تستعد منظمة حقوقية أميركية مستقلة لمقاضاة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في حال زار الولاياتالمتحدة بغرض العلاج. وقالت منظمة «مركز الحقوق الدستورية» إنها ستستند إلى قانون أميركي «في تقديم الرئيس اليمني إلى العدالة بسبب جرائم ضد الإنسانية ارتكبها في حق الشعب اليمني»، وفق ما قال الناشط الأميركي من أصل يمني إبراهيم القعطبي في نيويورك. وأوضح القعطبي ل «الحياة» أن في الولاياتالمتحدة قانون «المسؤولية التقصيرية للأجانب» العائد إلى القرن الثامن عشر «والذي يخول اليمنيين الأميركيين أو اليمنيين المقيمين في الولاياتالمتحدة مقاضاة علي صالح أمام محكمة مدنية أميركية». ووفق القانون يمكن مقاضاة حاملي الجنسيات الأخرى في الولاياتالمتحدة على جرائم ارتكبوها خارج الأراضي الأميركية، إذا ما خالفت المعاهدات والاتفاقات الأميركية كجزء مما يسمى «قانون الأمم». ويستخدم هذا القانون في محاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الأجانب منذ العام 1980 في الولاياتالمتحدة «بعدما نبش مركز الحقوق الدستورية هذا القانون القديم وأعاده إلى الحياة العام 1979» وفق ما أوضح القعطبي. وبالنسبة إلى الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول أمام القضاء، قال القعطبي إن صالح «لا يمارس صلاحياته الرئاسية بناء على الاتفاق الذي وقعه في ضوء مبادرة مجلس التعاون الخليجي، ما يعني أن الحصانة لا تنطبق عليه». وشدد على أن صالح «ارتكب جرائم ضد الإنسانية خلال عمليات قمع الثورة في اليمن وهو تخلى عن السلطة ويمكن مقاضاته على جرائمه». واعتبر أن منح الولاياتالمتحدة الرئيس صالح حق المجيء إلى أراضيها «سيكون بمثابة رسالة سيئة للولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي والعربي خصوصاً في فترة الربيع العربي». وأضاف أن «استقبال الديكتاتوريين الذين ارتكبوا جرائم في حق شعوبهم سيحرك الرأي العام الأميركي أيضاً لأن الكثير من الجمعيات الحقوقية ستتحرك فضلاً عن الإعلام الأميركي». وتوقع القعطبي أن يتظاهر يمنيون أميركيون أو مقيمون في الولاياتالمتحدة أمام البيت الأبيض احتجاجاً على مجيء صالح «في حال إعطائه تأشيرة دخول»، واعتبر أن الإدارة الأميركية «سترتكب خطأ في حال سمحت له بالمجيء». من جهة ثانية دكرت رويترز أن طلب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح السماح له بزيارة الولاياتالمتحدة يظهر أنه ربما يكون استسلم الآن لفكرة التخلي عن السلطة بعد احتجاجات استمرت لأشهر لكنه لا يضمن له الحصانة من المحاكمة التي ينشدها مقابل تنحيه. ودكرت أن واشنطن تبحث ما إذا كانت ستمنحه تأشيرة للعلاج لكنها لا تريد ولا تستطيع إيواء صالح على أراضيها لفترة طويلة. ويسود اعتقاد متزايد بين الخبراء بأن الحكومة اليمنية المستقبلية ربما تجد في نهاية المطاف أن التعهد بالعفو عن الرئيس يثير انقسامات تعطيها حق مخالفة هذا البند من الاتفاق الذي تريد السعودية والولاياتالمتحدة تطبيقه لتنحية صالح عن الحكم. وقال ابراهيم شرقية المتخصص في حل النزاعات بمركز بروكنجز الدوحة عن سعي صالح للذهاب للولايات المتحدة «أعتقد أن صالح يدرك أن المسألة منتهية بالنسبة له شخصيا وهو يعمل على الرحيل. «لا يريدون التعامل مع تداعيات هذا وهو وجوده على أراضيهم ويدركون المشاكل المصاحبة للعفو». وأضاف «أيا كانت الترتيبات الآن فانه سيكون هناك اتجاه يطالب بمحاكمة صالح». وأعلن صالح خطته لزيارة الولاياتالمتحدة الاسبوع الماضي بعد أن قتلت قواته تسعة محتجين يطالبون بمحاكمته لقتل مواطنين يمنيين خلال نحو عام من الاحتجاجات الحاشدة التي استهدفت الاطاحة به بعد ثلاثة عقود في الحكم. وقتل مئات المحتجين على أيدي وحدات يقودها أبناء صالح وأبناء إخوته منذ بدء الانتفاضة ضده في يناير كانون الثاني الماضي ويتعارض مطلب المتظاهرين بمحاكمته مع العنصر الرئيسي في المبادرة الخليجية التي وضعت لتنحيته عن الحكم. وبموجب المبادرة التي أيدها قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودعمتها واشنطن التي مولت صالح طويلا بوصفه شريكا مهما في حملتها «ضد الإرهاب» باليمن يتخلى الرئيس اليمني رسميا عن صلاحياته لنائبه. ويحتفظ صالح بلقب «رئيس الدولة» إلى أن تجري انتخابات الرئاسة لاختيار خليفة له في 21 فبراير شباط. وجاءت أعمال العنف التي وقعت في الآونة الأخيرة فيما فتحت وحدات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي ويقودهما ابن صالح وابن أخيه على التوالي النار على عشرات الآلاف من المحتجين الذين اقتربوا من مجمعه الرئاسي في ختام مسيرة استمرت لأيام وانطلقت من تعز للمطالبة بمحاكمته. وتزامن هذا التحرك نحو مقر صالح مع بدء ما سماه بعض اليمنيين «ثورة موازية» حيث يستهدف تحركا عماليا أقارب صالح والموالين له في المؤسسات الحكومية الرئيسية مما يقوض سيطرته على السلطة. وفي الأشركة الخطوط الجوية اليمنية الحكومية ردا على إضراب للعاملين الذين طالبوا بإقالة رئيسها عبد الخالق القاضي وهو صهر صالح. وفي الأيام التالية واجه المعينون من قبل صالح انتفاضات في حرس السواحل والأكاديمية البحرية وكلية الطيران وشرطة المرور ووحدة تدريب تابعة للجيش ووكالة الأنباء الرسمية ومقر للأمن بصنعاء استدعى قائده مسلحين في ملابس مدنية لإطلاق الرصاص على مرؤوسيه الذين طالبوا بإقالته. وظهر طلب صالح الحصول على تأشيرة دخول الولاياتالمتحدة للمرة الأولى الشهر الماضي حين وقع اتفاق نقل السلطة لكن منشقا عن نظام صالح يقول أن التحديات التي واجهتها شبكة نفوذه بالمؤسسات الحكومية في الآونة الأخيرة ربما جعلت الزيارة أكثر إلحاحا. وقال عبد الله السعدي (نائب) مندوب اليمنبالأممالمتحدة سابقا الذي استقال من منصبه في مارس اذار بعد مقتل عشرات المحتجين دفعة واحدة «هناك ثورة الآن داخل مؤسسات الدولة المختلفة. «العمال يتمردون على الإداريين الذين عينهم صالح... هناك ثورة تمتد إلى هذه المؤسسات وتسيطر سلميا». وأثار طلب حصول صالح على تأشيرة موجة غضب في الدوائر السياسية بواشنطن وبين صانعي الرأي بما في ذلك مجلس تحرير صحيفة واشنطن بوست. وأشارت الصحيفة إلى الغضب الذي سببه السفير جيرالد فيرستاين حين وصف مسيرة تعز بأنها عمل استفزازي قبل ان تفتح القوات النار على المحتجين وقالت أن التأشيرة ستمنح لجوءا ضمنيا لصالح مما يلهب الموقف «تماما مثلما غضب الطلبة الإيرانيون حين وافقت الولاياتالمتحدة على استقبال الشاه للعلاج عام 1979». ويقول مراقبون ان الاعتبارات القانونية بعيدا عن نفور الولاياتالمتحدة من حليفها السابق تجعل احتمال بقاء صالح على الأراضي الأمريكية لفترة طويلة غير مرجح. وكانت صحيفة يمنية قد ذكرت نقلا عن مسؤولين لم تكشف عن أسمائهم قولهم إن صالح وعددا كبيرا من أقاربه سيستقرون في أبو ظبي. وتواجه واشنطن مزيدا من التشويه لصورتها بسبب مسألة منح صالح الحصانة دون حسم لوجهته النهائية. وصورة الولاياتالمتحدة سيئة بالفعل بين اليمنيين بسبب استخدامها طائرات بدون طيار وصواريخ لقتل أعضاء مزعومين بتنظيم القاعدة. ورفض محمد الباشا المتحدث باسم السفارة اليمنية في واشنطن ردا على أسئلة من خلال موقع تويتر للتواصل الاجتماعي تحديد عدد التأشيرات التي ستحتاجها حاشية صالح لكنه أكد أنه سيزور الولاياتالمتحدة بصفته رئيس دولة. وكتب الباشا يقول ان صالح لم يتخل عن كافة صلاحياته التنفيذية وان الانتقال الكامل سيكون بعد 21 فبراير شباط. ويقول مايكل هانا زميل مؤسسة (ذا سينشري) وخبير القانون الجنائي والعدالة الانتقالية إن من المرجح أن يحمي هذا الوضع صالح من أي تحرك قانوني خلال وجوده بالولاياتالمتحدة ولكن ليس بعد أن يفقد وضعه الحالي. وأضاف «قدومه إلى الولاياتالمتحدة من عدمه لا يصادر على أي عمليات محاسبة مستقبلا.