حذر دبلوماسيون غربيون من تداعيات مأساوية قد تنجم إذا ما أصر الفلسطينيون على نيل الاعتراف بدولتهم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ونقلت صحيفة ذي تايمز البريطانية في عددها أمس عن دبلوماسيين غربيين قولهم إذا ما تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب بهذا الخصوص إلى مجلس الأمن، فإن إسرائيل والولاياتالمتحدة قد تقابلان ذلك بخطوة ثأرية، تتمثل في قطع الكونغرس الأميركي التمويل عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وامتناع إسرائيل عن تحويل إيرادات الضرائب التي تجمعها نيابة عن الفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى انهيار اقتصاد الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية معا، وبالتالي دفع المنطقة إلى أتون الفوضى. ولقد ظل السياسيون الإسرائيليون اليمينيون يتوعدون بضم المستوطنات اليهودية الكبرى في الضفة الغربية لإسرائيل كإجراء انتقامي، فيما أظهر استطلاع للرأي يوم الجمعة أن 62 % من الإسرائيليين يؤيدون هذا التوجه. ويرغب الدبلوماسيون الغربيون في أن تعود القيادة الفلسطينية إلى طاولة المحادثات، وتحقيق حلم الدولة المستقلة عبر التفاوض. وإذا لم يتم إبرام صفقة في اللحظات الأخيرة، فإن هؤلاء الدبلوماسيين يأملون في إقناع الفلسطينيين بخيار أقل على غرار الوضع الذي تتمتع به الفاتيكان، وذلك بتقديم طلبهم عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بدلا من مجلس الأمن الدولي. ومع ضمان حصول إجراء من هذا القبيل على موافقة الجمعية العامة، فإن ذلك يعني أن الفلسطينيين سيحصلون على اعتراف بدولتهم لكن دون عضوية الأممالمتحدة، وهو الوضع نفسه الذي تتمتع به دولة الفاتيكان. وحتى هذا الإجراء يثير قلق إسرائيل، ذلك أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيخول الفلسطينيين الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهو ما سيعني أن بإمكانهم مقاضاة إسرائيل على توسعها الاستيطاني في الضفة الغربية وعلى تصرفات جنودها. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين إن الرئيس عباس يريد بإقدامه على هذه الخطوة الحصول على شيء ما من مجلس الأمن، فمن غير المرجح أن يعود للمفاوضات مع إسرائيل دون تعهد منها بوقف الاستيطان، وهو ما لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قادر على فعله. وذكرت صحيفة ذي تايمز في تقريرها أن الأنباء تناقلت أن نتنياهو أبلغ الممثلة السامية للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، أن إسرائيل ستنظر في أمر رفع وضعية الفلسطينيين في الأممالمتحدة، وليس في أمر حصولهم على دولة مستقلة، وهو ما لن يقبل به الفلسطينيون على الأرجح. في عالم آخر ربما تكون قرية الحديدية أبعد ما تصل اليه دولة فلسطينية مستقبلية ولكن سكان القرية من الرعاة يتحدثون عن المصاعب التي تقف دون هذا الحلم. تقع القرية في الركن الشمالي الشرقي من الضفة الغربية وهي عبارة عن مجموعة من الأكواخ تأوي اسرا وماشية تحميهم من البيئة الصحراوية القاسية. فحتى لو نال الزعماء الفلسطينيون اعتراف الأممالمتحدة بدولتهم الشهر الجاري يقول سكان الحديدية ان ذلك لن يسهم في تحسين مستوى معيشتهم وتخفيف ضغوط سلطات الاحتلال الاسرائيلية. والحديدية جزء من الضفة الغربية لكنها تقع داخل المنطقة الحدودية التي تعتبرها اسرائيل حيوية وقامت قوات الامن الاسرائيلية بهدم أكواخ القرية التي تقام دون تراخيص أكثر من مرة منذ عام 1997. ويبلغ عدد سكان القرية حاليا نحو مئة نسمة وهو ربع عدد السكان قبل 14 عاما. وقال عبد الرحيم بشارات الممثل الرسمي لسكان القرية «البقاء على في الارض هدفنا الأول والاخير.» وتابع «غادر ضعاف النفوس وكان آخرهم في عام 2008. من بقوا اتخذوا قرارا.. لا لمزيد من اجراءات الطرد الجبري.» وتظهر في المكان آثار احدث أعمال هدم في يونيو حزيران ويقف براد وكومة من الاثاث تحت شمس الصحراء الحارقة. ويقول مكتب الاممالمتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية الذي يوثق مثل هذه الأحداث أن اعمال الهدم شردت 37 شخصا ولكنهم لم يبرحوا مكانهم رغم ذلك. واعمال الهدم احدى المشاكل التي يعاني منها الفلسطينيون الذين يخضعون للاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية. فثمة قيود تمنع البناء وحرية الحركة كما ان توسع المستوطنات اليهودية قلص الاراضي ويستهدف المستوطنون بشكل متزايد الفلسطينيين وممتلكاتهم. ويعد الوصول للماء الذي تسيطر عليه اسرائيل إلى حد كبير مشكلة رئيسية في الحديدية. ولايثق بشارات الذي تتحكم قوة أجنبية في مجريات حياته في أن الأمور ستتحسن كثيرا حتى بمساندة اغلبية اعضاء الاممالمتحدة لدولة فلسطينية وقال «لا يمكن قيام دولة دون حدود». ويقول المسؤولون الفلسطينيون الذي يسعون لكسب اعتراف الاممالمتحدة انه سيعزز مطلبهم باقامة دولة في الضفة الغربية على الحدود مع الاردن وقطاع غزة على ساحل البحر المتوسط والقدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم. ويقولون ان التحرك ناجم عن فشل عملية السلام التي تدعمها الولاياتالمتحدة في انهاء الاحتلال الاسرائيلي لاراضيهم منذ حرب عام 1967. وتعترف 120 دولة على الاقل بفلسطين بما في ذلك روسيا وقوى ناشئة مثل البرازيل. ولكن اسرائيل وحليفتها الوثيقة الولاياتالمتحدة تعارضان هذه الخطوة وتقولان ان المفاوضات المباشرة دون غيرها هي التي يمكن ان تقود لقيام دولة فلسطينية. ويعني ذلك انه حتى ان نال الفلسطينيون دعم أغلبية الدول في الاممالمتحدة فان واشنطن ستوقف مسعاها لعضوية كاملة في الاممالمتحدة في مجلس الامن. وفي جميع الأحوال يعترف مسؤولون فلسطينيون بان الاقتراع لن يكون له تأثير يذكر على أرض الواقع. وأزالت اسرائيل بعض نقاط التفتيش التي اقامتها في الضفة الغربية خلال الانتفاضة التي اندلعت في عام 2000 والتي خبت في معظمها بحلول عام 2005 الا أن سيطرتها الكلية على الاراضي تبدو اقوى من اي وقت مضى. وشيدت اسرائيل جدرانا وأسوارا وحواجز برية ونقاط تفتيش ومناطق اطلاق نار عسكرية وقواعد عسكرية وتقول ان جميعها ضرورية لامن دولتها. وفي نفس الوقت انتقل نحو 300 ألف من مواطنيها لمستوطنات فيما يعتبرونه يهودا والسامرة في الضفة الغربية. ويعيش الان نحو 200 ألف اخرين في القدس الشرقية وحولها على اراض ضمتها اسرائيل رسميا. ورغم تشكيل السلطة الفلسطينية مؤسسات في العامين الاخيرين استعدادا لاقامة دولة فانها لا تسيطر سوى على قطع من الآراضي في الضفة الغربية تحيط باكبر المدن والقرى الفلسطينية وهو نظام لتقسيم المناطق قبله الفلسطينيون في التسعينات اعتقادا بانه خطوة نحو الاستقلال. وترك هذه النظام لاسرائيل السيطرة على 60 في المئة من اراضي الضفة الغربية وتتحكم في معيشة 150 الفا من مواطنيها الفلسطينيين البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة وتسيطر على اراض تعتبر حيوية لاقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وحد من نفوذ السلطة الانقسام الداخلي. ولا تحكم السلطة الفلسطينية غزة منذ سيطرة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) عليها في عام 2007 لتحرمها من فرصة تنمية القطاع بعد جلاء اسرائيل عنه في عام 2005. ويمكن رؤية العراقيل أمام بسط نفوذ السلطة الفلسطينية في قرية النبي صموئيل الفلسطينية شمال غربي القدس التي عزلت عن المناطق العربية بسبب الجدار العازل الذي شيدته اسرائيل في الضفة الغربية. ويقول المحامي محمد بركات نيابة عن سكان القرية البالغ تعدادهم 250 نسمة «نحن نعيش في جزيرة الآن.» والجدار من العواقب المستديمة للانتفاضة الثانية والتي غالبا ما يشير الفلسطينيون لسلبياتها كمبرر لتفادي مزيد من المواجهة العنيفة مع خصم اقوى بكثير. وتقول اسرائيل ان الجدار يهدف لوقف الهجمات الانتحارية وغيرها من هجمات النشطاء وتضيف انه نجح في مهمته. لكن الفلسطينيين يرون ان الهدف منه استقطاع أراض. والقطاع الذي فصل قرية النبي صموئيل عن بقية الضفة الغربية مثال على ذلك اذ انه يلتف حول مستوطنات يهودية قريبة وصفتها محكمة العدل الدولية بانها غير قانونية. فبعد ان كان الوصول للبلدات الفلسطينية يستغرق خمس دقائق بالسيارة من النبي صموئيل تصل مدة الرحلة الان الى أكثر من ساعة. وينبغي ان يحصل الزائر على الجهة الاخرى من الجدار على تصريح من اسرائيل لعبور نقطة التفتيش. ولا يوجد حاجز بين قرية النبي صموئيل والقدس ولكن القرويين الذين يلقى القبض عليهم اثناء العمل هناك بشكل غير مشروع معرضون للسجن وغرامة ضخمة. والقي القبض على عشرة في السنوات الأخيرة ولايزال اثنان في السجن. ويقول بركات ان نسبة البطالة تصل الى 90 في المئة ويوجد بالقرية متجر بقالة صغير وحيد ومدرسة من فصل واحد مساحته أربعة امتار في أربعة أمتار يدرس بها 11 تلميذا وكان حتميا ان يبدأ الشبان في الرحيل. وهجر نحو 50 شخصا أو خمس السكان القرية الى الجهة الاخرى من الجدار العازل في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين. وقال بركات «الاسهل ان انتقل الى رام الله ولكن لا افكر في الرحيل عن قريتي.» ومن قرية النبي صموئيل يمكن ان ترى افق رام الله وهي حاليا المركز الاداري للدولة المرتقبة. وثمة تناقض صارخ بين مجمع الوزارات الجديد وقصر الرئاسة بها والطرق غير الممهدة في القرية. ويقول منتقدون إن السلطة الفلسطينية تركز اهتمامها على المدينة بشكل كبير وحولتها لعاصمة فعلية تحل محل القدس الشرقية الموجودة خلف الجدار العازل في الضفة الغربية وهي جزء من المدينة التي تصفها اسرائيل بانها عاصمتها التي لا يمكن تقسيمها. وتزين النافورات والتماثيل الميادين في رام الله وهي ضمن شبكة الطرق الفلسطينية التي طورت في الضفة الغربية بدعم مالي من مانحين دوليين بما في ذلك الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة. وتجوب شوارع المدينة وحدات الشرطة المزودة بسيارات دورية جديدة من طراز فولكسفاجن ودراجات نارية ايطالية. وغالبا ما يشيد مسؤولون زائرون باعمال بناء الدولة التي يقودها رئيس الوزراء سلام فياض. وتشير السلطة لنقطتي اختلاف رئيسيتين بين المؤسسات التي شيدتها ومشروع مماثل قاده الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في التسعينات. ويوجد حاليا نظام للادارة المالية يتسم بالشفافية يقلص اعتمادها على دعم المانحين كما أن قوات الأمن التي دربت بمساعدة غربية تسهم في منع أعمال عنف ضد اسرائيل. وقال غسان الخطيب المتحدث باسم السلطة الفلسطينية انها مستعدة لقيام دولة والاستقلال وفق معايير المجتمع الدولي. وذكر تقرير أصدره البنك الدولي الشهر الحالي انه يمكن مقارنة المؤسسات العامة للسلطة ايجابا بدول اخرى في المنطقة وخارجها وهو سبب آخر يدفع مسؤولين فلسطينيين للقول بانهم مستعدون لقيادة دولة حقيقية. ولكن حتى أن لجأ المسؤولون الفلسطينيون للأمم المتحدة فان السلطة تواجه ازمة مالية خانقة تبرز هشاشتها. والسبب المباشر هو تراجع المعونات الاجنبية التي تحتاجها السلطة لسد العجز المتوقع ان يصل الى 900 مليون دولار العام الجاري. والسبب الأعمق هو ضعف الاقتصاد الفلسطيني. ويقول البنك الدولي ان القيود الاسرائيلية التي تعوق القطاع الخاص ينبغي رفعها لاتاحة الفرصة لزيادة قاعدة ايرادات السلطة الفلسطينية والاستمرار في بناء المؤسسات. وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة عجزت السلطة مرتين عن صرف اجور موظفيها وعددهم 150 الفا في الوقت المحدد وبالكامل مما اضر بمكانتها.