حين نسمع تصريحات باجمال، عقب أحداث صعدة الدامية، وبدون الدخول في ملابسات ما جرى في صعدة (وهل مسموح لنا- نحن المواطنين العاديين الدخول في ملابسات صعدة أوفهم لماذا حدث ما حدث؟)، نعود إلى أقوال السيد باجمال، الذي فجأة كشف أو اكتشف أن البلاد (بلاد من؟ بلادنا جميعا بلا تمييز أم بلاد الكراسي والمناصب التي لأجلها يمكن للدم أن يراق؟) مفخخة بأماكن للتعليم غير الحكومي، فيها يتم (ما تسميه الصحافة الرسمية التغرير بالشباب، في حين يحدث حتى في مواطن التعليم الحكومي التغرير بالوطن)، حينذاك نتساءل: (هل يحق لنا التساؤل أم أن كل شيء، وكل أحد، بات ممهوراً بتهمة الحوثية وجاهزا لتلبس حيثياتها؟) نتساءل: هل كان باجمال يدري شيئا عن تلك المدارس؟ وعن حملات التعبئة للشباب أو ضدهم؟ إن كان يدري فتلك مصيبة؟ لأن الحل (الذي اقترحه باجمال مثلا، أو ربما حلول أخرى) كان لا بد أن يكون قد بدأ تنفيذه مع بداية ظهور مثل هذه المدارس الخارجة عن الخط العام للتعليم في بلادنا (وما أدراك ما التعليم في بلادنا). وإن لم يكن رئيس الحكومة يعلم و لا القائمين على شؤون التعليم فالمصيبة (كما يقول التعبير القديم) أعظم. وإني لأظن – غير آثمة – أن المصيبة كذلك حتى لو علم، حتى لو علموا جميعا. نتساءل: أكان لا بد من صعدة بحوثيها وقتلاها، ودماء كثيرة تراق حتى يتنبه المسؤولون في بلادنا أن التعليم هو حجر الزاوية في بناء المستقبل؟ وأننا الآن أكثر من أي وقت مضى بلا مستقبل نمضي لنواجه العالم، بأميين كثر تنتجهم وزارة التربية والتعليم مرفوقين بخاتم الحكومة وبتاريخ صلاحية من لدنها؟. وهل في علم رئيس الحكومة أن الأمية لم تعد في شكلها الكلاسيكي: أبجدية يتم فك مغاليقها، الأمية التي نعيشها بخصوصية يمنية نادرة المثيل، هي في الجهل المطبق بكل مفردات التكنولوجيات، هي في الجهل بلغة الآخر، هي مثلا حصاد عشر سنوات على الأقل من تعلم لغة الآخر دون أن يفلح متعلمونا في فهم تلك اللغة، ولا منطق بنيها ولا شيء من مفردات العصر؛ هي أكثر من أمية إذن. إن مهزلة التعليم في بلادنا (أصر على الإضافة التي تشركنا جميعا في الهم وتمنحني حق هذه التساؤلات بصفتي مواطنة ليس إلا) أقول إن مهزلة التعليم والمهازل الأخرى التي لا علاقة لها بالتعليم ولا بالتربية المتجسدة في أكثر مناطق الفساد المالي والإداري أعني وزارة التربية والتعليم بالدرجة الأولى، أعني وزارة التعليم العالي، أعني الجامعات، أعني كل ما له صلة بالتعليم في بلادنا ويكرس القيم الضد للتعليم وللمواطنة وللأمل الذي كان فتيا ذات ثورة يمنية جردت من نضارتها بفعل من يستفيدون من بقائنا بلا منجزات للثورة (إلا إذا استثنينا برنامج صور من بلادي، وشوف الصورة قبل الثورة، وبعد الثورة، وما جرى مجرى هذا الهراء)، نعم هناك من يستفيد من تجريد الثورة من معناها، من ارتباطنا بها، هناك من يستفيد من إقناعنا أن دم الشهداء الزكي ذهب هدرا وإنه حتى الشهداء وكل من ناضل من أجل الوطن تلزمه وساطة من مسؤول كبير أو شيخ قبيلة معتبر ليتم الاعتراف به شهيدا أو مناضلا. نعم هناك من يسعى أو فلنقل يسعون، لسلبنا انتمائنا لليمن الذي أصبح بنظر شبابنا مرادفا لتسلط الفساد ومجاهرته لنا بسطوته ووجوده. والحق ماذا نقول لشباب يتعلم ولا يجد مكانه اللائق لأن ابن الوزير أو ابن الشيخ أو أي جهة ذات نفوذ استحوذت على موقعه الذي يستحقه، كيف نطالبه بانتماء، أو بثقة في وجوده على أديم وطن يكفل له مواطنة متساوية مع أولئك الذي يعدون سوبر مواطن؟ وهناك أمثلة أخرى كثيرة كثيرة تختلف ظروفها وأصحابها، ولكن كل شيء يتفق في أنه يسلب منا انتماءنا، ويجردنا من الإحساس بحقنا على الوطن، وبأننا في بلد قامت فيه ثورة، لأجل أن يتساوى الجميع أولا، ولأهداف أخرى يتم التحايل عليها بصورة أو بأخرى. إن هناك.. أكثر من صعدة مهيأة للانفجار، وربما أكثر من (حوثي)، إن لم نعد النظر في كل شيء يتجسد فيه الفساد الذي ينخر في لحم الوطن، ويسمح بأن نقتسم جميعا وزر هذا الدمار.