رغم أن «الحرية» بلا قيود أو هكذا يقولون عنها، لكننا سنضعها بين قوسين لأسباب عدة، منها أن يعرف الناس ماهي الحرية التي بلا قيود ومتى تكون كذلك ومن هم أصحاب هذه الحرية وهل يفهمون الحرية فهماً صحيحاً ؟ وما الذي يحكم الحرية حتى لا تتعدى حدودها من دون أن توضع لها القيود ؟ أسئلة كثيرة من هذا السياق ينبغي الاجابة عنها قبل أن تخرج من بين القوسين هنا وقبل أن ترفع القيود كاملة لتصبح الحرية مطلقة .. لا أحد مع تقويس الحرية ولا أحد مع تقييدها قليلاً أو كثيراً، لكن المجانين يطالبون بحريتهم كاملة وقطاع الطرق يطالبون بكامل الحرية والعصابات المسلحة تمارس الفساد في الأرض مستغلة مناخات الحرية وتحت مظلتها يفسدون ويفعلون ما لا علاقة له بالحرية .. كل من يعتدي على مصالح الناس الفردية والعامة يعود هارباً ليختفي خلف جدار الحرية ويدافع عن عدوانه بالحرية وبزمن الحرية الذين يشتمون الناس في كتاباتهم يتسترون خلف الحرية « حرية الرأي» والذين يثيرون النعرات المناطقية والطائفية والمذهبية والشطرية وكل أنواع النعرات المضرة بالمجتمع يفعلون كل ذلك بقوة «حرية الرأي» وإجازة من زمن الديمقراطية الذي يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم وأفعالهم ولا مانع يمنع هؤلاء من الوقوف أو التوقف عند حدود الحرية والديمقراطية . أعلم أن الجميع يدركون حدود الحرية ويفهمون أن الخروقات في جدارها لا تُعد ولا تُحصى ، حتى اولئك الذين يخالفون قيم الحرية يعلمون أنهم يخالفون ويعلمون أن ما يقومون به لا علاقة له بالحرية في كثير من الاحيان، لكنهم يصرون على تجاوز حدود ما يؤمنون به وكل ذلك من باب الصلف والنكد الموجه ومن باب الحسابات الشخصية وحسابات الحقد والكراهية ضد الغير .. يعلمون أنهم يخالفون الدستور والقانون والقيم النبيلة ويخالفون قوانين المنطق والعقل ليس في هذا البلد وحسب ولكن في قوانين كل البلدان التي تنتهج سبيل الحرية والديمقراطية وبمقاسات كبرى، لكن هؤلاء يمارسون هواياتهم في الإضرار بمصالح العامة والخاصة مع سبق الإصرار والترصد وحين تضيق بهم السبل يتجهون نحو الحرية يتسترون بها ويرجون منها أن تصفح عنهم وتعفو .. وعندما يقال لهم إنكم قد تعديتم حدود الحرية يقولون إن هامش الحرية قد ضاق. كيف تفهم الحرية وكيف تمارس ؟.. تلك هي المشكلة الحقيقية التي بنبغي أن يقف الجميع عندها أولاً ومالم تكن المفاهيم سوية وصحيحة سنظل ندور في دائرة مفرغة وسيظل الجدل قائماً.. هل ضاقت الحرية أم أن البعض قد تعدى حدوده في الحرية؟ والأهم في كل الأحوال أن لا تنقلب الحرية إلى مصيبة حين يفشل الناس في فهمها أو توظف توظيفاً سيئاً لاغراض سياسية وشخصية وحين تتخذ باباً للاستغلال والابتزاز والمساومة وثمة أشياء يجب التنبه لها، وهي أن لا حرية لمجنون ولا حرية لقاطع طريق ولا حرية لمن يهدد مصالح الناس ومستقبلهم ولا حرية للذين يخلطون بين الحرية والفوضى ولا حرية لمن يحمل السلاح ويساوم على الحقوق والحريات ولا حرية تدعو للفتنة ولا حرية لمن لا يفهم معنى الحرية أولاً قبل أن يمارسها أو يطالب بها أو يدعو لها .