أتذكر فيما أتذكر، إننا عندما كنا صغاراً ومنذ المراحل الأساسية من التعليم في المدارس الحكومية فيما كان يسمى الشطر الجنوبي من الوطن اليماني الحبيب، كنا نتعلم مادة التربية الفنية، كمادة أساسية ممنهجة تصاعدياً في المعارف الفنية من سنة الى التالية وإننا في المرحلة الثانوية وبفضل هذه المادة كنا قادرين على تذوق الموسيقى، والفن التشكيلي وكانت كراريسنا تزين أغلفتها برسوم رمزية تعني المادة التي تخصها الكراسة، كأن نرسم دوارق وأدوات مختبرية على الغلاف للتعريف بأن هذه الكراسة خاصة بالكيمياء وتزيف كراسة الرياضيات برسم الأشكال والرموز الرياضية، وكذا الحال مع بقية المواد، كان الفن جزءاً من حياتنا، وكنا أكثر قدرة ممن سبقونا من الأجيال على الابتكار والخيال ومن ثم الإبداع، الذي كان يرتقي بحديثنا وسلوكنا ويعلمنا كيف نحب ونكون الصداقات المثمرة مع اقراننا ونتبادل المعارف التي تنمي مواهبنا المتنوعة، حتى في مجالات التعلم والأدب، وأتذكر إننا كنا جيلاً مكتمل البناء في شخصياتنا وفي مستوى تحصيلنا ومعارفنا العلمية وفي أذواقنا. أقول ذلك عندما انظر إلى جيل اليوم فأراه جيلاً هشاً بلا آفاق، يخيط في التيه، ويعاني من فقر المعرفة والقيم والتبلد العقلي والضحالة الذوقية، فتصيبني الحسرة عليه، وحين أتساءل عن سبب هذا التدهور في حياة الأجيال المعاصرة لا أجد من الأسباب مجتمعة الا سبباً مركزياً واحداً تتمحور حوله جملة الأسباب ، فقد كانت وطنية النظام السياسي تمد ظلالها على الوطن والناس وكانت التربية تربية حقه والتعليم ومناهجه تعليماً ومناهج بناءة، وعلى العكس من مرحلة السبعينيات والثمانينيات جاءت مرحلة التسعينيات والألفية وقد شهد الوطن اليمني تحقق الحلم اليماني في الوحدة الوطنية ولكن هذه الوحدة لم تكن محصنة بما يكفي لكي تصبح قوة ومنعة للوطن والناس كانت عشوائية وتركت في بنيانها نوافذ كثيرة لكي تدخل إليها الرياح المسمومة من الجهات الأربع ومع هذا الوضع غير الحصين قام نظام سياسي ضعيف الانتماء للوطن نظام تابع ومسير بقوانين السوق الرأسمالية العالمية ومقتضياتها التي كان أولها إعفاء الدولة من رعاية المواطن وليس آخرها تقليص الإنفاق على التعليم والثقافة وترك الأمر لجهد ومقدرة المواطن في الحصول على العلم والثقافة التي يريد الإنفاق عليها من كيسه الخاص. فقد ظل النظام غير قادر على حماية المواطن من القاسية التي جاءت من كل جانب وجهة واكتفى بنيل الرضا العالمي عنه وترك كل ما يخص الوطن والمواطن عرضة للغزو والتخريب بما في ذلك التربية والتعليم، وسرعان ما تغيرت المناهج لتغفل كل ماهو وطني وتتجه وجهات غريبة وبدعاوى تعميق الإيمان الديني تارة والاندماج بالسوق العالمية تارة أخرى أنتجت التربية والتعليم مناهج مشوهة أنتجت بدورها جيلاً مفرغاً من العلم والقيم وكانت النتيجة النهائية هذه الضآلة والضحالة التي نشاهدها في المستوى الثقافي العام لأجيال اليوم وما خفي كان أعظم. أننا بحاجة إلى توجيهات جيدة في التربية والتعليم ومناهج جديدة ثورية تؤسس من جديد تعيماً بناء وتربية علمية عصرية تقوم على الإرث الثقافي المستمد من هويتنا الوطنية بعيداً عن الانطواء في المشاريع الكونية رأسمالية كانت أم ليبرالية أم راديكالية دوغمائية وذلك يقتضي أن يبذل الجهد الأعظم لتأسيس نظام سياسي جديد للدولة اليمنية يقوم على مبدأ الوطنية وينتهي ويمد علائقه مع العالم ندا لند إلى حيث شاء.