استغلال حاجة الشخص للعمل تجعل بعض إدارات القطاعات الخاصة تطمع في سلب معظم حقوق هذا الشخص. فابتداء بقبوله موظفاً لديها لا يكون هناك عقد عمل يوضح كل الشروط التي يجب أن يوقع عليها الطرفان، فيظل الموضوع عائماً، متوجساً طالب العمل خيفة من النهاية غير واضحة الملامح. فقد يتعرض للفصل بين عشية أوضحاها وبدون إنذار مسبق من الإدارة لمجرد أنه مر بظروف مرضية اضطرته أن يتغيب أسبوعاً أو لأنه طالب بحق من حقوقه أو لأن المدير قرر تجريد مؤخراً توظيف أحد الأقارب.. فيتم الاستغناء عن ذلك الموظف الشقيان، وقد لاتكلف طريقة إبلاغه بذلك الإدارة الكثير فقد يرفع المدير سماعة الهاتف قائلاً (لا تأتي اليوم لسنا بحاجة إليك)، أو بقصاصة من الورق في إحدى صباحات الدوام الباكر. عادة ما يحس الموظف بالخسارة لاسيما النفسية وقد تنتابه حالة من الاكتئاب لأنه فقد مصدر رزقه الوحيد دون أدنى سبب واضح ولا يعي بأن هذا فصل تعسفي ومن حقه الدفاع عنه، فهو يعتقد بأن أولئك هم أرباب العمل ولهم الحق في طرده في أية لحظة أرادوا. فهو جاهل بما حفظه القانون لموظفي القطاع الخاص، وهو أمُي حقوقي أي غير مدجج بالثقافة الحقوقية والقانونية التي قد تعطيه صفارة تنبيه تنذره بأن ما مورس ضده إنما هو انتهاك لحقه. ولست هنا بصدد التعميم على كل إدارات القطاع الخاص ولكن أوشك ما يحدث من تكرار لهذه الحالات أن يحولها إلى ظاهرة، وأريد الإشارة بأن هذا يتكرر بشكل مستمر في المدارس الخاصة وفي المستشفيات الخاصة أيضاً. فقد تأخذ بعض إدارات المدارس بعض المعلمين أو المعلمات لحمة وترميهم عظمة فلا هي التي تعطي لهم مستحقاتهم التي تناسب مؤهلاتهم العالية، أو حتى تعفيهم من الحرب النفسية والجهد العضلي والعقلي والبدني الذي قد يعانون منه مقابل راتب هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع. وفي حالة الاستغناء عنهم فإنها تكون بمثابة ما يقوم به رجل شرس المعشر.. استغل زوجته حتى أخر قطرة من دمها فخارت قواها، فإذا هو في غنى عنها ومطلقها دون مؤخر صداق. فكيف إذن ننادي بإصلاح العملية التعليمية والتربوية في حين ما تمارسه بعض سلطات القطاع الخاص ومؤسساته ضد أصحاب الرسالة من استغلال وانتهاك قد ترميه في غيابة الظلم الذي قد ينضب معينة إزاء القيام بأدواره على أكمل وجه. ما لفت انتباهي هو عريضة موقعة بأسماء بعض أطباء إحدى المستشفيات الخاصة تطالب الإدارة بتقدير ظروفهم المعيشية بصرف مرتباتهم نهاية كل شهر بدلاً من منتصف الشهر القادم فما كان من الإدارة إلا أن طردت كل الموقعين دون الالتزام باللوائح والنصوص التي تقول بأنه لا يتم الاستغناء عن الموظف دون إنذاراه قبل ذلك، وأن تقوم بصرف نهاية خدمة. استسلم الأطباء لهذا القرار غير العادل وسيق جميعهم إلى خارج رحاب المستشفى مغمومين مهمومين.. إلا من استوعب منهم الأمر فلجأ إلى الجهات المختصة. ما يثير دهشتي بأن دور النقابات ووزارة العمل ما يزال ضعيفاً وأحياناً قد تضع كمامات حتى لا تشتم الروائح المزعجة لهذا الظلم.. وقد تسد أذنيها حتى لا تستطيع سماع أنين المعاناة! وإلى متى ستظل إدارات المدارس الخاصة تكرر مثل هذه السلوكيات التي تربك العمل التربوي وتحدث له البلبلة، وعدم الاستقرار لصاحب الرسالة. صور لاستغلال تنخر كالسوس في أجساد المحتاجين للعمل. ما أقترحه هو أن تدرس مادة عن الحقوق العامة في المدارس والجامعات ليتخرج جيل مثقف حقوقياً وقانونياً على دراية بما له أو عليه، كخطوة أولى لتصحيح ما يحدث من انتهاكات للحقوق وحتى لا يتجبر أرباب العمل الخاص على موظفيهم الذين يضطرون للرضاء بالقليل المنقطع، فلا جدوى لقوانين وحقوق معطلة ومصادرة.