نحن (الذين واللواتي لا تتنازعنا أهواء غير الهوى اليمني) مطالبون/ات بالكتابة مع الوطن، ولأجله، ولكنني، لكننا: الكثيرون/ات منا، آثرنا الصمت، فضيلة قديمة، وكنزاً لا يمكن التفريط به، وخصوصا في الأزمات. بهذا التعلل، بالجري وراء كنوز الصمت، كنت (وحدي على الأقل) أداري هروباتي من ورطة الكلام، أو من الوقوف على حافاته الخطرة، غير أن الهروب لم يعد ممكنا فكلما هربت من غواية الكتابة في قضية، أو خنت أمانة الكتابة عن أخرى، كلما أمعنت هربا بحجة الخوف من (حوثية ما، فما أكثر الحوثيات حتى قبل أن يوجد الحوثي أو تخطر بباله حوثيته)، أو حتى شرك التقاطع معها، أو بحجة الخوف على يمنيتي من أن تستلبها الجهات التي لا تعترف إلا بالهاتفين والهاتفات لها، أو خوفا على حياد منحتنا إياه الجهات الرسمية، وأجبرنا( أنفسنا دون ضغط رسمي) على الاعتصام بحبله، كما أجبرنا (أنفسنا أيضا) على الخوف عليه – حيادنا الإجباري- من حماقة الاعتراض أو جنون التساؤل (ملفاتنا الطبية جاهزة لإثبات خلل عقولنا لو لم نتمسك بذهب الصمت التزاما بوصايا قديمة)، كلما تماديت في الهرب، لتلك الاعتبارات، وغيرها، كلما تكاثرت عليّ المواضيع، وجابهتني القضايا الراهنة بسفور فاضح لم نكن نألفه (يخالف تعاليم حكومتنا الرشيدة، فضلا عن قيمنا الأصيلة). والآن مع كل هذا السفور الذي لا يمكن معه التعامي، و لا يمكن قطعا تجاهله، ماذا أفعل أيتها الحكومة؟ بل ماذا نفعل جميعا وأنتِ لم تتركي لنا (كما السابق) منفذا لمناصرتكِ؟. ماذا نفعل ونحن نراكِ دائما في الجهة المضادة لأحلامنا، ولتمنياتنا منك ولك وعليك؟ ماذا نفعل وقد صيّرتْنا سياساتك، في اليمن الموحد مقسمين (على الأقل) إلى مواطن (أما إلحاق التاء بالكلمة فمازال بعيدا عن فهم رجالات الحكومة والقائمين على تشريعاتها) ومسؤول(طبعا لا تاء هنا أصلا وإن وجدت ذوات التاء فذلك الاستثناء الذي يؤكد قاعدة ا لذكورة العريضة): المسؤول لا علاقة له بالمواطَنة العادية، والمواطن لا قدرة له على أن يتجاوز حاجز عاديته (الخطأ يرجع طبعا لعدم اهتمام المواطنين -لا مجال لإشراك النساء هنا- برياضة القفز على الحواجز) ليقفز إلى جهة يتساوى فيها الجميع في اقتسام هواء الوطن، دون أن أقول ثرواته، أو ميزات الانتماء لهوية ذات أرصدة بنكية مشرفة.? ومع كل أخطاء الحكومة اكتشفت أني (وكثيرات مثلي آثرنا البعد عن السياسة والتمسك بنزعة أمومية) لم نملك إلا أن نراها (حكومتنا، لا سواها) كالأطفال: نحبهم مهما لنا أساءوا – بحسب نزار قباني- وظل في الخاطر الأمومي أمل أن ينصلح الحال، فمن هم في الحكومة بشر مثلنا: ولدتهم نساء من نفس طينتنا، ومن نفس دمنا، جاءوا من نفس الهوية وبها صعدوا على أكتافنا، ونتشارك معهم في تنفس نفس الهواء، وحمل نفس الملامح ، وأحيانا الأسماء؛ وربما تتحامل عليهم النفوس طمعا في ما عندهم، وفي هذا النزاع من الحكمة أن يلزم المواطن (الأنثى تتبع وليها هاهنا) القنوع جهته وحده، فلا يميل إلى أي جهة ما لم يتضح له الاتجاه الصواب، الذي هو اتجاه حكومي في الأصل؛ ولهذا ما أن تتفاقم الأحداث أو تندلع النيران مفسدة علينا رؤية الجهات والمواقف كنت، وربما كان كثيرون/ات، مثلي، أقول لنفسي: حين لا نعلم أين توجد الحقيقة، حين يلتبس علينا الاتجاه، فلننتظر حتى ينكشف لنا أي الخيطين أبيض(لا علاقة للون بأي دلالة غير لونية) كي نتبعه، وأيهما ينتمي للسواد(ليس المقصود عامة الناس طبعا) كي نتجنب الوقوع في شراك دعوته. ولكنكِ هذه المرة (أعترف لك) أيتها الحكومة فاجأتني تماما، فاجأتنا جميعا بتحقيق إنجاز غير مسبوق، وبالتفوق على مطالب المنظمات النسوية (حتى المتطرفة منها) التي تنادي بحقوق متساوية بين الرجال والنساء؛ ها أنت في إنجازك، الذي لا أظن أنه الأخير، تتفوقين على حلمنا في المساواة: لنتساوى(بفضلكِ، ولأول مرة في تاريخ يمننا الحديث، يمننا الموحد) رجالا ونساء في حقنا من الضيافة الأمنية. إنه بدون مجال للمزايدة (انتصار) كبير أن نتجاوز العقلية القبلية المتزمتة التي لا ترى المرأة نداً لأخيها الرجل، وهو حدث غير عادي أن تقوم الجهات الرسمية بتبني خروج المرأة إلى المعتقل شأنها شأن أخيها الرجل (حتى لو كان أخوها المذكور طفلا لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره) فالكل قد صار سواء في عين العدالة، ولافرق بين ذكر أو أنثى إلا...، لست أدري المستثنى في رأي الحكومة بجهاتها الأمنية التي كسرت كل التقاليد البالية التي تجعل النساء بمنأى عن كرم ضيافتها الذي طالما سمعنا به وحان حين رؤيته. أخيراً: هاقد صار بوسعي أن أقولها، دون تملق، دون أن أخون مواطنتي، أقول بكل ثقة: برافو لرجال الأمن الأشاوس، برافو لسياسة الحكومة في مواجهة التمييز بين الرجل والمرأة؛ و لعلها -الحكومة، و الجهات الأمنية- لن تخذلنا وستعدنا بالمزيد من الإنجازات تعزز به هكذا (انتصار). وسأهمس في أذن أصحاب هذا الإنجاز: لا تتراجعوا تحت ضغط القوى الرجعية التي تتظاهر هنا أو هناك من أجل إعاقة خطوكم. سيروا بنا ولا تأبهوا لأحد، ولن نسأل بعد اليوم إلى أين؟ فمن الواضح أن لا أحد يدري إلى أين نحن سائرون، لا أحد يدري إلى أي منجز ستقذفنا العناية الحكومية.