أظهرت الأحداث الأمنية الأخيرة في مدن جنوباليمن، أنّ تنظيم "القاعدة" يفرض نفسه كأبرز التحديات في المناطق المحررة من مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وهو الأمر الذي يسهم بالتشويش على المعركة ضد الانقلابيين شمالاً، وقد يؤدي لمواجهة بين "المقاومة" والقوات الموالية للشرعية من جهة، وبين مسلحي التنظيم من جهة أخرى. وكانت عدن قد شهدت يوم الأحد الماضي، تطورين لافتين يحملان بصمات تنظيم "القاعدة"، تمثل الأول باغتيال مدير عمليات أمن عدن، العميد عبدالحكيم السنيدي، وبعد ساعات اغتيل قيادي في "المقاومة" والحراك الجنوبي يدعى حمدي الشطيري اليافعي. كذلك وقع هجوم على مكتب وكيل المحافظة أحمد سالم ربيع، في اليوم نفسه. أما يوم الإثنين، فأفيد عن إصابة نائب قائد سلاح المدفعية، العقيد عبدالحكيم علي صالح اليافعي، جراء محاولة اغتيال من مسلحين مجهولين، أثناء تواجده قرب جولة كالتكس في المنصورة أيضاً. واللافت في عملية اغتيال مدير عمليات الأمن تحديداً، أنها جاءت بعد تحذير "القاعدة" عبر منشورات من الانضمام للأجهزة الشرطية، وكذلك بعد أيام من نشر بدء تنفيذ خطة انتشار ل"المقاومة الجنوبية" في مدينة المنصورة التي وقعت فيها حادثة الاغتيال. وعلى الرغم من أن تنظيم "القاعدة" لم يتبنّ بصورة رسمية اغتيال السنيدي، إلا أن الحادثة مؤشر على احتمال وقوع تصادم قريب بين التنظيم وفصائل "المقاومة الجنوبية" التي أفادت مصادر قريبة من الحراك الجنوبي، بأن العديد من قياداتها عقدت اجتماعاً يوم الأحد في محافظة الضالع، لمناقشة تشكيل مجلس قيادة موحدة وكذلك تأمين محافظة عدنوالمحافظاتالجنوبية الأخرى. وخلال الأسابيع الماضية برز نشاط "القاعدة" في عدنوالمحافظاتالجنوبية على أكثر من صعيد، إذ أفاد سكان بأن مسلحي "القاعدة" انتشروا في بعض مناطق عدن، وهو ما نفته السلطات المحلية. وحسب مصادر متعددة تحدثت ل"العربي الجديد"، فإن مسلحي "القاعدة" ينتشرون في بعض مناطق مدينة الحوطة، مركز محافظة لحج، الواقعة شمال عدن. وكان واضحاً خلال الفترة الماضية أن دول التحالف العربي والسلطة الشرعية تجنبت الاصطدام بتنظيم "القاعدة" لتركيز المعركة ضد الحوثيين وصالح. وهو ما يظهر من خلال عدم تنفيذ عمليات ضد "القاعدة" في حضرموت التي سيطر التنظيم على مركزها، بينما سعت وجاهات وشخصيات محلية لإقناعه بالانسحاب من دون قتال. وتبرز أهمية ملف تصاعد أنشطة "القاعدة" في هذه المرحلة، من جوانب عديدة، أبرزها أن انتشار بعض مسلحي التنظيم جزء من حالة الفوضى في المدن المحررة من الحوثيين، الأمر الذي منع عودة السلطة الشرعية إليها وبات يتطلب تعاملاً حازماً، بنظر بعض المنتقدين. من جهة ثانية، فإن الحوثيين وصالح يعولون على "القاعدة" في أن يكون الورقة التي تساهم في خلط الأوراق وإشعال مخاوف الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه التحديد. من جهته، يرى خبير متخصص بشؤون "القاعدة" في اليمن، طلب عدم ذكر اسمه بسبب الظروف الأمنية، أن تصاعد نشاط "القاعدة" جنوباً قد لا يسهم بالضرورة بالمواجهة مع فصائل "المقاومة" الأخرى، وتحديداً من الحراك الجنوبي، وإنما قد يؤثر على المعركة في المحافظات الشمالية، إذ سيتجه التحالف لترتيب الوضع الأمني في الجنوب، على حساب التركز على المعارك ضد الحوثيين فيما تبقى من المحافظات الشمالية. ووفقاً للخبير نفسه، فإنّ خلايا "القاعدة" في عدن والعديد من المحافظاتالجنوبية كانت متواجدة في فترة الحرب مع الحوثيين الأشهر الماضية، إلا أن كثيراً منها لم يدخل الحرب بشكل مباشر، حتى لا تتعرض للاستنزاف، ولإدراكها أنها قد تكون الهدف المقبل بعد الحرب على الحوثيين. وحول ما يتردد عن وجود "تنظيم الدولة الإسلامية"، يوضح الخبير المتخصص في شؤون "القاعدة"، أن أنصار "داعش" يتواجدون بمجموعات محدودة انشقت عن "القاعدة"، مشيراً إلى أن الأخير يتخوف من مجموعات تنظيم "داعش"، لكون الأخير المنافس الوحيد الذي يستقطب من صفوف "الجهاديين"، ولم يستبعد أن يصل الأمر بينهما إلى المواجهة. ويعتبر مراقبون أن عدم عودة الرئيس عبدربه منصور هادي ونائب رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، خالد بحاح إلى عدن، بعد أكثر من شهر على تحريرها، أبرز مؤشر على استمرار التعقيدات الأمنية، إذ كان المسؤولون الحكوميون يرددون باستمرار أنهم سيعودون إلى عدن.