ما وصلت إليه التجربة الديمقراطية في بلادنا حتى اليوم يعتبر مكسباً جيداً، ولكي نصل مستوى أعلى علينا أن نسعى بحق الصيرورة السلمية بهذه التجربة بلا دموية بحيث تسير الأحداث وفق الالتزام بكافة الشروط الأخلاقية والعملية التي وردت في دليل الترشح للانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م والذي احتوى أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية والأحكام المتعلقة بالترشيح لعضوية المجلس المحلي والأحكام والضوابط للوسائل الدعائية للانتخابات. على أن ما حدث من قتال وسفك للدماء في محافظة الجوف أمر يشق على القلب ويوجع الحلم بالديمقراطية والحرية والنزاهة، فعملية التحضير ليوم الانتخابات ينبغي أن تقوم بها اللجان بسلام ودون خسارة أرواح غالية، ولاشك فكل قطرة دم يمنية أغلى بألف مرة من هذه التجارب على أهميتها فالحياة منحة الله لنا وأرواحنا وأرواح من نتفاعل معهم أمانة لدينا كفانا حماقات واقتتال من أجل ماذا؟ من أجل مهام ومسؤوليات على المقدم عليها أن يفكر ثلاثة وعشرون مليون مرة تقريباً قبل أن يقاتل من أجل تحملها على كاهله الذي قد لا يقوى عليها. وبرغم التفاوت في الإمكانيات المادية للمرشحين والاختلاف في الالتزام بلوائح وقوانين الانتخابات، وبرغم مكبرات الصوت النافرة من سيارات تشبه المصفحات الإسرائيلية تصم الآذان في تمشيطها للشوارع، ورغم تحيز وسائل الإعلام الرسمية ببث برامج دعائية مباشرة لأحد المرشحين للرئاسة، وبرغم الأصوات الغريبة التي نسمعها في الشوارع والمكاتب والباصات لأناس يثلجون الصدر بوعيهم وفهمهم للعملية الديمقراطية ورغبتهم في تطور البلاد وتقدمها ومحاربة الفساد وكف منابعه وبين أناس متشبثون بغباء بخطاب العنف والتعصب والقوة والتهديد بالدفاع عن قناعاتهم البالية بأساليب همجية تصل حد الشتم والاتهام والضرب، وللآن لم أشاهد قتل، رغم أنني سمعت أحد سائقي الباصات يهدد وبكل شراسة زميل له علق صورة مرشح آخر لا يحبه على خلفية باصه بالقتل والدعس، وشتمه شتماً مقذعاً على مرأى ومسمع. علينا بعد كل هذه السنوات من المحاولة لاتخاذ الديمقراطية خياراً سلمياً لتبادل السلطة أن نكون عند كفاءة ذلك الاختيار والكف عن تسيير هذا الخيار الأكثر حداثة بآليات ماضوية تجنح للعنف والقتل والخطف والإقصاء والتهديد، علينا تفهم أن الديمقراطية هي أن نمنح الآخرين حرية الاختلاف والتعبير عن الذات مهما اختلفنا معهم، وفي كل مكان داخل الأحزاب والمنظمات، وفيما بينها وفي أوساطنا كأفراد مستقلين.. استغرب من حزب أو منظمة قمع أحد أعضائه واتخذه عدواً لاختلافه معه في الرأي أو القناعة كيف سيقبل غيره إذن؟! علينا أن نقبل بعضنا بحرية وصدق، نحن لا نريد تحقيق مكسب حداثي جميل بآليات محنطة تقوم على العصبية والقتل والدم، اليمن تمر فعلاً بمخاض يشارك فيه الجميع ولهم شرف تخلق هذا الوليد المغسول بالحرية والشفافية والسلام، مخاض يخرج منه الوطن منتصراً ينهزم فيه الجهلة والمفسدون، فكل من سيسهم في إتمام هذه التجربة بأمن واستقرار ورقي فائز ولا خاسر في حالة إشعال الفتن غير وطننا الذي ينشأ بين أيدينا في هذه المرحلة التي لن ترحم في تاريخها أي خائن أو متخاذل، ولنا في تجربة فتح وحماس في دولة فلسطين أسوة حسنة حيث كانت فلسطين هي الفائزة بفوز الديمقراطية والغلبة للشعب، ولا مهزوم يمنح الديمقراطية إمكانية التحقق والكينونة، المحك الأخلاقي والسياسي لبلادنا مواطنين وأحزاب ومنظمات أمل يفوز فيه وطننا بحريته وتقدمه نحو الأفضل بتضافر جهود كل الشرفاء والجادين في اتخاذ الديمقراطية مساراً نحو الخلاص والصلاح.