* عندما يعلق رجال الدين على معصية أو جريمة ارتكبها فرد يرجعون ذلك إلى نقص " الوازع الديني" أو ضعف " الوازع الديني"، ويعيدون أسباب الممارسة الجماعية السيئة لظواهر اجتماعية سلبية إلى " ضعف الوازع الديني لدى المجتمع" وعندما تطلب آراؤهم حول الحلول يختصرونها بعبارة واحدة " تقوية الوازع الديني".. يقولون ذلك منذ زمن بعيد وإلى اليوم دون أن يحدث ذلك تأثيراً في الناس.. فهل الناس أو المسلمون غير ملتزمين بالدين ولا يستجيبون لقيمه الأخلاقية ؟ أم أن اتهام رجال الدين لهم غير صحيح ؟. هل " الوازع " قيمة أخلاقية تكرس أو تغرس في النفس البشرية أو في نفس المسلم لمجرد أنه متدين أم هو سلوك يمارس بفعل عوامل خارجية، أي من خارج الفرد وليس من ضميره دائماً؟. الكرم عند العرب قيمة أخلاقية رفيعة ، وأنت قد ترى شخصاً كريماً لكنه لا يعطي فلساً ولا يكرم ضيفاً .. ذلك لأنه في نفسه كريم لكنه لا يحول الإكرام إلى سلوك لأنه فقير. * في لغة العرب " الوازع " هو الشخص الذي يقوم بترتيب الجيش وتسوية صفوفه والذي " يزع" من تقدم الصف بغير أمر " الوازع "، و " الوازع" هو السلطان الذي يكف الناس عن المعاصي.. و " الوازع" هو الكلب الذي " يزع" الذئب عن الغنم أي يمنعه عنها. وفي القرآن " رب أوزعني أن أشكر نعمتك " أي ألهمني.. فأوزعه أي ألهمه وفي الحديث " من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن" أي أن الذين يزدجرون بسلطة مادية عن فعل الشرور أكثر من الذين يزدجرون بالقرآن على كثرة ما فيه من أوامر ونواه أخلاقية .. والقرآن - كما هو معروف - كتاب أخلاق. كذلك ترد كلمات أخرى .. مثل " أوزع" بمعنى فرق ومنه "التوزيع" الذي يقوم به " موزع" أو أكثر.. و"أوزعه" بالشيء أي أغراه به. * في الإيجاز السابق قصدنا التنبيه أنه لا يجوز تبرير أوتسبيب المعاصي وأنماط السلوك السلبية بقول " ضعف الوازع الديني" أو نقصه أو انعدامه فهذا اتهام للناس في دينهم وطعن في ضمائرهم الدينية.. ذلك لأن " الوازع" ليس قيمة أخلاقية ترسخ في النفوس بمجرد التدين وقراءة ما ورد في النصوص القرآنية والمحمدية. " الوازع" زجر وكف لا يتحقق بالطعن في الضمير الديني للفرد أو الجماعة.. بل بقوانين رادعة تردع، المجرمين بقوة مادية توجد خارجهم وليس في نفوسهم.. فالزنا مثلاً يمارسه رجل وامرأة قد يكونان شديدي التدين، وهناك رجال دين يعتبرون أنفسهم معبئين بشحن دينية وإيمانية عالية القدرة ومع ذلك يرتكبون عظائم لا يرتكبها ملحدون، والعكس صحيح .. وقد ارتكب بعض أصحاب الرسول عظائم أومعاصي كباراً وهو بينهم والقرآن ينزل.. ولم يكن العقاب مجرد موعظة بل زجر مادي في الغالب.