كانت المهمة الرئيسية التي اضطلع بها نظام الرئيس علي عبدالله صالح بعد قيام الوحدة السياسية اليمنية هي إضعاف وإقصاء كافة القوى الحية في اليمن، وكانت المسألة لديه مناطقية قبل أن تكون سياسية.. فقبل أن يزيح خصومه السياسيين سواء في الاشتراكي أو الإصلاح، قام بإزاحة وإقصاء أبناء المناطق الوسطى حتى وإن كانوا منضويين في حزبه. ويشكل أبناء المناطق الوسطى السواد الأعظم من السكان، وتضم هذه المناطق: تعز، إب، الحديدة، ريمة، عتمة ووصابين، البيضاء، ومأرب، وجزء من حراز.. وجميع هذه المناطق سنية بحته، ولا يميل سكانها إلى التمذهب، وإن كانت تنسب إلى الشافعية.. وباستثناء مأرب، فسكان المناطق الوسطى الذين يربو عددهم على 18 مليون نسمة، يميلون إلى السلم ويتميزون بالحياة المدنية، ويحترفون التجارة والزراعة والتعليم.. فجر أبناء المناطق الوسطى ثورة ال26 من ايلول/سبتمبر ضد الكهنوت الشمالي في صنعاء، وساندوا ثورة ال14 من تشرين الاول/أكتوبر في عدن، ولما سقط حكم الأئمة في صنعاء، وخرج الاستعمار من عدن استولت القبائل الزيدية على الحكم في صنعاء، وأعلنت دولتان في اليمن أحدهما في صنعاء والأخرى في عدن.. وبعدها سعى أبناء المناطق الوسطى والجنوبيون إلى توحيد اليمن، وكانت صنعاء ترفض الوحدة، ولما قدم الجنوب تنازلات كبيرة لصنعاء قبلت بالوحدة.. ومن هنا بدأ برنامج تدمير الثورة والجمهورية والوحدة بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح. ''' توهم نظام الرئيس صالح أنه محقق الوحدة اليمنية، وتواطأ الجميع معه في ذلك، سواء في الشمال والجنوب أو الوسط، وأصبح لديه اعتقاد أنه الوحيد القادر على الحفاظ أو على تدمير اليمن، ونجح في الأخيرة نجاحاً باهراً عبر مسلسل طويل. بدأ نظام صالح فور انتهائه من حرب 94 الذي أقصى من خلالها الشريك الجنوبي في الوحدة عسكريا بالتفكير بتحويل نظام الحكم الجمهوري الشوروي إلى نظام حكم 'جمهوملكي' والأخير يعني التوريث ولكن عن طريق الانتخابات.. وكان من أبرز أهداف التوريث هو الحيلولة دون أن يأتي من يكشف أوراقه للشعب ويصبح من يزعم نفسه زعيما للوحدة في مزابل التاريخ. من أجل الثوريث اتبع نظام صالح برنامجاً تدميرياً يتلخص فيما يلي: 1 القضاء على ثقافة الثورة. 2 الفتنة والدس الرخيص بين الأفراد والجهات والأحزاب والقبائل الوطنية في الجنوب والمناطق الوسطى. 3 التحالف مع مشاريع ما قبل الجمهورية، والمتمثلة في الإمامة الزيدية في صنعاء وبعض القوى العنصرية في الجنوب والشرق. 4 القضاء على التعليم من خلال تزوير التاريخ، وبناء المدارس وتحويلها إلى معاقل لإفساد الشباب الذين عادة ما كانوا هم عربة التغيير والنهوض. 5 إقصاء كل القوى والكوادر الحية الوطنية، وتحويلهم إلى 'أذلة'.. 6 إرضاء الأطراف الدولية العربية والغربية على حساب الوطن. 7 إضعاف الجيش، وذلك عن طريق شراء الأسلحة المتطورة وإعطائها لألوية بعينها، وتعيين قيادات فاسدة ومراهقة لقيادته. بالإضافة إلى إقصاء الضباط الذين ينتمون إلى المناطق الوسطى والجنوبية. 8 تشجيع قطاع الطرق وتجار السلاح وأمثالهم وإعطائهم مناصب عليا في الدولة، لتسهيل عملهم. ''' يقول صالح إن من حق ابنه كمواطن أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية.. ولا أدري كيف يمكن أن يكون أحمد علي عبدالله صالح، مواطن مثل غيره، وبيده كل إمكانيات الدولة وقيادة الجيش، ولو لم يكن ابن الرئيس لما كان اسمه في هذه السطور، ولقد أحسن المفكر الكبير هيكل عندما وصف جمال مبارك وأحمد علي صالح وأمثالهما بأنهم مواطنين من نوع 'سوبر'. لقد كان علي عبدالله صالح صادقاً في مقابلته الأخيرة مع قناة 'MBC' عندما قال إنه يخوض الحرب الأولى ضد الحوثيين، لأنه وخلال خمس حروب مضت كان في صفوفهم، ولولا شعوره بأن خطرهم بدأ يهدد كرسيه شخصياً، لبقي في صفوفهم، وهو الذي مكنهم من إفساد وتخريب اليمن قبل ذلك. علق أحد الجنود وهو من محافظة إب على الرئيس علي عبدالله صالح بأنه إذا قيل له أن فلان قطع الطريق في مكان ما، قال لهم: اعطوه سيارة، وإذا رفض اعطوه 'رتبة' وسيارة و'أرضية'. حراك المناطق الوسطى: شعر أبناء المناطق الوسطى بأن المزاحمة على المناصب والوظائف في الدولة ومحاولة إصلاحها لن تجدي، وتسبب الوضع المعيشي المزري في جعلهم يهاجرون إلى صنعاء ودول الذل والخليج، ليتفننوا في بيع الملابس وغسل سيارات الفاسدين.. وحينها تفنن صالح في استيراد أبناء عساكر الإمام الذين يقيمون في المناطق الوسطى وإعطائهم مناصب شكلية في الحكومة، ولهم كامل الحق في الإفساد وإهانة الرجال... وغير ذلك من الأساليب التدميرية للدولة والمجتمع. يشعر اليمانيون اليوم أن الأمور خرجت عن السيطرة، وأن أكثر من 3 ملايين من رجالهم القادرون على فعل شيء، يعذبون في بلدان الآخرين.. يشعرون أن بلادهم إلى الأسوأ، وأن أحلامهم التي كانت يجب ألا تموت.. يثق هولاء أن الهاتف النقال ليس من منجرات الرئيس علي عبدالله صالح.. يثق الآباء أن أبنائهم ليسوا أفضل منهم، وأن أحفادهم سيلعنونهم لتفريطهم ببلادهم وبوحدتهم. لقد تعلم أبناء المناطق الوسطى من كثير مما لم نذكره وبعض ما ذكرناه أنهم وحدهم حريصون على اليمن، وأن الوطن ووحدته مسؤوليتهم وحدهم، فهم حطب الفساد وحطب التشطير وحطب القبائل وحطب مملكة سنحان... ومن هنا فإن أبناء المناطق الوسطى لا يريدون الحفاظ على الأمن والاستقرار المزعوم، بل يريدون يمناً قوياً قادراً يجمع كل أبنائه، يريدون يمناً حضارياً ينافس أوروبا وأمريكا، ولا ينافس الخليج والعراق والصومال ومصر. إن حراك المناطق الوسطى قادر على التغيير عندما يتحد جزء من أبنائه، أقول جزء، لأني أثق بقدرة أهل هذه المناطق على الفعل.. فنحن لسنا كما يتوهم الرئيس ويصفنا الحراكيون في الجنوب.. وهاهو الرئيس علي عبدالله صالح يدفع اليوم ثمن استهانته بأبناء اليمن في الجنوب، وعلى أهلنا في الجنوب أن لا يستهينوا بنا، كيلا يدفعوا الثمن غالياً، كالذي يجب أن يدفعه نظام صالح. والمطلب الرئيسي لحراك أبناء المناطق الوسطى في اليمن هو نقل العاصمة إلى شبوة أو مأرب، أو حضرموت، أو عدن، أو تعز، وتسليم السلطة لرئيس من المحافظات الجنوبية أو الوسطى دون قيد أو شرط. أما إذا حاول النظام التهرب من هذا الخيار فإن الخيار الثاني هو الأسهل والأصلح، وينطلق من الحكمة الشعبية الشهيرة: 'دار معمور ولا قرية خراب'. وخلاصة هذا الهدف هو التنسيق مع الحراك الجنوبي لإقامة دولة يمنية حميرية حضارية تشمل المناطق الوسطى المذكورة أعلاه ومحافظات الجنوب والشرق، ودعم إقامة دولة زيدية في صنعاء ويشترط في الأخيرة ألا تحمل في اسمها ولا في صفتها اليمن.. وقد اقترح أحد الزملاء أن تسمى جمهورية أو مملكة 'بلاد الروس'! نسبة إلى إحدى المناطق المشهورة بزراعة القات.