إن الأزمة الراهنة في بلادنا قد أفرزت سلوكيات سلبية وممارسات خاطئة نتيجة الاستغلال السيئ والخاطئ لمفهوم الحرية والديمقراطية، فالبعض فهم الديمقراطية على أنها حرية مطلقة بلا ضوابط ولا حدود، وأن من حق أي شخص أو فئة أو جماعة أو حزب أن يقول ما شاء أو أن يكتب ما يشاء أو يسب أو يلعن أو يسخر ممن يشاء أو ينتهك عرضاً أو مالاً أو يسفك دم من يشاء أو أنه فوق العدالة والقانون والدستور والشرعية وأن ذلك في اعتقاده من الحرية والديمقراطية بما في ذلك تدمير كل شيء في حياة الناس دون رادع أو زاجر يوقفه عند حده ويقول له إن ذلك ليس من الحرية في شيء وأن هذا فهم خاطئ بل أعرج لمساحة الحرية التي أعطيت لك في ظل النظام الديمقراطي وحرية الرأي الذي جاء مع رياح خير 22 مايو 1990. إن من يسيئون فهم الحرية والديمقراطية ويستغلونها الاستغلال السيئ يتناسون أن حريتهم وديمقراطيتهم تنتهي عندما تتعدى على حدود حريات الآخرين ومن أجل ذلك قال البعض إن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة. والحرية والديمقراطية في أعرق الدول المتقدمة محكومة بضوابط وحدود ومحاذير لا يمكن تجاوزها أو القفز من فوقها وموثقة في دساتير تلك الدول ويمارسها الناس في سلوكهم وحياتهم ومعاشهم وقوة تلك البلدان في احترامها لقوانينها ونظمها ودساتيرها وليست المسألة "سايبة" هكذا.. إن الناس إذا نظروا إلى أنفسهم وطبقوا أمر الله سبحانه وتعالى القائل لهم: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" سيجدون أن وعيهم وإدراكهم وإرادتهم مؤطرة أو "مبروزة" ومحددة بحدود منها إن روحه مسجونة بسجن البدن أو الجسد وأنها لا تخرج من عقالها وسجنها إلا بعد موت ذلك الجسد المقيد لها وإذا تفكر الناس في وعيهم وإدراكهم لوجدوا أن ذلك الوعي والإدراك مقيد ومحدد بحدود العلم والمعرفة والتحصيل الذي حصلوه والتعليم الذي تلقوه وأن لأبصارهم واسماعهم وأفئدتهم وكل جوارحهم وجوانحهم حدوداً بل وحواجز وسدوداً وفي الأخير الإنسان مكبل بنسبية المعرفة والزمن والمكان فهو إذاً كائن نسبي وليس كائناً مطلقاً أو متحرراً من كل قيد. فلماذا لا يؤمن بهذه الحقيقة فيأمر بما يستطاع إن أراد أن يطاع وألا يطلب المستحيل أو يتجاوز حدوده كما تتجاوز أحزاب المعارضة عندنا فتتخيل أنها يمكن أن تتجاوز حجمها ووزنها وثقلها في الساحة اليمنية وتعتقد خاطئة أنها يمكن أن تستغل الظرف الطارئ الذي تمر به البلاد في انتهازية ماكرة لهذه الفرصة التي لا يمكن أن تعوض فتسعى جاهدة من أجل إيقاف عملية التنمية وحركة بناء الدولة الحديثة بإشاعة الفوضى وزرع الفتنة والبلبلة والتحريض وعدم الاستقرار وبث روح الكراهية والحقد والحسد على كل شيء والإرهاب والخوف وإحراج الحكومة والنظام والدخول معه في صراع على السلطة دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية ولا لمشاعر المواطن. وتعتقد المعارضة أن هذا النهج هو من الحرية والديمقراطية الحقة بينما هذا السلوك هو عين الحمق والنظرة القاصرة للأمور لأن تقديم المصلحة الشخصية الضيقة على المصلحة العامة والانقضاض على السلطة والحكم عن طريق الانقلابات والتمرد ورفض الحوار الذي هو روح الديمقراطية وجوهرها ووسيلتها المثلى السلمية والحضارية كل ذلك يدل على غباء وحمق سياسي ولا يدل على حكمة وحنكة في التبادل السلمي للسلطة أو فهم سليم لحدود وضوابط الحرية والديمقراطية. إننا ما زلنا بعيدين عن الممارسة الديمقراطية الحقة "وعاد المراحل طوال" حتى نصل إلى مرحلة تقديم مصلحة الناس والوطن واحترام الرأي الآخر قبل مصالحنا الشخصية الضيقة. إن الحزبية أو التعددية عندنا "شور وقول" كما ذكر ذلك الأخ الرئيس في خطابه الأخير أمام أعضاء مجلسي النواب والشورى وفسر ذلك بأن الحزب إذا رأى مصلحته الضيقة فهو راض عن الطرف الآخر وعن الاتفاق معه وإن رأى عكس ذلك رأيت منه صدوداً. وهناك فهم خاطئ واستغلال سيئ للديمقراطية في بلادنا نلمسه ونشاهده بل ونقرؤه في بعض الصحف الخاصة وصحف المعارضة التي تثير البلبلة وتحرض الناس على الفوضى وبث روح الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد وإثارة النعرات القبلية والمناطقية وتفتيت البلد والعودة بالوطن إلى زمن الحروب والتشطير. وكأن تلك الصحف تنفذ أجندات خارجية أو تصطاد في ماء عكر وكان ينبغي على الدولة أن تمارس صلاحيتها باتخاذ الإجراءات المخولة لها تجاه هذه الكتابات النشاز التي تحتاج لمن يبصرها بالفرق بين حدود الحرية في الكتابة وبين المساس بالثوابت الوطنية المجمع عليها الشعب التي من أهمها الاستقرار والأمن والتماسك الاجتماعي والنظام والقانون والدستور والوحدة وحتى يعلم الجميع أن الحرية والديمقراطية لها حدود وضوابط وأن الدنيا ليست "سايبة" أو بلا حدود.!!