجينا تعلن موافقتها على الزواج من رونالدو وتثير ضجة على مواقع التواصل    السقلدي: هناك من يضعف الجميع في اليمن تمهيدًا لاحتوائهم    مكتب رئاسة الجمهورية ينظم دورة تدريبية حول مهارات التفاوض واختلاف الثقافات .    تضليل وكذب وافتراءات    ندوة وفعالية احتفالية في مأرب بمناسبة اليوم العالمي للشباب    وزير الصحة يطّلع على التجربة الصينية في التحول الرقمي والخدمات الصحية الريفية    من يومياتي في أمريكا .. أنا والبلدي*..!    - السلع العمانية والسعودية تواجه صعوبات في الأسواق اليمنية    واشنطن تدرس فرض عقوبات على مسؤولين في مناطق الشرعية بتهم فساد وتهريب أموال    عن فساد النخب الذي التهم اليمن في زمن الحرب    - صنعاء ترد على نص احاطة المبعوث الاممي وتهتمه بعدم الحيادية وعدم ادانته للانفصال السياسي وتدرس انهاء عمله!    حل مشكلة كهرباء المكلا.. طرد النخبة وحبرشة الساحل (وثيقة)    عظيم يرثي عظيم    عدن شهدت انطلاقة كرة القدم قبل 125 عاماً على يد "فتيان الثكنات"    إحاطات في مجلس الأمن تندد بالتصعيد الحوثي وتؤكد على أهمية دعم الحكومة اليمنية    مناقشة الوضع التمويني لمادة الغاز وتلمس احتياجات المواطنين في ذمار    فريق طبي مصري يستخرج هاتفا من معدة مريض    العراسي: محطة فاشلة لتوليد الكهرباء في الحديدة أطلقوا عليها اسم "الحسين" وألواحها إسرائيلية    الهيئة النسائية تدشن فعاليات المولد النبوي في المحافظات الحرة    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    تعز: وفاة 3 اطفال جراء انهيار صخري وصواعق رعدية    حملة ميدانية في مديرية صيرة بالعاصمة عدن لضبط أسعار الأدوية    مأرب: صمام أمان الجمهورية في وجه مشروع الحوثي الإمامي    مليشيات الحوثي تدمر المعالم الثقافية في الحديدة وتحوّلها لمصالح خاصة    وزارة الإعلام تدشن خطة التغطية الإعلامية لذكرى المولد النبوي    منسقية انتقالي جامعة حضرموت تناقش تقارير الأداء للنصف الأول من العام الجاري    مساعدات إماراتية تنتشل شبوة من أعباء حرب الخدمات    مكتب الزكاة بذمار يستعد لتدشين فعاليات ذكرى المولد    أهلي تعز يهزم التعاون ويتصدر مجموعته في بطولة بيسان    50 شهيدا بقصف منازل واستهداف منتظري المساعدات في غزة    الصين تعلّق الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية لمدة 90 يومًا    القوات الروسية تستهدف المجمع الصناعي العسكري ومراكز تصنيع الطائرت الأوكرانية المسيرة    الأرصاد يتوقع هطول أمطار متفاوتة الشدة ويحذر من العواصف الرعدية    عاجل.. وحدات الدعم والإسناد الحربي بالقوات الجنوبية تدك تجمعات حوثية شمال الضالع    ورشة عمل تشاورية لتعزيز الوصول الشامل للأشخاص ذوي الإعاقة إلى المرافق الخدمية    لماذا يستهدف وزير الإصلاح "حيدان" كفاءة عدنية عالية المهارة والإخلاص    مركز تجاري في عدن يعرض تخفيضات هي الأقوى والأرخص ولم تشهد عدن واليمن مثل هذه التخفيضات منذ سنوات    النائب العام يوجه بحملات مشددة لمراقبة أسعار الأدوية وضبط المخالفين    فيديو وتعليق    اكتشاف مستوطنة نادرة على قمة جبل في بيرو    بهدف معالجة الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها القطاع الصحي.. رئيس مجلس الشورى يلتقي وزير الصحة والبيئة    مرض الفشل الكلوي (16)    وصية الشهيد الإعلامي أنس الشريف ابن فلسطين درة تاج المسلمين توجع القلب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم .. والانطلاق نحو العالم الأول

الجميع متفقون على أن التعليم ضرورة وشرط أساس انطلاق الأمة العربية نحو العالم الأول، وليس هناك قضية أو قطاع يُجمع الناس على أهميته مثل قضية التعليم، وهو في الوقت نفسه محل سخط وانتقاد وتذمر حتى من العاملين والمسئولين في مجال التعليم العام أنفسهم. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا هذا التناقض أو الفجوة بين الاعتراف بأهمية التعليم ومستواه المتدني؟ أي كيف يكون مهماً ولا يلقى الاهتمام الكافي من الإصلاحات الجوهرية والعزيمة الصادقة في تنفيذ ما يجب عمله؟
أنه أمر غريب أن تؤكد الخطط والاستراتيجيات وبرامج الحكومات العربية على الارتقاء بالتعليم وتطوير الموارد البشرية، وأن تخصص مليارات من الريالات لتحقيق هذا الهدف، ومع ذلك ما زال التعليم حاطاً رحاله في محطة واحدة دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بالانتقال إلى مرحلة تطويرية متقدمة. بل إنه يتراجع عاماً بعد عام في جودة البيئة المدرسية وقاعة الدراسة ومستلزماتها المادية والمعمارية، وكذلك في جانب المنهجية وأساليب وتقنيات التعليم والتقويم، وبما ينعكس سلباً على العملية التعليمية ومستوى الطلاب والطالبات الفكري والنفسي. لقد أمسى التعليم في وضعه الراهن وبجميع جوانبه المادية والمنهجية لا يتناسب مع متطلبات المرحلة وما يكتنفها من متغيرات كبيرة وسريعة ومستجدات تقنية وسياسية واقتصادية وثقافية. هذه التغيرات الضخمة خلقت عالماً جديداً مبنيا على الإبداع والابتكار وإدارة المعرفة وبناء الخبرة وسرعة التكيف وخوض تجارب جديدة والإعداد للمستقبل. ومن ثم فهي تتطلب أفراداً مبدعين ومفكرين وحلالي مشاكل بتعليم مستمر. لم يعد يقاس التعليم بما يتحصل عليه الطالب والطالبة من معلومات، وما يستطيع حفظه عن ظهر قلب ولا حتى فهمه للمسائل الرياضية والفيزيائية والمعادلات الكيماوية، وإنما رفع قدرة الطالب والطالبة على توظيف هذه المعلومات في فهم ما يدور حوله وتطوير فكره ودفعه نحو المزيد من التعلم وجعله أكثر جسارة في استكشاف العالم من حوله. إن تقنيات الاتصال والمعلوماتية جعلت من السهل الحصول على المعلومة ولم يعد المعلم المصدر الوحيد؛ ما يجعل من المهم إدراك الدور الجديد للمعلم كميسر ومحفز للتعلم وناقل للخبرة والتجربة. المعلم المتميز هو من يجعل طلابه يستشعرون المعلومة ويقتربون منها ويفهمونها وتكون جزءاً من ذواتهم وليس دفعهم بالتهديد والتخويف لحفظ أكبر قدر من المعلومات. هكذا فقط تكون المعلومة مفيدة وممتعة وتبقى مدى الدهر؛ لأن الشعور ينحفر داخل الوجدان ولا يزول كما تزول المعلومة التي حفظت من غير إدراك أهميتها وفهمها في سياق الواقع والفائدة المرجوة منها. ولذا فإن مهمة المعلم العربي - اليوم - هي استكشاف قدرات الطلاب والطالبات وتوجيههم نحو تطوير قدراتهم وإمكاناتهم. وعندما يحقق الطالب ذاته ويعرف ما يستطيعه وما لا يستطيعه، يكون أكثر تحكماً وأوضح رؤية فيما يود تحقيقه فيندفع على بينة من الأمر وبإدراك تام فيما يسعى لتحقيقه.
إن أعظم خطأ حدث في التعليم - في تقديري - هو تكريه الطلاب والطالبات في العلم والتعلم والمدرسة وأنه شر لابد منه. والدليل على ذلك سلوكيات الطلاب بعد الامتحانات النهائية وكيف يمزقون الكتب ويرمونها في مكب النفايات وكأنهم ينتقمون منها! والحقيقة لا أحد يلومهم على هذا التصرف فهم أناس قد أُجبروا على تلقي المعلومات بطريقة تعسفية واستفزازية لا تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم الكبيرة التي حباهم الله بها. وعندما تكون المعلومة خارج الذات تكون غريبة، وكأنما طلب من الطلاب وضع الكتب فوق رؤوسهم وحملها طوال الفصل الدراسي؛ بل إن الإحساس النفسي الذي يتولد داخلهم وحالة الإحباط في أنهم يقرأون ما لا يعتقدون أنه مفيد أو غير مفهوم أعظم بكثير. هذه الفجوة بين التعليم والتعلم سببها في تقديري المعلم الذي اتخذ من مهنة التدريس وظيفة للعيش، وليس لإحداث تغيير في أفكار وميول وتصرفات الطلاب. ونتيجة لذلك تولدت ثقافة لدى مجتمع الطلبة في أن القصد من التعليم هو الحصول على شهادة تؤهل لدخول الجامعة وحسب. وإذا كان كذلك فلا بأس من الحصول على أعلى درجة بأقل جهد وبشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة. هكذا انطفأت جذوة الدافعية الداخلية نحو التعلم وحب الاستكشاف والرغبة في البحث عن الأفضل. لقد أصبح كل من الطالب والطالبة مبرمَجاً على سلوكيات في قوالب جامدة ليتخرج من التعليم العام، إما حاقداً بنفسية مريضة، أو خجولاً لا يقوى على الحديث والتعبير عن أفكاره. هذه البرمجة للسلوكيات والتعامل الصارم مع الطلاب مرد ذلك إلى عجز المعلم وتدني مستوى معلوماته وثقافته، واعتقاده الخاطئ أن ذلك يمنحه الاحترام والتقدير. وما التطرف والعنف المشين الذي نشهده في مجتمعاتنا العربية إلا بسبب هذا الأسلوب العقيم الذي حول العملية التعليمية برمتها إلى تحدٍ بين المعلم والطالب، واختزلها في السيطرة والإكراه وممارسة السلطة بطريقة فجة؛ فبدلاً من أن ينهض المعلم بطلابه ويرفع من معنوياتهم وثقتهم بنفوسهم كمربٍ وقدوة، نجده يهبط بهم إلى أدنى مستويات التعامل الإنساني وهو عدم احترام ذوات الناس وإنسانيتهم مخالفاً لقول الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ".
إن العملية التعليمية تحتضر.. وتحتاج إلى تدخل سريع يستأصل من يُسيء إليها، بل إن ذلك يضر بعملية التنمية الوطنية، ويهدد استقرارنا واقتصادنا؛ لأنه كما يكون التعليم يكون المجتمع. ولابد من وضع رؤية جديدة وفلسفة للتعليم مبنية على تطوير قدرات الطلاب والطالبات وتعليمهم كيف يفكرون، وليس فقط كيف يحفظون المعلومات. هذا يستلزم بناء مدارس نموذجية مريحة وممتعة، كما يتطلب إجراءات نظامية صارمة ورشيدة فيما يتعلق باختيار المعلمين ومديري المدارس، مع ضرورة بناء نظام فاعل لتقويم أداء المعلمين يقوم على الإبداع في التدريس والقدرة على تطوير مهارات الطلاب على التفكير النقدي والتعبير الواضح والجسارة في طرح الأفكار، إضافة إلى أهمية تأسيس نظام تدريبي متطور موجه نحو الارتقاء بتفكير وميول وسلوكيات المعلمين، وحفزهم على النظر إلى المستقبل والمساهمة في إعداد جيل قادر على تحمل مسؤولية الحفاظ على المكتسبات الوطنية. وجميع ذلك لا يتأتى لطلابنا وطالباتنا إلا إذا تحولنا من تلقينهم إلى تعليمهم كيف يتعلمون.
- أستاذ الإدارة الحكومية- جامعة الملك سعود- الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.