هو أحد أعلام اليمن وأبرز نخبها الثقافية والأدبية والنقابية ومن صفوة رجالها الوطنية ومن روادها الأوائل في القرن الميلادي الماضي. وهو من القامات اليمنية الكبيرة وبحجم بلادنا اليمن كلها.. وقد كان شاعرا فذا وأديبا أريبا وكاتبا موهوبا وصحفيا قديرا ومثقفا كثير الاطلاع واسع الأفق كما كان وطنيا بامتياز ومناضلا جسورا، سخر ووظف قلمه وقدراته وملكاته وشعره ووقته وجهده من أجل قضية شعبه ووطنه وفي سبيل يقظتها وحريتها ولم يكن يخشى في هذا السبيل شيئا مهما كان الثمن وهذا ما يفسر لنا كثرة أيام سجنه في عهد الاحتلال البريطاني. وكان حنبلة وحدويا من النخاع إلى العظم في زمن ساد فيه التشطير والتفرق والانقسام ولكنه كان من القلائل الذين تعالوا بمقاماتهم العملاقة فوق كل ذلك الركام المتشظي فكان مع قضايا شعبه متفاعلا معها منفعلا لأجلها حيثما كانت على التراب الوطني اليمني. وها هو مثلا بعد ثورة الدستور في سنة 1368ه/ فبراير 1948م يدعو الشباب اليمني ويحرضهم ويهيب بهم كي يندفعوا في طريق الحرية ومحاربة الاستبداد والظلم ونحو الإصلاح الشامل للبلاد فيحمسهم قائلا: أيها الشبان هبو .. هاهو الشعب ينادي أيها الشبان لبوا .. والبسوا ثوب الجهاد وانشدوا الحق مرارا .. بصمود وعناد شعلة الإيمان لا .. ترضى بذل واضطهاد وللشاعر إدريس حنبلة لوحة شعرية أخرى لا تقل روعة عن سابقتها وفيها ينادي ويحرض على الثورة ضد الاستعمار البريطاني فيقول ساخرا من «علم الاحتلال»: لا تقل هذا علم .. إنه رمز الظلم صلبت فيه شعوب .. مزج اللون بدم فإذا الروح أنين .. وإذا الجسم ألم ما تعودنا رضوخا .. ما أشعناها «نعم» وانتضينا كل حرف .. هادر من كل فم سنثير الحرب رأيا .. عارما بين الأمم ونزيل العار حتى .. ينمحي ذاك العلم ونفسية شاعرنا الفياضة بروح الإيمان والمترعة بالوحدة وبروح الثورة على الاستبداد والظلم والمفعمة بشذى الوطنية وأريج النضال والكفاح والمقاومة نجدها تعبر عن نفسها بصورة تلقائية لأن كل ذلك مغروس في أعماقه حتى لكأنه ارتضعها مع اللبن في مهده وذلك هو ما عكسه شعره السابق ذكره كما تعكسه هذه الأبيات التي جادت بها قريحته الشعرية وهو يحيي ثورة 26 سبتمبر فقال: فجر شعورك زلزالا وبركانا ودس على الظلم أشلاء وجثمانا ودوها صيحة في الكون صاخبة مات الطغاة وعاش الشعب سلطانا مات الذين أجاز الله لعنتهم في محكم القول إنجيلا وقرآنا تحطم القيد لا تخش الهوان فقد ولدت حرا وصرت اليوم إنسانا يا ثورة هب من جرائها «نقم» معانقا صنوه المحبوب «شمسانا» تحية من صميم القلب صادرة للثائرين سمت أرواحهم شأنا من خلدوا لتراث العرب مفخرة تبقى مدى الدهر أجيالا وأزمانا وفي الختام هذه نبذة مختصرة من السيرة الذاتية لشاعرنا استقيتها كما استقيت بعضا مما سبق عنه آنفا من مقال للأستاذ محمد محمود أحمد بعنوان «أجراس الحرية في ذكرى إدريس حنبلة» في صحيفة الأيام (4664 -18/12/2005م). ولد إدريس أحمد حسن حنبلة في 7/12/1922م، خلف 6 دواوين شعرية ضمت قصائده الوطنية والوجدانية وذكرياته الأثيرة مع الحياة والأصحاب وصدرت مجموعته الكاملة في ديسمبر 2004م. قال عنه الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة: «إن في شعر إدريس الوطني لمواقف سيحتاج إليها -بلا شك- من يؤرخ لتاريخ اليمن وخاصة في عهد الاستعمار الذي قاومه الشاعر إدريس بالقلم واللسان وعملية الاستنهاض والإثارة للروح الوطنية حين زج به في غياهب السجن مرات عديدة بلغت سنين عددا. توفي شاعرنا إدريس حنبلة في 20 ديسمبر 1991م.