بعد أسبوع من التردد، يقول البيت الأبيض الآن إن «من البدهي» أن «هجوماً إرهابياً»، وليس مجرد رد فعل عفوي من الغوغاء الغاضبين، هو الذي ضرب القنصلية الأميركية في بنغازي، ليبيا، الأسبوع الماضي. ولا شك أن هذا التوصيف مهم، لأنه يفتح الباب أمام استنتاج مفاده أن الهجوم كان عملاً معداً له مسبقاً، والذي أسفر عن مقتل أربعة دبلوماسيين أميركيين، من بينهم سفير الولاياتالمتحدة في ليبيا، كريستوفر ستيفنز. ويمكن أن تكون تداعيات الإعلان عن أن الهجوم في بنغازي كان عملاً إرهابياً مخططاً له، في الولاياتالمتحدة واسعة النطاق. وهو يثير، كبداية، تساؤلات حول الاحتياطات التي اتخذتها إدارة أوباما في منطقة مضطربة، تنطوي على استعداد لتوجيه ضربات معادية للولايات المتحدة في منطقة تعرف بأنها تؤوي تنظيم القاعدة وغيرها من العناصر الإسلامية المتطرفة. وعلى نطاق أكثر اتساعاً، فإنه يمكن أن يستدعي للاستنطاق سياسة الرئيس أوباما الخاصة بالشرق الأوسط في أعقاب الصحوة العربية الأخيرة. وقد شرع بعض المنتقدين الجمهوريين بالفعل بوسم هذه السياسة بأنها ضعيفة جداً، وبأنها تتجاهل التهديدات التي تعرضها الاضطرابات المستمرة في المنطقة. وبعيداً عن توضيح الوضع، فإن توصيف البيت الأبيض للهجوم في بنغازي بأنه هجوم إرهابي بشكل بدهي، إنما يقوم بإحداث المزيد من البلبلة وتعكير المياه فقط، كما يقول بعض الخبراء في السياسة الخارجية. يقول واين وايت، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي يتمتع بخبرة في جمع المعلومات الاستخباراتية حول الشرق الأوسط: «لقد سبق وأن سمعت هذه العبارة، وفكرت، ما الذي يقصدونه بذلك؟ هل يستخدمون مصطلح (بدهي) كنوع من التعبير الاعتباطي لكي يقولوا: «حسناً، كان هذا وضعاً تم فيه استخدام العنف عمداً ضد منشأة للولايات المتحدة»؟ أم أنهم يقولون: «لدينا أدلة على أن هذا الحادث كان مخططاً له مسبقاً؟» ويضيف وايت: «إنه ليس من الواضح أبداً ما يقوله حقاً هذا البيان». ويوم الخميس، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، للصحفيين: «من البدهي والغني عن البيان أن ما حدث في بنغازي كان هجوماً إرهابياً»، وأضاف: «لقد تم الهجوم على سفارتنا بشكل عنيف، وكانت النتيجة سقوط أربعة قتلى من المسؤولين الأميركيين». وفي وقت لاحق، في جلسة أسئلة وأجوبة انعقدت في ميامي ونظمتها شبكة نيفيسيون التلفزيونية الناطقة باللغة الأسبانية، أكد الرئيس أوباما أنه في حين أن الكثير من التفاصيل ما تزال غير واضحة، فإنه يبدو أن المتطرفين استخدموا الاحتجاجات الناتجة عن الغضب بشأن لقطات فيديو مضادة للمسلمين لتكون «ذريعة» لمهاجمة المصالح الأميركية. وقال الرئيس أوباما أيضاً:«إن ما نعرفه هو أن الاحتجاجات الطبيعية التي نشأت بسبب الغضب على الفيديو قد استخدمت كذريعة من قبل المتطرفين لمعرفة ما إذا كان يمكن لهم الإضرار مباشرة بمصالح الولاياتالمتحدة المتحدة». وأضاف أوباما: «إننا لا نعرف حتى الآن. ولذلك، سوف نعمد إلى مواصلة التحقيق في ذلك الحادث». وقد أطلق كل من مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الخارجية تحقيقات حول الهجوم الذي وقع في بنغازي. ويؤشر تفسير الإدارة لما حدث في بنغازي على تحول في تأكيداتها في وقت سابق على أن الهجوم كان عفوياً، ولم يكشف عن أي علامات على وجود تخطيط مسبق. وقد تعرض ذلك الموقف إلى انتقادات شديدة من عدد من الزعماء الجمهوريين، ومن بينهم السناتور جون ماكين، الذي يلقي ظلالاً من الشك على توصيف «عفوي» بسبب شدة الهجوم والأسلحة الثقيلة المستخدمة في تنفيذه. ويمكن أن يكون هذا التغيير والتبديل في موقف الإدارة مما حدث قد جاء نتيجة لمعلومات جديدة وردت إليها، كما يقول السيد وايت -أو أنه ربما يكون قد جاء ببساطة نتيجة لتصاعد الضغوط على البيت الأبيض. ويقول السيد وايت: «هناك دائماً ضغط في مثل هذه الحالات للخروج بشيء ملموس، حتى عندما لا يكون لديك ذلك. وتخضع الإدارة الآن لضغوط من الكونغرس والناخبين ووسائل الإعلام لكي تقول شيئاً أكثر تحديداً مما قالته من قبل، وربما يكون الأمر أنها قررت يمكن الخروج بشيء ما». وحتى مع وجود القليل جداً من الوضوح حول ما حدث في بنغازي، كما يقول وايت، الذي يعمل الآن عالماً مشاركاً في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فإن الولاياتالمتحدة تعرف الكثير عن شرق ليبيا: أن تنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التابع لها، وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة تعمل في المنطقة؛ وأن «الحكومة ليس لديها أي شيء يقترب من السيطرة» على الجزء الشرقي من البلاد. ومن الواضح أيضاً، كما يقول وايت، أن عدد المنشآت الأميركية في ليبيا المحررة حديثاً (وعلى وجه الخصوص القنصلية في بنغازي) لم تكن آمنة مجمعات «مقوّاة» ومحصنة حسب المواصفات الحالية التي تعتمدها وزارة الخارجية. لكنه يقول أيضاً إن هذا النوع من البناء يستغرق وقتاً طويلاً، في حين أن الجهود الدبلوماسية لا يمكن أن تنتظر. وأضاف وايت: «هناك أوقات في مجال الدبلوماسية لا تتمكن فيها من توفير الحماية الكافية لدبلوماسييك الخاصين على المدى القصير». ومن ناحية أخرى، قال إنه يرفض بعض التكهنات التي قالت بأن السفير ستيفنز، في غمرة حماسه لبنغازي، حيث كان قد شغل سابقاً منصب مبعوث إلى الثوار في ليبيا، قد قلل من حجم المخاطر المحتملة. وأضاف: «لم يكن كريس شخصاً متهوراً يعشق المغامرة، ولم يكن يعصي الأوامر. وهذا يجعلني متأكداً من أنه لم يكن هناك تحذير أحمر ينذر بالخطر يتعلق بالخروج إلى بنغازي، لأنه كان مخلصاً جداً لجماعته [كادره من الموظفين] ولم يكن ليعرضهم عن علم لخطر لا مبرر له». *عن(كرستيان سينس مونيتور)- واشنطن- ترجمة: علاء الدين أبو زينة *نشر هذا التحليل تحت عنوان: US says Libya attack was terrorism: Was it unprepared for Arab Spring fallout