يحتفلُّ الشعب اليمني اليوم الخميس بالعيد الوطني ال24 للجمهورية اليمنية تخليدا ل22من مايو/ أيار 1990م، ذلك اليوم الذي سجَّل فيه اليمنيون واحداً من أعظم إنجازاتهم التاريخية، متمثلاً في استعادة الوحدة الأزلية لكيانهم السياسي والاجتماعي، على ترابهم الوطني غير القابل للتجزئة. وبهذا الإنجاز التاريخي، أنعش اليمنيون الآمال لدى الملايين من أبناء الأمة العربية بتحقيق طموحهم المنشود في بناء قاعدةٍ صلبةٍ للتضامن بين أقطارنا العربية، والتوحد على الأهداف المشتركة الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. حضور الوحدة في الاستحقاقات الناجزة للتغيير: وتأتي ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية هذا العام، استثنائية، بالنظر إلى ما تحمله من بشائر عن إنجازات لا تقل استثنائية للعهد الانتقالي الذي تمر به البلاد حالياً، إنجازات تولَّدت من رحم التغيير الذي اجترحه اليمنيون، في ال11 من فبراير 2011، واستطاعوا من خلاله تحقيق اختراقٍ باهر لحالة الانسداد السياسي والفشل الاقتصادي الذي أورثته سنواتٌ من الصراع وعدم الاستقرار. لقد أسس اليمنيون خلال الفترة الانتقالية الممتدة من ديسمبر/ كانون الأول 2011 وحتى الآن، تجربةً فريدةً للانتقال السلمي للسلطة، امتزجت فيها الإرادة الثورية بالوفاق الوطني ، الذي تأسس على مرجعية اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقراري مجلس الأمن رقمي (2014، 2051). وبفضل تجربة التغيير الفريدة هذه استطاع اليمنيون، أن يسطروا تحت نظر العالم وإعجابه ورعايته ودعمه، قائمةً من الإنجازات الهامة من استحقاقات التغيير والانتقال الديمقراطي صوب مستقبلهم المنشود ودولتهم الجديدة، وتم ذلك في ظروفٍ بالغة الصعوبة وتعقيداتٍ اقتصاديةٍ وأمنيةٍ شديدة. وشملت قائمة الإنجازات الهامة من استحقاقات المرحلة الانتقالية في اليمن، انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي، في 21 فبراير/شباط 2012، رئيساً جديداً وفاقياً. وسبق انتخاب الرئيس، تشكيل حكومة الوفاق الوطني، في ديسمبر/ كانون الأول 2011، من التكتلين الرئيسيين للأحزاب والتنظيمات السياسية في البلاد تكتل أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي وتكتل أحزاب اللقاء المشترك، بجانب تشكيل لجنة الشئون العسكرية والأمنية التي شرعت في إنهاء الوضع الأمني الاستثنائي الذي عاشته البلاد طيلة العام 2011. ومن بين أهم استحقاقات المرحلة الانتقالية التي تم إنجازها وتجسدت فيها الحكمة اليمانية بأبهى صورها، انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، خلال الفترة من 18 مارس/ آذار 2013- 25 يناير/ كانون الثاني 2014، بمشاركة ممثلي مختلف الأحزاب والمكونات الاجتماعية والفئوية في البلاد، من بينها مكونات سياسية وحركية، لم تكن قبل مؤتمر الحوار جزاً من العملية السياسية، وبنسب تمثيل غير مسبوقة للشباب والمرأة والفئات المهمشة. وتدارس المشاركون في الحوار على مدى أكثر من عشرة أشهر مختلف القضايا الشائكة في اليمن بغية بلورة حلولٍ ناجعة وجذرية لها ورسم خارطة طريق ورؤية إستراتيجية لبناء اليمن الجديد، والدولة اليمنية المدنية الحديثة، لتتوج تلك الجهود بخروج مؤتمر الحوار بوثيقة وطنية توافقت عليها مختلف القوى والمكونات، و تضمنت موجهات دستورية، تتعلق بشكل الدولة وهويتها، ونظامها السياسي وأبرزها موجهات قضت بأن يكون اليمن دولة مدنية ديمقراطية اتحادية متعددة الأقاليم. وشملت الوثيقة كذلك، موجهات قانونية ورؤى وتوصيات ومعالجات لكافة الإشكاليات التي عانت منها البلاد خلال العقود الماضية من زمن الجمهورية والاستقلال. وأنجز اليمنيون استحقاقاً آخر تمثل في تشكيل لجنة لتحديد الأقاليم برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي وعضوية ممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني. وقد أقرت اللجنة في 10 فبراير/ شباط 2014م، وبأعلى درجة من التوافق اعتماد ستة أقاليم في إطار الدولة اليمنية الاتحادية الجديدة، اثنين في جنوبي اليمن هما إقليما عدن وحضرموت وأربعة في شماله هي آزال، سبأ، الجند، وتهامة، مع الاحتفاظ بوضع خاص لكل من العاصمة صنعاء، ومدينة عدن، يتناسب ومكانتيهما السياسية والاقتصادية. وضمنت قائمة الإنجازات الهامة التي تحققت خلال الفترة الماضية من المرحلة الانتقالية تشكيل لجنة صياغة الدستور، من 17 شخصاً من ذوي الخبرة والكفاءة، بدأت العمل في ال16 من شهر مارس/ آذار 2014م، وقطعت شوطاً مهماً في صياغتها لمسودة الدستور الجديد لليمن من وحي الموجهات التي تضمنتها وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. ولعل القاسم المشترك والأهم في كل إنجازات واستحقاقات المرحلة الانتقالية، أنها جاءت في إطار النموذج الأمثل للحل العادل المنشود والمتفق عليه للقضية الجنوبية، بصفتها القضية الأولى التي تصدرت أولويات مؤتمر الحوار الوطني، لصلتها الوثيقة بمنجز اليمنيين التاريخي الوحدة اليمنية، وبإرادة اليمنيين القوية لحمايتها. و برهن اليمنيون على وعيهم الكامل بمتطلبات حماية منجز الوحدة، وذلك من خلال إقامة أسس أكثر صلابة، ودعائم أشد متانة، وإنهاء كافة السلبيات التي رافقت مسيرة الوحدة اليمنية، وبما يضمن قيام نظام سياسي اتحادي ديمقراطي تعددي، ودولة مؤسسات يسودها القانون والعدالة والمواطنة المتساوية وتضمن للجميع المشاركة في السلطة. وفي هذا السياق، حرص الرئيس عبد ربه منصور هادي، على التأكيد بأن مخرجات الحوار الوطني، هي صياغة معاصرة لمشروع الوحدة اليمنية على أساس اتحادي ديمقراطي يضمن العدالة والمساواة والإنصاف لكل أبناء اليمن في دولة جديدة على مبادئ الحكم الرشيد بعد أن تعالج السلبيات وترد المظالم ويجبر الضرر كشروط ضرورية لبدء شراكة وطنية حقيقية بالثروة والسلطة. إسناد دولي في مواجهة تحديات الانتقال: وفيما يمضي اليمنيون في إنجاز بقية استحقاقات المرحلة الانتقالية بنجاح كبير، تزايدت وتيرة التحديات ذات الطابع الاقتصادي والأمني والمعيشي، والتي تهدد مسيرة التسوية السياسية. وإدراكاً من المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن، والدول العشر الراعية لاتفاق المبادرة الخليجية بشأن التسوية السياسية في اليمن، ممثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، لهذه التحديات والتهديدات المحدقة بعملية التسوية السياسية في اليمن، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي وبإجماع كامل من قبل أعضائه القرار رقم(2140) بشأن اليمن، تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، مستهدفاً معرقلي التسوية السياسية، ومؤكداً استمرار دعم المجتمع الدولي للتسوية السياسية في اليمن. وقضى القرار بتشكيل لجنة عقوبات لبحث فرض عقوبات على الأطراف التي تسعى إلى عرقلة عملية التحول الديموقراطي في البلاد وإعاقة العملية الانتقالية الجارية حاليا في البلد وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وفي خضم التحديات والتهديدات الخطيرة التي تواجهها المرحلة الانتقالية في اليمن برز تنظيم القاعدة الإرهابي، وغيره من المليشيات المسلحة، في مقدمة تلك التحديات وأشدها خطراً. يأتي ذلك فيما اليمن في أمس الحاجة إلى تهيئة الظروف الملائمة لإنجاز بقية الاستحقاقات الهامة والضرورية للانتقال إلى مرحلة الدولة الاتحادية وفي مقدمتها إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات المؤدية إلى تشكيل مؤسسات الدولة الاتحادية. وقد استدعى تعاظم خطر هذا التنظيم الإرهابي، والذي وصل إلى العاصمة صنعاء خصوصاً بعد تزايد أعداد العناصر الإرهابية القادمة من خارج الحدود، أن يتخذ رئيس الجمهورية - القائد الأعلى للقوات المسلحة، قراره الشجاع، بخوض معركة حاسمة مع عناصر التنظيم ودك معاقله وتحصيناته في محافظتي شبوةوأبين بجنوب البلاد، ومطاردة العناصر الإرهابية حيثما وجدت بما يكفل تطهير اليمن من شرورها وتداعيات نشاطها الإرهابي الخطر على أمن الوطن واستقراره وعلى اقتصاده وعلى الأنشطة الاستثمارية والسياحية. ومنذ شهر تقريباً تخوض القوات المسلحة والأمن وبمساندة لجان شعبية، معارك حاسمة مع عناصر تنظيم القاعدة، كللت بدك معاقل هذا التنظيم الإرهابي، وتطهير المناطق التي كان يتواجد فيها في محافظتي أبينوشبوة بجنوب البلاد، في حين تواصل القوات المسلحة والأمن حالياً مهمتها بنجاح في مطاردة بقية عناصره وفلوله. واليمن وهو يقوم بمواجهة تنظيم إرهابي عالمي الطابع، فإنه ينطلق من التزامه تجاه محيطه الإقليمي والمجتمع الدولي، بشأن محاربة الإرهاب، رغم ما تكلفه هذه الحرب من تكاليف اقتصادية ومادية وبشرية هائلة على بلد يعيش مرحلة انتقالية، ويعاني اقتصاده من تحديات عديدة مؤثرة. إنجازات اقتصادية وتنموية في بيئة غير مواتية: اكتسبت تجربة التغيير الفريدة في اليمن أهمية إضافية، استمدتها من التطورات الإيجابية للوضع الاقتصادي، والنجاح الملحوظ في تحقيق مؤشرات ذات مغزى، وغير متوقعة في هذا المجال خلال الفترة المنصرمة من المرحلة الانتقالية، عززت الأمل بإمكانية تحقيق التعافي الاقتصادي، وتحقيق معدل نمو اقتصادي موجب. وقد برهنت أحدث التقارير الصادرة عن الحكومة، على حدوث هذه التطورات الإيجابية والتي رصدتها في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وخصوصاً ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 4.8 بالمائة بنهاية العام 2013م مقارنة ب2% عام 2012، مقابل معدل نمو سالب بلغ - 8ر12 % عام 2011. ومن مؤشرات التطورات الإيجابية في الاقتصاد اليمني خلال الفترة الانتقالية، النجاح المسجل في السيطرة على عجز الموازنة، الذي لم يتجاوز نسبة ال 8 ر4 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو نجاح تعزوه الحكومة، إلى الدعم المباشر للموازنة، الذي تلقته من الدول الشقيقة والصديقة، وبالأخص المنح السخية من المشتقات النفطية المقدمة من المملكة العربية السعودية. وأظهرت التقارير الحكومية تحقيق نجاحا ملحوظا في الإبقاء على استقرار سعر الصرف، وفي تراجع معدل التضخم، وذلك من خلال خفض سعر صرف العملة الأجنبية والمحافظة على استقرار سعر العملة الوطنية عند حوالي (215) ريال مقابل الدولار، ورفع الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي من (5ر4) مليار دولار عام 2011 إلى (2ر6) مليار دولار بنهاية عام 2012، بجانب تراجع معدل التضخم لأسعار المستهلك (المتوسط السنوي) من (5ر19)% عام 2011 إلى (8ر9)% عام 2012. وضمن الإنجازات النوعية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، والتي تأتي وفق معايير العدالة الانتقالية ومتطلبات معالجة القضية الجنوبية، تم إنشاء صندوق خاص بالتعويضات وجبر الضرر، لتأمين الغطاء المالي للشق الاقتصادي والاجتماعي من الحل العادل للقضية الجنوبية. ويمضي اليمن الموحد بعد عقدين وأربعة أعوم من عمر منجزه الوحدوي العظيم بعزيمة قوية، مسنوداً بدعم من أشقائه وأصدقائه، في درب طويل تتخلله الكثير من التحديات، وغايته أن يصل إلى مرحلة تتحقق فيها كل الغايات التي تلتقي عندها أحلام وتطلعات أبناء الشعب اليمني، وفي المقدمة منها بناء دولته الاتحادية الديمقراطية متعددة الأقاليم، وبناء اقتصاد قوي ومزدهر والاندماج في بيئة الاقتصاد الإقليمي والدولي، والإيفاء بمعايير الحياة الإنسانية الكريمة لكل اليمنيين.