منذ ما يزيد على الخمسين عاماً من عمر الثورة اليمنية ونحن نسمع خطب النخب السياسية ومن تناوبوا على السلطة تتحدث عن التنمية والتطور والازدهار وعن البناء والعمل والتعمير وعن العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان وعن الاخوة والوحدة والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الطفل والمرأة ولكن لم نشاهد أي أثر لتلك الخطب على ارضية الواقع بل نشاهد العكس فكلما تحدثوا عن الوحدة والتلاحم والاصطفاف والاعتصام بحبل الله ازددنا تمزقاً وكلما تحدثوا عن الاخوة ازددنا حقداً وكراهية لبعضنا البعض وعن حقوق الانسان نزداد ظلماً واستبداداً وتسلطاً وقهراً وتعسفاً وعن النظام والقانون رأيت منهم أساليب ارتجالية وعشوائية ومزاجية ونزوات وكيفما اتفق وعن الديمقراطية والحرية لديهم حدث ولا حرج فلا ترى إلا إلغاء وتهميش وتجاهل وإقصاء للمعارض لهم ومتابعة وتصفية وتخلص منه أو اتهامه بالمروق والخيانة العظمى ورميهم في غياهب سجونهم وتعذيبه حتى الموت وعن حديثهم عن العدالة الاجتماعية والمساواة فلا ترى إلا المحاباة والمجاملة والنفاق الاجتماعي والوساطات والتمايز الطبقي أو القبلي وتقديم هذا على ذاك وصعود جماعة أو طائفة أو فئة من المجتمع على حساب شرائح المجتمع الاخرى تستولي على السلطة وتنهب الثروة وتوظف المقربين أو الحزبيين وتتحكم بمقادير الأمة والمجتمع فيعيش بقية المجتمع في فقر مدقع وجهل ومرض فترى الشباب (أمل المستقبل) اغلبهم عاطلاً عن العمل ويكثر فيهم التسول والبعض منهم يصاب بالاحباط واليأس والجنون أو يتحول البعض منهم إلى مجرمين وإرهابيين أو مدمني مخدرات أويمشون في الحرام والفاحشة. ومنذ ان تحررت بلادنا من الامامة والاستعمار، والصراع على السلطة لم ينته بين النخب السياسية مما أدى إلى توقف عملية التنمية في البلاد وأدى إلى تأخرها ونموها وتطورها ولحاقها بالدول المتحضرة وكان من نتيجة هذه الصراعات ان هاجر البعض إلى الخارج وعاشت البلاد في قلاقل وفوضى وعدم استقرار وأمن، وبغياب العدالة ازدادت قضية الثأر بين الناس وأخذ كل فرد داخل المجتمع يقتص لنفسه بيده بسبب الفساد والرشوة والمحسوبية وتأخر حل المشاكل والقضايا في وقتها ناهيك عن مكوث المتهم البريء محبوساً لسنوات وكأنه ميت في سجنه وهو حي يرزق. يبدو ان النخب السياسية لديها احساس بالهزيمة والخوف على مستقبلها فتشعر عندما تصل إلى السلطة بأنها تملك كل شيء الأرض والانسان وتعتبر الناس الذين تحكمهم رعايا لا مواطنين ينبغي عليهم خدمتهم وحمايتهم وتحقيق أمانيهم لا أن تضطهدهم وتقمعهم وتستبد بهم بدلاً من أن نتحرر من الاستعمار القديم يأتي لنا استعمار جديد لكن للأسف من جلدتنا ينطبق عليه قول الشاعر: وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من ضرب الحسام المهند لم يكن المواطن في نظر النخب السياسية هو الشاغل الذي يشغلهم ولا هو هدف التنمية لديهم إلا في الخطابات الرنانة أو عند سحب أصواتهم في الانتخابات فتجدهم يتقربون إلى المواطن ويعدونه بشتى الوعود والحماس الثوري والعاطفة الجياشة وبعد ان يفض المجلس يتبخر ذلك الكلام ولا نرى له أثراً على الواقع نسمع جعجة ولكن بدون طحين سوى ذلك الخطاب الجميل ذي الكلام المعسول وبسبب هذا النهج وهذا التوجه السياسي الخاطئ تتراكم الأخطاء وتتأزم الأمور وتزداد المشاكل سوءاً خاصة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية إلى ان ينفجر الوضع من قبل الجماهير الصابرة والمحتسبة لان الضغط الزائد عليها هو الذي دفعها إلى الانفجار والثورة والخروج من صمتها رافضة ومحتجة على اخطاء تلك الأنظمة الفاسدة وهذا ما حدث بالفعل بما يسمى بالربيع العربي في بعض البلدان العربية ومنها بلادنا التي فيها الاحزاب لا تعرف كيف تتعامل بين اعضائها بديمقراطية ولا تعرف روح التسامح واحترام الرأي والرأي الآخر فما بالك بتعاملها مع مواطنيها الذين تتحكم بمقدراتهم وبمصيرهم ناهيك عن افتقارها لمشاريع استراتيجية لمستقبل بلدانها مبنية على العلم الرصين والمعرفة الموضوعية القابلة للتحقيق والتحقق وإن وجدت مثل هذه البرامج والمشاريع فلن تتجاوز الحبر على الورق وكأنها غير ملزمة على النظام أو صاحب الخطابات الرنانة الذي يقول ما لا يفعل. لا ننسى ان نذكر هنا أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور الأوضاع هنا أو هناك وخاصة غياب الوعي وانتشار الأمية والجهل فنحن كما يبدو لا نقرأ ولا نطور أنفسنا أو نعمل جاهدين لكي نصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بدلاً من الاعتماد على المنح الخارجية وما تجود به علينا الدول المانحة نظل ننتظر تلك المساعدات أوالهبات وإلا فإن الأمور ستزداد سوءاً وهذه الدول لها مصالحها وأهدافها فهي ليست جمعيات خيرية ولا تمنح أي مساعدات دون مقابل هكذا لوجه الله ولكن بشروط ومطالب ومقاصد وامتيازات واغراض ومن ضمن تلك الامتيازات فرض شروط تمس سيادة الدولة وتتحكم في شؤونها الداخلية حتى تصل تلك الضغوط الخارجية إلى قرارات النظام الحاكم في البلاد وهذا ما لا يقبله النظام ولا يقبله الشعب ولا أي مواطن شريف غيور على بلده وعلى سيادته ومن المعيقات والعراقيل التي تقف في طريق تنمية أي بلد يريد أو يرغب في الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة سيادة الأنظمة القبلية والعشائرية والطائفية وعاداتها الخشبية المحنطة المعتمدة على حكم الفرد الواحد أو الشيخ أو كبير العائلة الذي ترد إليه كل الامور لكي يحلها بمفرده وبمزاجه واهوائه وفكره الشمولي المتطرف.