الإعلام المصري التزم الصمت الكامل إزاء ما يجري في اليمن.. صحف الحكومة المسماة بالقومية لم تشر إليه ولو بحرف واحد.. وكان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح قد أعلن في ذكري توليه الحكم عام 1978 عزوفه عن ترشيح نفسه مجدداً في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام القادم، قال: الناس ملوا منا ولن أترشح مجدداً. وأضاف: أدعو كل الأحزاب السياسية والفاعليات الوطنية بما فيها المؤتمر الشعبي العام وهو الحزب الحاكم الذي يرأسه إلي البحث عن كفاءات سياسية تقود البلاد في المرحلة المقبلة، وسأكون راعياً لهذه المسيرة الديموقراطية ولعملية التداول السلمي للسلطة .. وفي يقيني، إنه لو صدق فسيدخل التاريخ من أوسع أبوابه. وأعود إلي أرض الكنانة بمصرنا العزيزة.. فتجاهل الإعلام المصري لما جري في اليمن السعيد له مبرراته الواضحة! فالرئيس اليمني وضع، بحسن نية، قائد مصر في حرج!! والمنتظر أن يعلن مبارك عن ترشحه لفترة رئاسية جديدة تمتد ست سنوات أُخَرْ وهو الذي يحكم منذ سنة 1981. رئيس اليمن أطول منه حكماً بثلاث سنوات، وأصغر منه عمراً بما يقرب من عشر سنوات!! حيث أكمل الرئيس المصري السابعة والسبعين من عمره. والانتخابات الرئاسية القادمة في مصر ستجري بعد أقل من شهرين.. وموقف الرئيس الحالي من ترشيح نفسه مجدداً لم يحسم حتي هذه اللحظة. ويتساءل البعض بصوت خافت: هل سيعلن رئيس مصر عن مفاجأة كبري في عدم رغبته في الترشح من جديد؟ من يدري ما الذي يمكن أن يحدث؟ أصحاب الصوت العالي يؤكدون: مبارك هو رئيس مصر لسنوات قادمة أو علي الأقل ابنه جمال مبارك الذي تزايد نفوذه بشكل واضح في السنوات الأخيرة بالحزب الوطني الحاكم. وأصحاب الصوت الخافت يقولون: يا ليت رئيسنا يعلن أنه قد حان الوقت لتولي جيل جديد المسؤولية.. وسيكون أول رئيس في تاريخ مصر كلها منذ أيام الفراعنة يترك الحكم بمحض إرادته ونتمني أن يتمسك بما أعلنه من قبل أكثر من مرة أن نجله لن يخلفه، فمصر ليست إرثاً، والقاهرة مختلفة عن دمشق! فهل سيكتب التاريخ اسم حسني مبارك بأحرف من نور؟ أم أن الأوضاع ستظل كما هي دون تغيير يذكر؟ قبل نهاية شهر يوليو الحالي ستعرف الإجابة.. إما مفاجأة كبري أو الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة بنتيجة معروفة سلفاً! وأعود إلي اليمن السعيد.. هناك من يراهن أن تصريحات الرئيس اليمني لن تكون قنبلة الموسم وأهل النفاق عندهم القدرة علي إبطال مفعولها قبل أن تنفجر وتصبح سابقة لم تحدث من قبل في بلاد أمجاد يا عرب أمجاد! والجدير بالذكر أنه لا يوجد حاكم عربي تنحي عن منصبه! ولا يذكر التاريخ سوي الرئيس السوداني الأسبق سوار الذهب الذي قاد انقلاباً عسكرياً في منتصف الثمانينات من القرن العشرين الميلادي، وبعد استيلائه علي الحكم بفترة قصيرة قام بتسليم السلطة إلي المدنيين في سابقة لم تحدث من قبل! والرئيس علي عبدالله صالح تجاوز حكمه الربع قرن، وتحديداً 27 سنة، وتستطيع أن تقول عنه أنه باني اليمن الحديث، وأراه غاية الذكاء والحنكة والقوة وإلا لما استطاع أن يمكث في سدة الحكم طيلة تلك المدة.. فبلاده من الصعب حكمها، فطبيعتها وعرة، ونفوذ القبائل فيها هو الغالب، واشتهرت دوماً برفضها الخضوع للحكم المركزي أو إقامة حكومة قوية علي أرضها. ونجح الرئيس اليمني في ترويض هذا الأسد، واستطاع التغلب علي خصوم شتي تمثل أطرافاً عدة مثل الشيوعيين الذين حاولوا الانفصال بجنوب اليمن، لكنه تمكن من سحقهم بعد معارك دامية وتوحيد أرض الوطن، وكذلك الجماعات الإسلامية المتمردة التي شكّلت صداعاً دائماً لحكمه، واستمدّت قوتها من بعض القبائل وأحرجت النظام الحاكم أكثر من مرة باعتدائها علي الأجانب! وكانت ذروة ذلك الهجوم الذي وقع علي المدمرة الأمريكية كول التي كانت راسية في عدن، وأدت إلي مصرع العشرات من البحّارة الأمريكان، ووقوع أزمة دولية! فليس من السهل حكم اليمن، ولذلك يتصور البعض أن إعلان الرئيس اليمني عدم ترشحه للرئاسة مجرد تمثيلية حيث سيعلن الحزب الحاكم تمسّكه برئيسه ويهتف له أهل النفاق: بالروح والدم نفديك يا ريس! ويعدل عن قراره بناءً علي رغبة الشعب الذي لا يستطيع الاستغناء عن حكمته وجسارته!! أو علي الأقل فتح باب التوريث لأبنه أحمد قائد القوات الخاصة باليمن.. وتلك الدولة من بين البلاد المرشحة لخلافة الابن! وتحويلها إلي جمهورية ملكية! وأتمني أن يكون الوضع عند الرئيس اليمني مختلفاً، وفي الاجتماع الذي أعلن فيه قراره التاريخي زجر أنصاره الذين قاطعوه بصيحات الرفض قائلا: لم نأت هنا للمبايعة، وإنما لندعو الناس إلي التداول السلمي للسلطة .. وأختم كلامي قائلا: أفلح إن صدق. *نقلا عن الراية القطري