قبل أيام فقط من انعقاد ما يسمى "مؤتمر الحوار الوطني الشامل" في اليمن والذي من المنتظر أن يغير من شكل الدولة اليمنية ويقر مستقبلها في مرحلة انتقالية حرجة التأثير فيها للوصاية الدولية وللقوى الخارجة على القانون، وهذا ما يشكل خطراً على مستقبل اليمن، بحسب رأي الكثير من المراقبين.. ويرى هؤلاء لنشوان نيوز إن من أهم الدلائل على أن التأثير في مؤتمر الحوار سيكون للقوى الخارجة على القانون والمشاريع الصغيرة، هو أن التجمع اليمني للإصلاح كحزب سياسي من أقصى اليمن إلى أقصاه وبكل ما يحدثه من ضجيج يُمثل في المؤتمر بأقل من 10% من الأعضاء وهو ممثل لرأي الأغلبية، بينما تُمثل الحركة الانفصالية في الشمال والجنوب بما يزيد عن 20% ويمثل الحزب الاشتراكي اليمني والأحزاب الإمامية مع حلفائها من المؤتمر الشعبي العام بما يزيد عن 20%. وكلها متحالفة. وإذا كان الحزب الاشتراكي اليمني قد أقنع التجمع اليمني للإصلاح بالفيدرالية التي أشارت إليها بعض الصحف وكشف عن جزء منها الرئيس عبدربه منصور هادي، فإن ذلك حسب ما يرى الكثير من المراقبين خطوة نحو التمزيق، حيث تُعرف الفيدرالية بالكثير من التعريفات منها ما يلي: 1- الفيدرالية: بناء دول داخل دولة، وإذا كانت الدولة المركزية ضعيفة، فإن ذلك يعني التشطير شبه المباشر. 2- الفيدرالية: خطوة للتوحد بين أكثر من دولة، وخطوة للتمزق داخل الدولة الواحدة. 3- عادة ما تكون الفيدرالية في الدول المركبة التي تتعدد فيها الأعراق واللغات.. والكثير من الدول الأوروبية، وبينها أسبانيا وأيطاليا، الآن معرضة للتمزق رغم تقدم تلك البلدان عن اليمن عشرات السنين.. وبالنسبة لليمن فقومية ولغة وشعب واحد وأرض واحدة عمرها آلاف السنين.. وجميع الدويلات التي قامت في عصور الانقسام والانحطاط في عهود الاحتلال الإمامي أو الاستعمار البريطاني، كلها كانت في إطار الهوية اليمنية الواحدة. وإقامة الفيدرالية تعني بناء هويات وبلدان داخل اليمن تمهيداً للتمزيق. وإذا كانت أصوات الانفصال تتعالى في ظل ثورة شعبية ودولة واحدة، فكيف سيكون الحال عندما تكون الأقاليم جاهزة بحكوماتها وبرلماناتها. خصوصاً أن هناك بعض القوى الدولية لها مطامع في أجزاء من اليمن؟. دوافع الفيدرالية تقوم الفيدرالية على افتراض أن المشكلة هي في الوحدة الوطنية لا في الفساد، وهذا تشخيص غير سليم وضعته قوى سياسية ناقمة جراء خروجها من السلطة وهي الحزب الاشتراكي اليمني والأحزاب الحوثية الإمامية، حيث تعجز المشاريع الصغيرة عن الاستيلاء على الكل فتتحول إلى التقوقع في بعض المناطق التي ما تزال تملك نفوذاً فيها، كما هو حادث في صعدة وما جاورها.. لعنة الأجيال ويقول الباحث السياسي حارث الشوكاني مسؤول التخطيط السياسي في التجمع اليمني للإصلاح سابقاً، إن التنظيم الإمامي "هو من تولى قيادة الأحزاب اليمنية وهيمن عليها بخطابه السياسي الذي إستهدف وحدة اليمن السياسية والوطنية معاً. وهو من روّج أن إشكالية اليمن في الوحدة اليمنية بدلاً من التشخيص العلمي لحقيقة المشكلة في اليمن بأنها كامنة في الفساد، وطرح هذا التنظيم فكرة الفيدرالية لتجزئة اليمن، وروّج لفكرة الحوار الوطني كآلية لتنفيذ مشروعه التآمري على الوحدة اليمنية بحيث يتم عبر هذا المؤتمر تغيير دستور البلاد من دستور وحدوي إلى دستور فيدرالي يقسم اليمن إلى دولتين (شمال - جنوب) كحد أدنى ، أو سبع دويلات كحد أعلى تحت تسمية مخادعة (الأقاليم)". ويضيف في تصريح سابق لنشوان نيوز إن "واقع اليمن يؤكد أن المشكلة في الفساد لا في الوحدة اليمنية وأن مؤتمر الحوار الوطني ينبغي على ضوء هذا التشخيص أن لا يمس الدستور اليمني بل يتجه إلى وضع خطة إدارية لحل مشكلة الفساد ووضع خطة إقتصادية لإخراج البلاد من أزماتها الاقصادية". وقال: "إذا إتجه مؤتمر الحوار الوطني كما تدل على ذلك كافة الأطروحات إلى المساس بالدستور الحالي بصيغته الوحدوية ووضع دستور جديد يلغي الوحدة اليمنية ويقسم اليمن إلى سلطنات ومشيخات ودويلات بعدد مدنها ونواحيها تحت شعار الفيدرالية أو اللامركزية فإن هذا الاتجاه سيكون بمثابة خيانة وطنية عظمى ترتكبها الأحزاب السياسية في حق هذا الوطن، وستكون هذه النخبة السياسية التي ستجتمع في مؤتمر الحوار الوطني والتي أفسدت حاضر هذا الشعب قد أفسدت مستقبله أيضاً عبر إلغاء الوحدة اليمنية وستحل عليها لعنة الأجيال القادمة". إعداد مسبق والسعودية تاليا أما الكاتب والباحث مهدي الهجر، فيقول: "يعصرني الألم كثيرا عندما أسمع من بعض من نطلق عليهم رموزا أو تجمعهم كلمة النخبة وهم يُحَسِّنون الفيدرالية ويبشرون بجناتها المستقبلية وأنها العاصم والسبيل الذي ليس منه بأس".. "كان الناس ينفرون من كلمة الفيدرالية أو حتى التفكير بها كخيار أول، لكن بعد أن ظل هذا المثقف الحيوي وذاك السياسي المتوهج يكتبون ويطرحون ويناقشون تطبّع الناس ثم استأنسوا". ويضيف الهجر إن "الفيدرالية في صورة الأقاليم أبعد وأشد عنها فيما لو كانت على أساس ولايات أو محافظات، فهناك حيز جغرافي حجزه إقليم، الامر هنا أقرب الى مكون سياسي بذاته له خصوصيته وظروفه ووضعه، ومع التقادم القريب ستكون هناك هوية تصنعها القوانين الداخلية المختلفة عن غيرها في الاقاليم الاخرى، وكذلك العادات السياسية والتقاليد الاخرى التي ستتجذر وتترسخ بدورها حتى تصنع نمطا مختلفا تماما، وسياجات وثقافات أخرى بين الاقاليم وبعضها". وقال في مقالة نشرها نشوان نيوز : "يبدو أن القوم قد استعدوا وأعدوا، فليس إلا الأقلمة أو الفيدرالية على هذا النمط الجديد، وأما خيارات أخرى فلم يك إلا الانفصال ومن ثم فالأمر ليس منه بد كأن تشرب الخمر في حال أنت مضطر كي تبقي على حياتك.. وإذا اليمن قُسمت وتفرقت على ما هو معدٌ الآن على الطاولة فإن التي تلي مباشرة هي المملكة السعودية فذات المخطط هو وعلى نفسها التناقضات الداخلية والأسباب، ولعل الجزار، وهو ذاته المخرج في جولته القادمة، لن يتعب كثيرا في الأبجدة والهندسة على الخريطتين الجغرافية والسياسية، فيكفيه سحب صورة لما سبق فقط وإجراء قليل من الرتوش والتعديلات إذا استدعى الأمر". واعتبر الهجر "إننا في مجتمع قياداته المختلفة متقلبة وبنت المزاج النفسي، ففي لحظة طيش أو في مقيل قات يمكن أن تصنع تحولات خطيرة. وعلى الاشقاء في العربية السعودية والدول العربية إدراك أننا الثور الابيض في حال تأقلمنا ومن ثم فليحرصوا على بقاء اليمن جسدا سويا وإلا فإن الوباء سيعم. وعلى الامريكي هو الآخر أن يعي وهو بمبضعه يؤقلمنا أنه بذلك يأتي على أمن بلاده على هذه الجغرافيا، فليس إلا فتنة تلد فتنا، وتركيم كراهية أخرى للأمريكي اللدود". وختاماً وعلى بعد إيام من الفيدرالية أو ما سيقره مؤتمر الحوار يجب أن يكون للصوت الوطني رأيه الفاصل، فيما ستقره النخب السياسية الحزبية والتي ستجلس على طاولة مع حركات التمرد والانفصال لإقرار مستقبل اليمن بإشراف أجنبي. مواضيع متعلقة: إلى الرأي العام اليمني قبل أيام من إعلانها.. فيدرالية الاشتراكي خطوة للتقسيم وأسبانيا أقرب الأمثلة إذا الأقاليم في اليمن.. فعند السعودية غداً تصورات اليمن الفيدرالي المقسم.. جدل وخلافات الأقاليم (صورة) الحوار الوطني.. مؤتمر الخيانة وتجزئة اليمن الدولة الفيدرالية.. حل ملغوم لواقع مأزوم