بإعلانه عدم ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة في بلاده ألقى الرئيس اليمني على عبد الله صالح حجرا ثقيلا في "مياه التغيير" الراكدة عربيا، بعد أن بدأت "رياح الشمال الغربية" تحركها بعض الشيء في المنطقة. فالعبارات التي تحدث بها صالح في خطابه جديدة من نوعها بالنسبة لرئيس أمضى 27 عاما في سدة الحكم في بلاده، ما يعني أن جيلا كاملا ولد وشب ولم يجد غير الرئيس رئيسا، حتى دفعتها الرغبة في التغيير أخيرا إلى إعادة صياغة الحركة السياسية الإصلاحية الشعبية في مصر "كفاية" بعنوان اكثر حدة هو "ارحلوا". وأمام الضجر الشعبي المتصاعد الذي يطالب "المعتقين في السلطة" بالاكتفاء والرحيل جاءت المبادرة من أعلى في الحالتين المصرية واليمنية بالتعديل الدستوري الذي يسمح بانتخابات رئاسية تعددية للمرة الأولى في مصر، وببشارة عدم الترشيح في اليمن. معاً، هاتان المبادرتان الفوقيتان لصالح وحسني مبارك احتاجتا اكثر من ربع قرن لكي تولدا من رحم مثقل بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تفعل شيئا له قوة تأثير التبشير الأمريكي ب "ربيع التغيير في المنطقة". وبعيدا عن الخوض في حديث "بيدي لا بيد عمرو" وأيهما أشد تأثيرا نجد الغام الاستثناء الكامن في ال "لكن" يسكن الحالتين المصرية واليمنية معا، فالرئيس المصري مبارك آثر تأخير إعلان موقفه من الترشيح للانتخابات المقبلة في بلاده وعلى الرغم من ذلك نشطت جهات حكومية في الدعاية المبكرة للرئيس رفع في بعضها شعارات تقول "حتى الأجنة في بطون أمهاتها تريدك يا مبارك". وإذا كانت الفترة الفاصلة ما بين تعديل الدستور والانتخابات الرئاسية في مصر شهور قليلة، وشهدت هذا الكم من الزخم الدعائي، فان الفترة الفاصلة بين إعلان على عبد الله صالح مبادرته عدم ترشيح نفسه وموعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في اليمن تزيد على العام، ولا يدري أحد تحديدا ما إذا كان صالح سيثبت على موقفه أم أننا سنجد تنويعاً يمنياً جديداً على شعار الأجنة المؤيدة في أرحام الأمهات، وتشبث حزب المؤتمر الحاكم بالرئيس رئيسا. ونتمنى ان يكون خطأ الرأي القائل ان تصريحات صالح دعاية انتخابية مبكرة، قطعتها مؤقتا "انتفاضة الوقود" التي راح ضحيتها 39 قتيلاً وعشرات المصابين، وأمام صالح فرصة نادرة لتسجيل اسمه في فصول خالية من تاريخ السلطة في وطننا العربي لم يسجل فيها غير اسم الرئيس السوداني السابق عبد الرحمن سوار الذهب، وعلى صالح أن يثبت أن الحكمة اليمانية لا تقل قيمة عن الزهد السوداني في سلطة خبرها 27 عاما متواصلة هي تكليف قبل أن تكون تشريفا.؟